المهرجانات السينمائية بالمغرب رهان الجودة والتميز

أمام تكاثر المهرجانات السينمائية بالمغرب، وتناسلها السريع المطرد، وتوسع رقعتها الجغرافية، ورغبة في تقنين حركتها، وضبط مسارها، عن طريق إحاطتها بجملة من التشريعات والقوانين، أصدرت الدولة مرسوما يحدد أهداف دعم هذه المهرجانات، وشروط ومعايير دعمها، ومبلغ هذا الدعم، وطرق صرفه، وكذا اللجنة المكلفة بالنظر فيه، والقواعد والكيفيات التي تحكم اشتغالها . وهكذا حدد هذا المرسوم أهداف الدعم في تعزيز احترافية ومهنية المهرجانات المدعمة، والارتقاء بمستواها التنظيمي، وضمان استمراريتها، واستقلاليتها، وكذا دعم تكاملية المهرجانات على مستوى التخصص والتوزيع الجغرافي، إضافة إلى تطوير جاذبية المهرجانات وإشعاعها على المستويين الوطني والدولي . كما بين شروط ومعايير منح الدعم، وميز في هذا الصدد بين مهرجانات تنتمي للفئة أ، ومهرجانات تنتمي للفئة ب، ومهرجانات تنتمي للفئة ج . وتظاهرات لا تنتمي لأي فئة من هذه الفئات الثلاث . وقد حدد مبلغ الدعم لمهرجانات الفئة أ بين مليونين وخمسمائة ألف درهم و اثني عشر مليون درهم، أما مبلغ الدعم بالنسبة لمهرجانات الفئة ب فلا ينبغي أن يتخطى عتبة المليوني درهم، في حين يتعين ألا يتجاوز مبلغ الدعم بالنسبة لمهرجانات الفئة ج مليون درهم . وبخصوص دعم التظاهرات السينمائية، فلا يجب أن يتجاوز المبلغ مائة ألف درهم بالنسبة للتظاهرات المنظمة داخل المغرب، ومائتين وخمسين ألف درهم بالنسبة للتظاهرات المنظمة خارج المغرب . وتختص لجنة دعم المهرجانات بتقييم حجم التظاهرة السينمائية، ومدى تأثيرها الثقافي والترويجي على السينما المغربية، وكذا تحديد الميزانية المخصصة لها . وتتألف هذه اللجنة بالإضافة إلى رئيسها من ثمانية أعضاء من بينهم ثلاثة أعضاء ينتمون إلى عالم الثقافة والفن، ولهم صلة وطيدة بميدان السينما، وأربعة أعضاء يمثلون الوزارة المكلفة بالاتصال، والوزارة المكلفة بالمالية، والوزارة المكلفة بالثقافة، والمركز السينمائي المغربي، إضافة إلى منتج أو مخرج أو موزع .

وإذا نظرنا إلى واقع المهرجانات السينمائية بالمغرب، تستوقفنا مجموعة من الملاحظات، ترتبط الأولى منها بعمر هذه المهرجانات، وترتبط الثانية بدرجتها الفنية، وترتبط الثالثة بانتشارها الجغرافي، وترتبط الرابعة بالتيمات التي تشتغل عليها، وترتبط الخامسة بالجهة المشرفة عليها .
