اعتبر النائب عبد القادر الطاهر، باسم الفريق الاشتراكي –المعارضة الاتحادية في الجلسة العمومية المخصصة لمناقشة التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024 بمجلس النواب، يوم الثلاثاء 11 فبراير 2025، أنها محطة دستورية نقف من خلالاها على أهم التطورات والقضايا ذات الصلة بالتدبير العمومي في مختلف مستوياته وعلى امتداد التراب الوطني، وذلك استنادا إلى خلاصات المجلس بخصوص تتبع البرامج الإصلاحية وتقييم التدبير العمومي ومراقبة التسيير ومعاقبة حالات المخالفات المالية.
وأضاف النائب الطاهر، أنها مناسبة لتأكيد موقف الفريق الاشتراكي -المعارضة الاتحادية المبدئي من الخلاصات الواردة في التقرير السنوي والتعاطي الإيجابي مع توصيات المجلس باعتبارهما أحد المفاتيح الموَجِهة للسياسات العمومية نحو المزيد من النجاعة والفعالية وإعمال مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وفي ذات السياق، أشار إلى أن خلاصات التقرير مُنصِفة للفريق في قراءاته لأرقام الحكومة، حيث عبر أكثر من مرة عن قلقه بخصوص هشاشة الفرضيات المعتمدة، ودقة الأرقام المعلنة ومصداقية المعطيات المقدمة سواء تعلق الأمر بنسب النمو أو العجز أو المديونية أو الاستثمار وغيرها، والتي كانت تجيبنا عنها الحكومة بنوع من الاستخفاف وكثير من التشكيك في تحليلنا وخلاصتنا.
وها هو المجلس الأعلى للحسابات يؤكد ما سبق وأثاره الفريق الاشتراكي -المعارضة الاتحادية من ملاحظات بخصوص تدبير الحكومة لمنظومة الاستثمار، والتي مازالت بعيدة عن تحقيق الأهداف التي سطرها جلالة الملك بخصوص تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات موجهة لإحداث 500.000 منصب شغل في الفترة الممتدة ما بين 2022-2026، وتأهيل القطاع الخاص ليمثل الثلثين من إجمالي الاستثمارات في أفق 2035؛ حيث تستمر الضغوط على المالية العمومية من خلال تحمل الدولة للجزء الأكبر من الاستثمارات، دون وقع حقيقي على النمو، وعلى خلق مناصب الشغل، وعلى الحد من الفوارق الجهوية، والتفاوتات المجالية من حيث جلب الاستثمار والاستفادة من نتائجه.
وذكر النائب الطاهر أن الحكومة لم تلتزم باستكمال إصدار النصوص التنظيمية المتعلقة بتفعيل الميثاق الجديد للاستثمار، لا سيما الأنظمة المؤطرة للدعم الموجه للمقاولات الصغيرة جدا، والصغرى والمتوسطة والتي تمثل 93 % من النسيج المقاولتي الوطني، بالإضافة إلى تلك المتعلقة بتشجيع المقاولات المغربية على الصعيد الدولي؛ كما أن نسبة نقل وتفويض الاختصاصات المتعلقة بالاستثمار إلى المصالح اللاممركزة لم تتجاوز 38 % إلى حدود شهر أكتوبر 2024؛ وهو ما يزيد من تراكم المعيقات التي تحول دون أن يقوم المجهود الاستثماري سواء الذي تقوم به القطاعات الوزارية أو المؤسسات العمومية أو الجماعات الترابية أو الخواص، بأدواره التنموية على الوجه الأكمل في خلق الثروة الوطنية.
وفي ما يخص المؤسسات والمقاولات العمومية، أشار النائب الطاهر إلى أن الفريق الاشتراكي -المعارضة الاتحادية نبه إلى الإيقاع المتواضع لتنزيل هذا الورش الإصلاحي الكبير، وإلى التأخر المسجل في إخراج النصوص القانونية المنصوص عليها في القانون الإطار 50.21، إذ لم يتم نشر إلا 8 نصوص تشريعية وتنظيمية من أصل 19 نصا قانونيا ذات الصلة، ومثيرا انتباه الحكومة إلى التعثرات المسجلة في عمليات تصفية المؤسسات والمقاولات العمومية واستكمال المساطر الخاصة بها، فإلى غاية نهاية سنة 2023 مازالت 81 مؤسسة أو مقاولة عمومية قيد التصفية؛ فيما سجل افتقار الحكومة لجدولة زمنية محددة متعلقة بهيكلة المؤسسات العمومية ذات الطابع غير التجاري، وبطئها الملموس في تحويل بعض المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري إلى شركات مجهولة، الأمر الذي سينعكس لا محالة على احترام الأجندة الزمنية التي حددها القانون الإطار في خمسة سنوات ابتداء من دخول مقتضياته حيز التنفيذ.
وفي ما يتعلق بالسياسة المساهماتية للدولة في علاقة بالأدوار المركزية للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، شدد النائب الاشتراكي، انه من الضروري رفع الإيقاع وتنفيذ خارطة الطريق المصادق عليها في المجلسين الوزاري والحكومي، من أجل إصلاح حقيقي للقطاع العام يساهم في الحد من التفاوتات المسجلة بين تكلفة هذه المؤسسة خاصة منها التجارية (أكثر من 65 مليار درهم سنة 2023) وما تساهم به من عائدات ومساهمات في ميزانية الدولة (16.8 مليار درهم سنة 2023).
