تعرف المدن المغربية في شهر رمضان المبارك، ظاهرة انتشار المهن الموسمية، وتزدهر هذه المهن والاعمال لارتباطها بعادات الشعب المغربي الغذائية، ويعد هذا النشاط الاقتصادي فرصة للعديد من الأفراد خاصة النساء منهم لتحسين وضعهن المادي، وتوفير أدنى شروط العيش المحترم لهن ولأسرهن.
وخلال هذا الشهر الفضيل، تتصدر المهن التقليدية واجهات الحرف والانشطة التجارية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمأكل والمشرب، يمكن الجزم أن هذه المهن ارتبط ظهورها واختفائها مع حلول الشهر الكريم حتى أصبحت إحدى المعالم المميزة للأسواق المغربية في هذا الشهر الفضيل.
اثناء جولتنا في الشارع الوحيد الذي تعرفه منطقة «عين عودة» بضواحي مدينة تمارة، والذي يعرف رواجا في كل فصول السنة واقبالا من طرف مرتديه. حيث غطت طرقاته العديد من النساء من مختلف الفئات العمرية، واللواتي يغتنمن فرصة شهر رمضان، لبيع مجموعة من أصناف المأكولات التي لا تكاد تخلو منها مائدة مغربية في هذا الشهر الفضيل، وذلك لتلبية احتياجات الزبائن رغم كون هذه المهن موسمية وغير مهيكلة، إلا أنها تساعد العديد من الأسر في تلبيه احتياجاتها، وفي نفس الوقت تضمن لأولئك النسوة مورد رزق في هذا الشهر الكريم.
نساء تتشابه وضعيتهن الاجتماعية وتختلف العائلية منها، ما بين متزوجة، أرملة، ومطلقة، تجدهن على قارعة الطريق، في صف متراص كالبنيان المرصوص، تبدو عليهن معالم التعب، وتعلو وجوههن تجاعيد الزمن المر، تحكي عن كل ما يحملن من آلام متعبة جراء المرض، وقصص حزينة تختلف بإختلاف وضعهن الاجتماعي والعائلي.
فاطمة تبلغ من العمر46 سنة، أم لإبنة وحيدة، وضعيتها العائلية أرملة ،حرفتها “نقاشة حناء” في الاصل، لكن في هذا الشهر الفضيل تفضل بيع «البطبوط», «البغرير» و«المسمن» ، لتساعد نفسها وتلبي متطلبات ابنتها.
ذكرت السيدة فاطمة أنها من قاطنات دور الصفيح المتواجد بضواحي «تمارة»، وتضطر في هذا الشهر المبارك إلى القدوم لمنطقة «عين عودة»، للسكن مع أحد إخوتها لتلبي متطلبات زبنائها الذين يعرفونها، ويذكر أن هذه السيدة تعاني من تبعات سرطان الثدي، والتي لا زالت تتابع علاجها منه.
هذه السيدة تبيع «البغريرة الواحدة» بنصف درهم أما «البطبوط» فبدرهمين، و«الرزيزة» بثلاثة دراهم.
وما آثار إنتباهنا أكثر بخصوص هذه السيدة التي تبدو عليها معالم الحاجة الملحة، أنها كانت تعطي لكل متسول او متسولة مما تنتجه من المعجنات ، لتعتبرها صدقة في هذا الشهر الكريم.
أما عائشة فهي كذلك امرأة مغربية تكافح من أجل وحيدها الذي يبلغ من العمر 11 سنة، خصوصا مع عدم وجود معيل لها ولإبنها، رغم كونها لا زالت شابة تبلغ من العمر 35 سنه فقط، امتهنت كذلك بيع «البغرير» و«المسمن» لتساعد نفسها- بحسب اقوالها- عائشة لم تلج يوما للمدرسة ، لذلك ترى أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن ان تجني بها المال لتسد حاجياتها اليومية، وحاجيات ابنها الذي كلما كبر كلما زادت مصاريفه وزادت مسؤوليتها اتجاهه.
تعاني عائشة بدورها من أمراض مزمنة كثيرة ، منها الفشل الكلوي ، ضغط الدم والسكري، وهي أمراض تمنعها من العيش بشكل عادي، ولا تمكنها من امتهان حرف اخرى، كالإشتغال في البيوت مثلا. قالت انها تمتهن هذه الحرفة في الشهر الابرك نظرا لكثرة الطلب على أنواع معينة من المأكولات والمعجنات، ذكرت فاطمة أن أرباحها تتراوح ما بين 25 درهم الى 30 درهم في اليوم ، وهو ربح غير كاف خاصة وأنها تحتاج دواء لضغط الدم تقتنيه بـ 350 درهم في الشهر – حسب أقوالها – بسبب مرض الفشل الكلوي الذي لا يسمح لها بإستعمال نوع أخر دونه، وكذلك لعدم تواجد هذا النوع من الأدوية بالمراكز الصحية العمومية.
شيماء شابة تبلغ 25 ربيعا، متزوجة وأم لطفلين، ست سنوات، وسنة ونصف، تقطن مع عائلتها نظرا لعدم اشتغال زوجها الذي ينحدر من مدينة الدار البيضاء والسبب في نظرها لكون العديد من الشركات المتواجدة في «عين عودة»، يفضلن تشغيل النساء بالدرجة الاولى. وهو ما دفع بالشابة شيماء مساعدة أسرتها بالطريقة التي اعتبرتها مناسبة لها، وهي البدء بمشروع صغير خير لها من العمل لدى الغير، خصوصا وأنها كانت تعمل لدى احدى الشركات المتواجدة بنفس المنطقة.
شيماء اشتغلت في العديد من المهن منها بيع الملابس الجاهزة ، التجارة الالكترونية، أما في هذا الشهر المبارك فقد فضلت خوض تجربة امتهان بيع المعجنات المغربية الرمضانية، خصوصا وأنها تعشق الطبخ، وخير دليل على ذلك العربة المتواجدة أمامها التي تبدو كلوحة فنية، تَصُفّ فوقها أشكال وأنواع متعددة «المسمن، البغرير، الرزيزة، البيتزا، المملحات، البسطيلة، الشباكية، البشنيخة…»، وتشتغل بطريقة منظمة توحي للزبائن مدى اهتمامها بهذه الحرفة.
لقد صرحت شيماء «لجريدة الاتحاد الاشتراكي» أن أرباحها تتراوح ما بين 200 درهم الى 250 درهما في اليوم.
رغم أنهن نساء ربما اختلفت قصصهن الصعبة، وصمودهن في وجه المصاعب والتحديات من أجل توفير لقمة عيش حلال – كما ذكرن – إلا أنهن اتفقنا على شيء وحيد في تصريحاتهن، كون رمضان هذه السنة يعتبر حالة خاصة نظرا للزيادات التي عرفتها المواد الغذائية الخام التي يشتغلن بها، وهذه الزيادة غالبا ما لا يتقبلها الزبائن.
(*) صحفية متدربة