تفاوت في النشأة والتطور :

بالنسبة للملاحظة الأولى نجد أن هذه المهرجانات قد اختلفت في تاريخ النشأة والظهور، وبالتالي فإن هناك من جاوز عقده الثاني، وهناك من بدأ يطل على هذا العقد، وهناك من تجاوز بقليل عقده الأول، وهناك من لم يصل بعد إلى هذا العقد . فمن المهرجانات التي جاوزت عقدها الثاني مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، مهرجان فاس لسينما المدينة، مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، المهرجان الدولي لسينما المؤلف بالرباط . ومن المهرجانات التي بدأت تطل على عقدها الثاني، المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، المهرجان الدولي لسينما التحريك بمكناس، المهرجان الوطني للفيلم التربوي بفاس، مهرجان سيدي قاسم للفيلم القصير المغربي، مهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير، مهرجان الفيلم القصير المتوسطي بطنجة . ومن المهرجانات التي تجاوزت بقليل عقدها الأول، المهرجان الدولي لفيلم الحيوان والبيئة بالرباط، المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات، مهرجان أندفليم السينما والإعاقة بالرباط، المهرجان الدولي لأفلام المدارس بالرباط، المهرجان الدولي لسينما المرأة بسلا، مهرجان سينما الشعوب بإموزار، المهرجان الدولي للسينما والهجرة بأكادير، المهرجان الدولي للفيلم عبر الصحراء بزاكورة، ملتقى مشرع بلقصيري السينمائي . ومن المهرجانات التي لم تصل بعد عقدها الأول، مهرجان تنغير الدولي للسينما، المهرجان المغاربي للفيلم بوجدة، المهرجان الدولي رأس سبرطيل السينمائي بطنجة، المهرجان الوطني للفيلم القصير ببرشيد، مهرجان سيدي عثمان للسينما المغربية بالدار البيضاء، الملتقى الوطني لسينما الهامش بكرسيف، مهرجان تاصميت للسينما والنقد ببني ملال، المهرجان الدولي لسينما الطفل بالدار البيضاء، مهرجان الراشيدية السينمائي، مهرجان بن جرير للسينما، الخيمة السينمائية بسيدي بنور، مهرجان تطاوين الدولي للفيلم القصير، المهرجان الدولي السينما للجميع، المهرجان الدولي للشريط الوثائقي بأكادير، مهرجان مكناس الدولي لسينما الشباب، المهرجان الدولي الوثائقي حقوق الإنسان بكلميم، الليلة البيضاء للسينما وحقوق الإنسان بالرباط، ملتقى بنسليمان السينمائي، مهرجان السعيدية السينمائي، مهرجان الهرهورة لسينما الشاطئ، الجامعة الصيفية للسينما بالبيضاء، مهرجان السينما الاجتماعية طنجة زووم، مهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي، المهرجان المتوسطي للسينما والهجرة بوجدة، المهرجان الدولي للسينما والبحر بمير اللفت، مهرجان أسا الوطني للسينما والصحراء، ملتقى القصبة للفيلم القصير بوارزازات، الأيام السينمائية لدكالة بالجديدة، الملتقى الوطني أيام فاس للتواصل السينمائي، المهرجان الدولي السينما والذاكرة بالناضور، مهرجان بوبكري الوطني لسينما الشباب الفلم القصير، المهرجان الدولي لمدارس السينما بتطوان، المهرجان الجامعي الدولي لسينما الشباب بوارززات، ملتقى مكناس السينمائي للفيلم القصير، المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، المهرجان العربي الإفريقي للفيلم الوثائقي بزاكورة، المهرجان الدولي لفيلم الطفولة والشباب بشفشاون. كما أن هناك مهرجانات و صلت عقدها الأول، وهي ملتقى حد كورت للسينما والشباب، وملتقى سوس الدولي للفيلم القصير، ومهرجان طنجة للفيلم، وهناك مهرجانات لم تتجاوز بعد دورتها الأولى، وهي الملتقى الجهوي السينمائي كاميرا التلميذ، مهرجان تفسوت للسينما الأمازيغية بتافراوت، ومهرجان الريف للفيلم الأمازيغي، والمهرجان الدولي الجامعي للسينما والأدب.
