أعداد متزايدة وأوضاع تطرح مسؤولية أكثر من جهة في الميزان
أشخاص تقطّعت بهم السبل، أغراب عن وطننا، من الجنسين، إناثا وذكورا، أغلبهم يافعون وشباب، ومنهم نساء مرفوقات برضع، بل وحتى أطفال. هائمون بين شوارع مدننا وطرقاتها، بعضهم يرتدي أسمالا بالية، وآخرون حفاة، منهم من يتسول، ومنهم من طوّر ممارسته، وأضحى يبحث عن دراهم نظير خدمات مسح زجاج السيارات، يقفون عند هذه الإشارة الضوئية أو تلك، في جماعات، بعضها لايتعدى أفرادها 3 أو 4 أشخاص، والبعض الآخر قد يصل إلى سقف العشرة أشخاص ويمكن أن يتجاوزها إلى ماهو أكثر.
إنهم أفارقة مهاجرون من دول جنوب الصحراء، يتواجدون بيننا بكيفية غير شرعية، أغلبهم جاؤوا إلى المغرب باعتباره بوابة عبور نحو الضفة الأخرى، يحلمون ويمنّون النفس بمعانقة الحلم الأوربي، لكنهم اصطدموا بعراقيل فرضت عليهم إعادة ترتيب «أوراقهم»، وكان أن خفّف عنهم وطأتها المناخ الذي توفّر لهذه الفئة بعد الخطاب الملكي لـ 6 نونبر 2013، بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء، والذي من بين ماجاء فيه تأكيد الملك محمد السادس على «عمق العلاقات المتميزة والروابط التي تجمع المغرب بدول جنوب الصحراء، التي هي ليست سياسية واقتصادية فقط، وإنما هي في العمق روابط إنسانية وروحية عريقة»، حيث دعا جلالته «الحكومة إلى بلورة سياسة شاملة لقضايا الهجرة واللجوء، وفق مقاربة إنسانية، تحترم الالتزامات الدولية لبلادنا وتراعي حقوق المهاجرين…»، الأمر الذي تفاعلت معه مصالح الإدارة الترابية في مناطق بكيفية حكيمة تنهل مما هو إنساني وقانوني، في حين نزعت أخرى نزوعا آخر، تُطرح بشأنه علامات استفهام عديدة، كما هو الحال على مستوى عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان بالدارالبيضاء.
فضاءات «لافتة» ؟
أضحى مشهد أشخاص من جنسيات إفريقية من دول جنوب الصحراء، منذ قرابة السنة، بشكل خاص، مألوفا بتراب عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان بالدارالبيضاء، المنطقة التي باتت نقطة تجمع لأفواج عديدة منهم، التي يتوافدون عليها من مختلف الأرجاء، وهو الأمر الذي تعايش معه الجميع، ليس فقط على مستوى المحاور المرورية عند الإشارات الضوئية، عند تقاطع «لاكروى» وطريق اولاد زيان، أو عند تقاطع زنقة إفني وطريق أولاد زيان، أو بمجموعة من أزقة لاجيروند، أو على مستوى تقاطع شارع الفداء ومحج محمد السادس، وغيرها من الملتقيات الطرقية، بل إن فضاء أخضر بلاكروى، صار ملجأ لهم، تغطي شجيراته الأغطية البلاستيكية والبطانيات والملابس، في مشهد شبيه بمخيمات «اللاجئين’الهاربين من «الحروب الأهلية» وغيرها، شأنه في ذلك شأن أحد أرجاء فضاء بكار، الذي تم «تفويته» لهؤلاء المهاجرين الذين يبيتون فيه، ويقضون حاجاتهم الطبيعية بجنباته، حتى أضحى المرور على مقربة من «الملعب» أمرا عصيّا، بالنظر إلى منسوب النتانة والروائح القذرة المنبعثة، التي تنضاف إليها أكوام النفايات، وتكاثر الحشرات، خاصة في الفترة الحالية التي تتميز بارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي يسهم في انتشار الجراثيم والأمراض؟
واقع مر
وضعية غير سليمة للبتة، تطرح أسئلة عديدة بشأن الدوافع التي أملت على مسؤولي عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، تفويت فضاء رياضي المفروض أن يكون رهن إشارة شباب المنطقة، لهذه الفئة من المهاجرين، فضلا عن عدم تحريكهم ساكنا حيال المظاهر الشائنة المتعددة التي باتت تعيش على إيقاعها هذه المنطقة، التي يتنفس روائحها النتنة، ويعاين صورها المؤلمة، المارون من أمام فضاءات المحطة الطرقية لاولاد زيان وزوارها، تعلق الأمر بالقادمين للعاصمة الاقتصادية أو المغادرين لترابها، الذين يكون أول مشهد يصطدمون به بالنسبة للبعض، وآخر مشهد بالنسبة للبعض الآخر، هي أفواج المهاجرين النائمين أو المستلقين في وضعية غير مستساغة، حتى لو قبلنا جدلا بخطوة التطاول هذه على الملعب، وتخصيص فضاء لهؤلاء الأشخاص يجمعهم، لانتفاء عدد من مقومات المقام الكريم به، والذي يخدش كرامتهم بشكل لايستقيم والتوجيهات الملكية الداعية إلى الاعتناء والاهتمام بهذه الفئة التي يجب أن نرى فيها عمقنا الإفريقي، وأن تُعامل بطريقة مغايرة، خلافا للواقع الذي يعيش فيه قرابة 300 مهاجر، ثلثهم يدينون بديانة الإسلام!
