الموت بعيون أندريه كونت سبونفيل

أن تتفلسف معناه أن تتعلم الموت”
مونتاني بعد أفلاطون

” إذا كُنا لا يكون الموت، وإذا كان
الموت لا نكون” أبيقور

لا يتفق أندريه كانت سبونفيل مع اسبينوزا حين يقول إن “الإنسان الحر لا يفكر في الموت إلا أقل القليل؛ فحكمته تسوقه إلى إمعان التفكير في الحياة، لا الموت”، ذلك لأن التفكير في الحياة يمر حتميا عبر التفكير في الموت، بما أن الحياة تحمل بصمته مثل ظل قادم من العدم. فلا يمكن الحديث عن الحياة ونكران ونفي أهم أبعادها في نفس الوقت : هشاشتها، قصرها، ضعفها…أن يكون تفكير الحكيم مُنصبا على الوجود عوض اللاوجود، القوة عوض الضعف، الحياة عوض الموت، أمر مفهوم.
لكن كيف يُمكن التفكير في الحياة في حقيقتها دون التفكير أيضا في ما يعوقها أو يشكل نهايتها؟
كل ذلك جعل فكرة الموت تشغل حيزا كبيرا في تاريخ الميتافزيقا ، ولا يوجد فيلسوف واحد لم يتناولها أو يُعمل فيها التفكير، غير أن مواقف الفلاسفة تتوزع بين موقفين رئيسيين : الموت لا شيء (أبيقور)، أو هو ليس الموت (أفلاطون) وإنما حياة أخرى.
التفكير في الموت معناه نفيه: هو عدم صِرف أو حياة أخرى، أي ليس الموت!
عدم أم انبعاث ؟ حياة أخرى، أم لا حياة إطلاقا؟
بين هذين الطريقين، بوسع كل واحد أن يختار، أو لا يختار – مثل الشكوكيين، مثل مونتاني -، يترك السؤال مفتوحا، كما هو في الحقيقة، وأن يسكن هذا الانفتاح الذي هو العيش. لكنها مع ذلك تظل طريقة للتفكير في الموت، بل ينبغي أن تكون كذلك. وإلا كيف يُمكننا الامتناع عن التفكير في ذلك الذي يُشكل – بالنسبة لكل فِكر، بالنسبة لكل حياة – الأفق الحتمي.
رغم كل ذلك، يعترف صاحب كتاب “مقالة صغيرة في الفضائل الكُبرى”، أنه اختار معسكره، عمليا على الأقل، فاحتمالية موت أحد أقربائه تُحزنه أكثر من احتمالية موته الخاص. ذلك أن موته الخاص سيأخذ منه كل شيء ولن يأخذ منه أي شيء في نفس الوقت : لأنه لن يكون هناك أحد ليفقد أي شيء. على خلاف ذلك يظل موت القريب حقيقيا، محسوسا. ومع ذلك ينبغي قبوله هو الآخر كنوع من الوفاء للحياة باعتبار أن الموت جزء لا يتجزأ منها كما سبق القول.
فانون ومُحبون لفانين، هكذا هم نحن، وهذا ما يُمزقنا. لكن هذا التمزق هو ما يجعلنا بشرا، وهو أيضا ما يُعطي الحياة قيمتها العليا.
لو لم نكن معرضين للموت، يتربص بنا في كل لحظة، أكانت الحياة ستكون ثمينة، نادرة ولا تُعوض؟ هذا لأن التفكير في الموت يجعلنا نغتنم كل فرصة في الحياة، كما لو أنها الأخيرة ربما.

 


الكاتب : يوسف اسحيردة

  

بتاريخ : 27/06/2025