اختلاف في الدرجة الفنية :
وبالنسبة للملاحظة الثانية، نجد أن هذه الملتقيات قد تم تصنيفها إلى مهرجانات وتظاهرات . فالمهرجانات تمتلك بعدا وطنيا أو إقليميا أو دوليا منبنيا على أسس المنافسة ومنح الجوائز، وتضم ثلاث فئات : الفئة أ وتمثلها مهرجانات من قبيل المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، والمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، والفئة ب وتمثلها مهرجانات من قبيل مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، والمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، ثم الفئة ج وتمثلها مهرجانات من قبيل مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف، ومهرجان السينما والهجرة بأكادير. فالمهرجانات من الفئة أ تمنح جوائز لا تتعدى قيمتها الإجمالية ثلاثمائة ألف درهم، ( غير سنة 2015 بقرار مشترك لوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الاقتصاد والمالية ليصبح خمسين ألف درهم كحد أدنى ) والمهرجانات من الفئة ب تمنح جوائز لا تقل قيمتها الإجمالية عن مائتين وخمسين ألف درهم، والمهرجانات من الفئة ج تمنح جوائز لا تقل قيمتها عن مائة وخمسين ألف درهم . أما التظاهرات فلم تتعرض للتفييء، والمقصود بها كل ملتقى سينمائي لا تتوفر فيه شروط المهرجان، ويلتزم بالمعايير المهنية والتقنية للعرض، ويتم تنظيمه من طرف جمعية . ومن بين الملتقيات المصنفة ضمن التظاهرات نذكر: الجامعة الصيفية للسينما والسمعي البصري بالبيضاء والمحمدية، ملتقى القصبة للفيلم القصير بوارزازات، ملتقى مشرع بلقصيري السينمائي، الخيمة السينمائية بسيدي بنور. وقد تحكمت في هذا التصنيف إضافة إلى المعايير السابقة نوعية الملتقى، وحجمه الفني، وطبيعة الأفلام المشاركة فيه، ودرجة تطوره، وخبرة لجان تحكيمه، ومستوى ضيوفه، وقيمه المضافة، ودرجة إشعاعه . لكن الملاحظ أن الاعتمادات المالية الموزعة على الملتقيات السينمائية لا تعكس بشكل دقيق التصور الذي على أساسه بني معيار التصنيف، فالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش مثلا يفوق دعمه بما يقارب النصف دعم المهرجان الوطني للفيلم بطنجة مع أنهما ينتميان لنفس الفئة، وقل الأمر نفسه عن مهرجان الرباط لسينما المؤلف، ومهرجان السينما والهجرة بأكادير، وهما معا ينتميان معا للفئة ج ، مما يعني أن تصنيف المهرجانات إلى فئات يحتاج إلى مزيد من التدقيق، ولم لا إلى إعادة النظر حتى لا تتكرر أسطوانة الاحتجاج التي تعقب نتائج كل مداولة من مداولات لجنة الدعم . أما المبالغ المخصصة للتظاهرات السينمائية فالسكوت عنها أبلغ من القول فيها، فمن المخجل أن تمنح منارة من منارات المغرب الثقافية ألا وهي الجامعة الوطنية للأندية السينمائية مبلغا هزيلا لا يتجاوز سبعين ألف درهم لتنظيم جامعتها الصيفية، فعلى الرغم من الهزات التي عرفتها هذه المؤسسة، فإنها لازالت تحمل مشعل نشر الثقافة السينمائية في العديد من المدن المغربية، وبالتالي فإنها في حاجة دائمة ومستمرة للدعم والتشجيع والمصاحبة، حتى تتمكن من أداء الوظيفة التي من أجلها خرجت إلى الوجود .
اختلال

في الانتشارالجغرافي :

وبالنسبة للملاحظة الثالثة، فإننا نجد أن الملتقيات السينمائية تكاد تغطي المغرب من أقصاه إلى أقصاء، من طنجة شمالا إلى الداخلة جنوبا، مرورا بالرباط وصولا إلى أكادير، دون أن ننسى المدن الصغيرة كشفشاون وطاطا وزاكورة وحد كورت وسيدي بنور. لكن اللافت للانتباه أن أكثر هذه الملتقيات تتمركز بجهة الشمال كطنجة وتطوان، وتكاد المنطقة الوسطى تخلو من ملتقى سينمائي ذي بال تشد إليه الرحال سنويا . فمن العجب ألا ينظم في الدار البيضاء ملتقى سينمائي شبيه بالمهرحان الدولي للفيلم بمراكش، يتناغم ووزن هذه المدينة الاقتصادي والمالي، فجميع الشروط الكفيلة بتنظيم هذا الملتقى متوفرة، مركب سينمائي من طراز رفيع، بنيات استقبال ملائمة، جمهور خبير بالعمل السينمائي . ومن اللافت للانتباه أن بعض المدن تستأثر بأكثر من مهرجان، ففي طنجة والرباط تنظم ستة مهرجانات، وأربعة بتطوان، وثلاثة بالبيضاء وفاس ومكناس وأكادير، ومهرجانان اثنان في كل من وجدة وخريبكة وزاكورة، ومهرجان واحد في بني ملال وتنغير وبرشيد وكرسيف وتافراوت وحد كورت والراشيدية وبنجرير وسيدي بنور وآسا الزاك وسيدي قاسم وتزنيت وأيت ملول وكلميم وبنسليمان والسعيدية والهرهورة وأزرو وسلا ووارزازات ومشرع بلقصيري والناظور والجديدة وإموزار كندر وسطات ومير اللفت . على أن اللافت للانتباه أن المهرجان الوطني للفيلم قد استقر به المقام أخيرا بمدينة طنجة تحت درائع متعددة، وحرمت مجموعة من المدن من شرف استضافته، على الرغم من توفرها على مجمل الشروط الكفيلة بتنظيم مهرجان سينمائي من مستوى عال .
