تساقطات ثلجية قياسية تلك التي عرفتها المناطق الجبلية من إقليم أزيلال، في الأيام الأخيرة، تساقطات و إن كانت لها نتائج ايجابية و تبشر بموسم فلاحي جيد، إلا أنها جاءت مرفوقة ببرد قارس، أو «أصميد»، كما يُطلق عليه باللغة الأمازيغية، إذ أتى «قاسياً» ، وزادت من قساوته هشاشة البنية التحتية، و انقطاع الطرق والمسالك و»فقر» الأسر. برد يترقبه السكان بكثير من الاستعداد و الخوف، برد يخترق منازلهم الطينية و يهدد حياتهم و يحاصر أنشطتهم.
تعليم « تحت الصفر»
إذا كانت المعاناة الناتجة عن هذه الموجة من البرد القارس التي تجتاح هذه المناطق عامة ، فإن الأساتذة و التلاميذ أكثر تضررا ، فجل المؤسسات التعليمية بهذه المناطق أصبحت مكسوة برداء أبيض ، وصار الولوج إليها مهمة شاقة ، بل و مستحيلة في بعض الأحيان. و يكابد الأساتذة و التلاميذ محنة كبيرة لمقاومة هذه البرودة القاسية، حيث انخفضت درجة الحرارة في بعض المناطق إلى عشر درجات تحت الصفر ، و تزيد من هذه المحنة هشاشة بنية مجموعة من المؤسسات التعليمية، ورغم أن المديرية الإقليمية لوزارة التربية وفرت بعضا من حطب التدفئة والفحم الحجري إلا أن ذلك لا يشمل جميع المؤسسات ، إضافة إلى غياب البنيات المناسبة لذلك كالمواقد.
و يقول الأستاذ محمد ع من أيت عباس ،. و هو حديث العهد بالعمل بهذه المنطقة، إن هذه الموجة من البرد لم يعش مثلها من قبل بحكم أنه ينحدر من منطقة لا تعرف تساقط الثلوج . وأضاف « إن وسائل مقاومة البرد القارس غير متوفرة باستثناء الحطب الذي يمدني به السكان و أستعمله بحذر مخافة التعرض للاختناق».
و أوضح أن معاناة التلاميذ أكبر نظرا لتفشي الفقر الذي يجعل الآباء غير قادرين على توفير الملابس الصوفية، التي تقي أجسادهم و كذلك التغذية الضرورية التي تمنحهم الطاقة اللازمة لمواجهة هذه الظروف المناخية الصعبة. و أضاف أنه في بعض الأحيان يضطر لإنهاء الحصص الدراسية قبل الوقت الرسمي بسبب عدم قدرة التلاميذ على الدراسة في تلك الأجواء الباردة.
وتجدر الإشارة إلى أن أستاذين من مجموعة مدارس أيت تمليل، قد تم نقلهما بواسطة طائرة هيلوكبتر للدرك الملكي،الأسبوع الماضي، إلى المستشفى الجامعي بمراكش ، بعد تعرضهما لاختناق بأحادي اوكسيد الكربون.
من جهته أكد سعيد أخشون نائب رئيس جمعية آباء و أولياء وأمهات تلاميذ مجموعة مدارس ايت مزيغ ، أن على الوزارة التدخل بتوفير الكمية الكافية من حطب التدفئة ، بجميع المؤسسات التعليمية المتواجدة بالمناطق التي تعرف انخفاضا في درجات الحرارة، في هذا الفصل ، و كذلك توفير المطعم المدرسي طوال السنة بدل الاكتفاء بعدة أيام فقط وكذا تكييف استعمال الزمن مع الظروف المناخية ، فاعتماد الساعة الثامنة صباحا في هذه المناطق الباردة يساهم في الرفع من نسب التأخر و الغياب.
هموم الصحة
يسرد عدد من سكان هذه المناطق محنهم الناجمة عن التساقطات الثلجية ، و يتحدثون بمرارة عن مرضاهم الذين يتم نقلهم على ظهور الدواب أو على النعوش لمسافات طويلة ،و في أحسن الأحوال يتم استعمال «بيكوب». و يحكي بعض سكان جماعة أيت مزيغ قصة الرجل المريض الذي تم نقله،الأسبوع الماضي، على ظهر بغل من دوار ايت وزوود بجماعة اكودي نلخير إلى المركز الصحي لأيت مزيغ ، الذي يفتقد للأطر الكافية لتقديم الخدمات الطبية للسكان ، حيث لا تعمل به إلا ممرضة وحيدة ،وتنتظر الساكنة بفارغ الصبر تعيين طبيب.
وأمام صعوبة الولوج للخدمات الصحية، يضطر سكان هذه المناطق للاستعانة بالعلاج التقليدي، لمواجهة الأمراض التي تتفشى في هذا الفصل، و خاصة نزلات البرد الحادة التي تنتشر بكثرة بين الأطفال و المسنين .
أما النساء الحوامل فأغلبهن يضعن مواليدهن في المنزل و ما يرافق ذلك من أخطار على صحة الأم و الجنين على حد سواء.
للإشارة فقد قامت مؤسسة محمد الخامس للتضامن بتوزيع مساعدات إنسانية على ما يزيد عن 8700 أسرة من ساكنة الإقليم قصد التخفيف من آثر هذه الموجة من البرد الشديد.