محطة عبور
مهاجرون رمت بهم الأقدار إلى «درب السلطان»، الذي بات قبلة للعديد من الأفارقة الذين يلجون بلادنا بطريقة غيرشرعية، بعد قطعهم لمئات الأميال قادمين من بلدانهم، وعبورهم لمسارات هي ليست بالهيّنة، التي يعرفونها حقّ المعرفة، تنشط فيها «تجارة البشر» وغيرها، والذين تكون لهم نية العبور نحو الضفة الأخرى، لكن وأمام مطالبتهم بمقابل مادي من طرف سماسرة التهريب، لتمكينهم من طموحهم، يتوزعون في اتجاه المدن الكبرى، حتى يمكنهم التسول وجمع المال المطلوب، فتكون الدارالبيضاء، ومحطة «اولاد زيان» وجهة عدد منهم، التي يقضون بترابها فترة زمنية معينة إلى حين تجميع المبلغ المطلوب، خلافا لفئة أخرى تختار الاستقرار في المغرب، وتطمح لتسوية وضعيتها، وتبحث لها عن فرص للشغل وعن سكن، إذ تعمل الفئة الأولى بعد جمع المال المطلوب على التوجه صوب الناظور، الوجهة رقم 1، أو طانطان الوجهة رقم 2، للعبور نحو الحلم الأوربي، لكن أعدادا منهم لايتوفقون في ذلك، بعد صدهم من طرف الجهات المغربية المختصة بالناظور، فيتم إرجاعهم إلى «درب السلطان» التي تصبح مستقرّا لهم بكيفية «رسمية»؟
ممارسات شائنة
المهاجرون العابرون لبلادنا، والذين يختارون فضاء «بكار» مستقرا «مؤقتا» لهم، والذين قد تطول مدة مكوثهم به إلى إشعار آخر، لايكون تواجد أغلبهم سلسا، ففضلا عن الصور الخادشة للحياء التي يتسبب فيها بعضهم، من خلال التبول، والتسبب في حمل بعض المهاجرات، وغيرها من الممارسات الشائنة، فإن منهم من يكون فظا حتى في طريقة طلبه للمال، وقد يتسبب في مشاحنات خطيرة، كما وقع بعد انصرام شهر رمضان، على إثر إقدام 3 مهاجرين أفارقة في وضعية غير شرعية على الدخول في عراك مع أحد الشبان من قاطني حي درب الكبير، فتطور الأمر إلى الاعتداء عليه من طرفهم، مما حتّم تدخل عناصر الأمن التي اصطحبت الجميع إلى مقرها، لكن وخلال ذلك، ذاع الخبر بين أزقة ودروب حي درب الكبير، وما هي إلا لحظات حتى حجّ مجموعة من الشباب إلى مكان الحادث وشرعوا في مطاردة المهاجرين، الذين تجمعوا وتحصنوا داخل الملعب/الملجأ، وكان من الممكن أن تتطور الأمور إلى مالاتحمد عقباه!
هويات مجهولة
أعداد المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين بمحيط المحطة الطرقية لاولاد زيان، الذين يطول مقام بعضهم، في حين يختفي آخرون في لحظة من اللحظات، هو وضع يفرض طرح أسئلة أخرى، خاصة في ظل مواجهات كالتي أشرنا إليها، والتي قد تتطور تداعياتها، والمرتبطة بتحديد هويات هؤلاء الأشخاص المتواجدين بين ظهرانينا، ليس من باب التنقيص من أي شخص، أو تعريضه لاستهداف كيفما كان نوعه، لكن من باب التحصين والحرص على تعميم الأمن المادي والمعنوي، وهو الأمر الذي يفرض نفسه على النقاش العام والخاص، حين يتم تداول بعض المعطيات بشأن وقائع قد لاتكون لها علاقة بالمنطقة نفسها، ولكن قد تكون مجرياتها وقعت هنا أو هناك، خاصة وأنه بالنسبة لحالة المهاجرين المعنيين بدرب السلطان، هم خارج أي رادار هوياتي، إن على مستوى السلطة الترابية أو الأمنية !
تدابير مرغوبة
إن بعض الأحداث العابرة التي قد تقع هنا أو هناك، والتي قد يكون السبب فيها، بعض المهاجرين غير الشرعيين، أو حتى آخرون من أبناء جلدتنا، هو أمر لايلغي أن عددا من هؤلاء الضيوف على وطننا هم يحافظون على أنفتهم، ويحرصون على تقديم صورة إيجابية عنهم، قولا وسلوكا، هؤلاء الأشخاص الذين يجمعنا بهم أكثر مما قد يفرقنا، توحدنا الإنسانية في بعدها الكوني، والانتماء للقارة الواحدة، وللعمق التاريخي المشترك، وبالتالي فهم يستحقون أكثر من مجرد تجميعهم عشوائيا في فضاء «عار» ، لاتكلّف مصالح مقاطعة مرس السلطان نفسها حتى «عناء» الحرص على أن يتم تنظيفه في الحدّ الأدنى، فضاء بدون سقف حتى لو كان مجرد خيمة، وفي غياب «أسرّة»، وانعدام الماء الصالح للشرب، ومرافق صحية، وغيرها من أولويات العيش، التي تجعل مقامهم بين ظهرانينا في حاجة إلى تدارك ما ينبغي تداركه تماشيا مع مضمون الخطابات الرسمية؟