تعدد في التيمات والأجناس :

وفيما يرجع للملاحظة الرابعة فإنه يمكن الوقوف عند أصناف شتى من الملتقيات السينمائية، صنف يقوم على أساس معيار الانتماء : دولي ( المهرجان الدولي للفيلم بمراكش) وطني ( المهرجان الوطني للفيلم بطنجة) قاري ( مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة) مختلط ( مهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي ) جهوي ( مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر البيض المتوسط ) . وصنف يقوم على أساس معيار النوع : روائي ( مهرجان سيدي عثمان للسينما المغربية ) وثائقي ( المهرجان العربي الإفريقي للفيلم الوثائقي بزاكورة ) قصير ( مهرجان سيدي قاسم للفيلم القصير ) مؤلف ( المهرجان الدولي لسينما المؤلف بالرباط ) . وصنف يقوم على أساس التيمة : الإعاقة ( مهرجان اندفيلم السينما والإعاقة بالرباط ) الهامش ( الملتقى الوطني لسينما الهامش بكرسيف ) الشباب ( ملتقى حد كورت للسينما والشباب ) النقد ( مهرجان تاصميت للسينما والنقد ببني ملال ) الطفل ( المهرجان الدولي لسينما الطفل بالدار البيضاء ) المدينة ( مهرجان فاس لسينما المدينة ) حقوق الإنسان ( المهرجان الدولي الوثائقي حقوق الإنسان بكلميم ) الأدب ( المهرجان الدولي الجامعي للسينما والأدب بأكادير ) المرأة ( المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا ) الهجرة ( المهرجان المتوسطي للسينما والهجرة بوجدة ) البيئة ( المهرجان الدولي لفيلم الحيوان والبيئة ) البحر ( المهرجان الدولي للسينما والبحر بمير اللفت ) الصحراء ( مهرجان أسا الوطني للسينما والصحراء ) الذاكرة ( المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة بالناضور ) الهجرة ( المهرجان الدولي للسينما والهجرة بأكادير ) . وقد يبدو هذا التنوع في ظاهره مقبولا لأنه يشير إلى رغبة منظمي الملتقيات في التميز والاختلاف، إلا أنه يكشف في عمقه عن خلل يساهم في إرباك المشهد وتشتيت الجهود . فإذا كان أغلب المهتمين بالشأن السينمائي بالمغرب يقرون أن المهرجان الوطني للفيلم مكسب لا ينبغي التفريط فيه، بل ينبغي للجهة المشرفة عليه أن تتولاه بالمزيد من العناية والاهتمام، فهو علامة وجود للفيلم المغربي في داره وبين أهله وأحبابه، بشرط ألا يستقر به المقام في مكان واحد . وإذا كان مهرجان السينما الإفريقية بمثابة العمود الذي بدونه تتهاوى خيمة الملتقيات السينمائية، فإن بعض الملتقيات التي تحمل صفة الدولية لا يسمح لا تنظيمها ولا برنامجها ولا تمويلها ولا منتجها بأن تحمل هذه الصفة، باستثناء المهرجان الدولي للفيلم بمراكش الذي لا ينكر إلا جاحد فضله على واقع السينما بالمغرب إبداعا وإنتاجا وتذوقا . وارتباطا بنفس الموضوع، فإنه من الأنسب ألا تتقاطع مجموعة من الملتقيات في نفس التيمات ونفس الأجناس الفيلمية، فإذا كان يكفينا – توحيدا رشيدا للجهود واستثمارا فعالا للموارد – مهرجان واحد لسينما المرأة، ومهرجان واحد لسينما المؤلف، فإنه من الأفضل ألا نفكر في تنظيم أكثر من مهرجان مرتبط بالفيلم القصير أو بالفيلم الوثائقي أو بالفيلم التربوي . كما أن الحاجة تدعو إلى التفكير في تأسيس ملتقيات تشتغل على تيمات جديدة تقدم إضافات نوعية ولا تسقط في فخ التكرار، على أن تحط راحلتها في مناطق بعيدة عن المركز تفعيلا لمبدأ الانتشار الجغرافي العادل .
تنوع في الجهات المنظمة :

وبخصوص الملاحظة الخامسة فإننا نسجل تنوعا في الجهات المنظمة للملتقيات السينمائية بالمغرب، فهناك مؤسسة رسمية تابعة لجهة حكومية متمثلة في المركز السينمائي المغربي، ومجموعة من الجمعيات المنتسبة للمجتمع المدني، البعض منها أسس من أجل تنظيم الملتقى السينمائي، كمؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، ومؤسسة مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، ومؤسسة المهرجان الدولي للسينما المتوسطية، والبعض الآخر يندرج في إطار الجمعيات المهتمة بالفن السابع، كالجامعة الوطنية للأندية السينمائية، وجمعية الفن السابع بسطات، وجمعية سيني مغرب بوجدة، والنادي السينمائي بسيدي قاسم، وجمعية الشاشة الفضية بكرسيف، والبعض الثالث ينتمي إلى الجمعيات الثقافية والفنية والاجتماعية، كجمعية أبي رقراق بالرباط، والجمعية الجعفرية للتنمية القروية بسيدي بنور، وجمعية البريجة للفنون والثقافة بالجديدة، وجمعية التربية والتنمية بوارززات، وجمعية التنشيط الثقافي والفني بالداخلة، وجمعية المبادرة الثقافية بأكادير . وإذا كان مفهوما إلى حد ما أن يتكفل المركز السينمائي المغربي بتنظيم المهرجان الوطني للفيلم، فإنه من غير المستساغ أن يسهر على تنظيم مهرجان لا يختلف عن باقي المهرجانات المنظمة في المغرب هو مهرجان الفيلم المتوسطي بطنجة . بل هناك من يدعو إلى أن يعفي المركز السينمائي نفسه من مسؤولية تنظيم أي ملتقى سينمائي ضمانا للحياد الإيجابي، وتشجيعا لمبدأ المنافسة، وأن يعهد بتنظيم الملتقيات السينمائية بكاملها إلى جمعيات خاصة على غرار مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وأن يكون بمثابة الراعي الرسمي لمختلف الملتقيات السينمائية، وأن يوفر للجنة الدعم كافة الضمانات التي تجعلها تشتغل بكامل الاستقلالية والتجرد. كما أن المعيار الذي يجب أن يوجه عمل هذه اللجنة هو مدى تحقيق الملتقيات السينمائية للأهداف التي وجدت من أجلها، اعتمادا على مقاييس علمية دقيقة وبعيدا عن ضغوط الأهواء والعواطف والولاءات .
وبعد، فهل استطاعت الملتقيات السينمائية بالمغرب أن تحقق الأهداف التي من أجلها وجدت : تنشيط الحركة الثقافية، وتنمية الوعي الفني، ونشر ثقافة الصورة، وإغناء المشهد السينمائي المغربي ، أم أنها أخفقت في ذلك ؟
الحق أن هذه الملتقيات قد أسهمت إلى حد بعيد في تقريب السينما من سكان مجموعة من المناطق الهامشية التي لا تتوفر على قاعات سينمائية قارة، وبعث الكثير من الدينامية والحيوية في دواليب المشهد الثقافي، وفتح جسر التواصل بين الفاعل السينمائي وجمهوره، وتحقيق إشعاع سينمائي محلي وإقليمي ودولي، وانفتاح التجربة السينمائية المغربية على التجارب السينمائية العالمية، وجذب انتباه المهنيين بالداخل والخارج، وتوسيع جمهور المنتج السينمائي . ولكن الحق أيضا أن هذه الملتقيات قد أفرزت العديد من الظواهر السلبية كدعوة نفس الوجوه الإبداعية والنقدية، وتكرار ذات التيمات والمواضيع والفقرات، وتسويق الواجهة بدل التركيز على الرسالة، وتخصيص أغلب النفقات للضيوف بدل تخصيصها للسينما وجمهورها . ولاشك أن في ذلك خروجا عن الأهداف التي من أجلها وجدت المهرجانات السينمائية، وإجحافا في حق السينما وجمهورها. فالمهرجان في جوهره هو لحظة اتصال وتفاعل بين الفيلم والمتلقي، وعلى المنظمين لهذا المهرجان أن يبذلوا قصارى جهدهم لخدمة هذه اللحظة، وجعلها أكثر إنتاجا وفاعلية سواء على مستوى انتقاء الأفلام، أو على مستوى استدعاء الضيوف، أو على مستوى اقتراح مواد الحلقات النقاشية .
ومن أجل تطوير وتشجيع الإشعاع السينمائي الوطني عبر المهرجانات، اقترح المسؤولون عن الشأن السينمائي بالمغرب أن تنخرط جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية والهيئات المنظمة في استراتيجية شاملة ومتكاملة للرفع من مستوى المهرجانات، وأن يتم القطع مع كل أشكال الريع، وأن يكرس الفاعلون المحليون الاعتراف بأهمية التظاهرات السينمائية المقامة في مجالهم الترابي كمؤسسات فاعلة في تعميم الثقافة السينمائية، وأن تساهم السلطات المحلية في تمويل المهرجانات السينمائية، وأن تحدث هيئة تنسيقية لمديري المهرجانات لهيكلة الجدولة الزمنية للمهرجانات، وأن يتم الفصل بين أنشطة الأندية السينمائية الاعتيادية، ودورها كجمعية تتحمل مسؤولية تنظيم تظاهرة أو مهرجان. كما اقترح بعض المهتمين بالشأن السينمائي المغربي أن تدمج المهرجانات ضمن تصورات التنمية الجهوية، وأن تحدد هويتها وفقا لحاجات موضوعية وفنية تتماشى وانتظارات الساكنة، وأن يتم تكوين المشرفين على تنظيمها .
والخلاصة أن الملتقيات السينمائية بالمغرب قد خلقت نوعا من الدينامية في المشهد السينمائي المغربي، لكنها لم ترق بعد إلى أن تكون رافعة من رافعات الإنتاج السينمائي المغربي، ولا وسيلة من وسائل تحريك عجلة الاقتصاد الوطني . فنحن في حاجة لأن تلفت هذه الملتقيات نظر شركات التوزيع العالمية إلى منتجاتنا الوطنية، ونحن في حاجة أيضا أن تكون هذه الملتقيات وسيلة لإنعاش السياحة الوطنية، كما أننا في حاجة إلى أن تبني هذه الملتقيات جسرا تواصليا منتظما بين السينما الوطنية والجمهور المغربي . فهذه الملتقيات لم تفلح بعد لا في تهذيب الذوق الفني للمشاهد المغربي، ولا في تحفيز الدافعية لديه للإقبال على منتجه الوطني . فلا زال الحوار معطلا بين المشاهد المغربي وسينماه المحلية، ولا زالت الكثير من القيم الفلسفية والجمالية ذات البعد الكوني بعيدة عن فكر ووجدان طائفة كبيرة من عشاق الفن السابع ببلادنا . الشيء الذي يؤكد بالملموس حاجة هذه الملتقيات إلى مزيد من العمل الجاد والمثمر، والتفكير في أنجع السبل التي من شأنها أن تضمن لها تحقيق ما تحتاجه من كفاءة وفعالية لتؤدي دورها على أفضل وجه ممكن.


الكاتب : بوشعيب الخياطي

  

بتاريخ : 10/03/2018