وفي تقييمه لدور صندوق محمد السادس للاستثمار يسجل المجلس الأعلى للحسابات أن الرأسمال الاستثماري الإجمالي قد وصل إلى 18.5 مليار درهم منها 4.7 مليار كمساهمة للصندوق و13.8 مليار معبأة من طرف مستثمرين خواص محليين ودوليين. فأين هي 45 مليار التي تُضَمِنُونها في مختلف قوانين المالية التي قُدِمَت في عهدكم؟ في انتظار توضيحاتكم بهذا الخصوص، نجدد لكم قلقنا بخصوص منهجية الحكومة في الالتفاف على الأرقام وتقديمها في قالب يسعف تفاؤلها المفرط.
وبالموازاة مع ذلك، أشار النائب الطاهر إلى أنه إذا كان تحسن تمدرس الأطفال والزيادة في بناء وتجهيز الحجرات الدراسية من النقط الإيجابية في مسار تنزيل البرنامج الوطني لتعميم وتطوير التعليم الأولي، فإن الفريق يسجل بالمقابل، ضعف الحكومة في تنزيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين والرؤية الاستراتيجية ذات الصلة، بالفعالية والجدية اللازمتين، خاصة في المحاور المتعلقة بدمج التعليم الأولي في التعليم الابتدائي، وتطوير البنية التحتية المناسبة، واعتماد نظام بيداغوجي متجدد، وتكوين وتأهيل المورد البشرية الضرورية.
حيث يتبين أن وعود الحكومة بتعميم التعليم الأولي لفائدة كل الأطفال ابتداء من سن الرابعة مع إرساء حكامة دائمة وفعالة لمراقبة الجودة، أصبحت صعبة المنال إذا ما استحضرنا أن 90 في المائة من أقسام التعليم الأولي تدبرها جمعيات، في ظروف ينعدم فيها الحد الأدنى من الشروط الضامنة لعملية تربوية سليمة؛ الأمر الذي سيؤدي في آخر المطاف إلى تكرار نفس التجارب الفاشلة على مستوى الاستراتيجيات والبرامج الخاصة بالتعليم الأولي.
أما بخصوص برمجة نفقات ميزانية الدولة، فإن ارتفاع حاجيات التمويل سنة بعد أخرى، والمنحى التصاعدي للاقتراضات، والإفراط في استعمال التمويلات المبتكرة، لخير دليل على ضعف الحكومة في إيجاد بدائل حقيقية للتحكم في النفقات وتغطية تكاليفها بعيدا عن المديونية. فأرقام المجلس الأعلى للحسابات تؤكد ما سبق لفريقنا إثارته بخصوص هشاشة فرضيات الحكومة وصعوبة تحققها، حيث ارتفاع عجز الميزانية إلى 4.5 %، برسم سنة 2024 مقابل 4.4 % سنة 2023، كما ارتفع المبلغ الجاري للدين العمومي إلى نسبة 70.5 % من الناتج الداخلي الإجمالي مقارنة بنسبة 69.5% المسجلة سنة 2023؛ وهي أرقام تدحض وعود الحكومة بالتحكم في مسار عجز الميزانية، وهو ما سيؤثر لامحالة على إمكانيات تعبئة هوامش مالية كافية لتمويل المشاريع والمخططات الهيكلية المبرمجة على الأمدين القريب والمتوسط.
إلى هذا، أكد النائب الاشتراكي أن تخليق الحياة العامة وتجسيد مبادئ الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، جزء لا يتجزأ من الممارسات الفضلى التي تُؤَسِس لديموقراطية حقة، كما هي مسار متجدد يلعب فيه المجلس الأعلى للحسابات دورا رئيسيا، من خلال تسليطه الضوء على الاختلالات وأوجه القصور المسجلة في تدبير الشأن العام وتنفيذ السياسات العمومية؛ إلا أن محدودية تفاعل القطاعات الحكومية مع توصيات المجلس، بما لذلك من آثار سلبية على الحكامة المالية والإدارية للقطاع العام، ومن تَم على جودة الخدمات المقدمة للموطنين؛ يثير المسؤولية المباشرة للحكومة في تَمثُلها لسيادة القانون ولربط المسؤولية بالمحاسبة، كما يطرح في نفس الآن، مشكلة قانونية تهم اختصاصات المجلس وأدواره الدستورية في المراقبة العليا للمالية، والذهاب بعيدا في إعمال المساطر القانونية ذات الصلة، سواء تعلق الأمر بالفاعل السياسي أو الإداري، أو تعلق الأمر بشخص معنوي أو ذاتي أو غيرهم من المعنيين بملاحظات المجلس وقراراته.
فبخصوص تنفيذ توصيات المجلس الأعلى للحسابات: أظهرت نتائج التقرير السنوي بأن نسبة تنفيذ توصيات المجلس بشكل كلي لا تتجاوز 44 %، فيما تشكل التوصيات المنفذة جزئيا نسبة 37 %، في حين تظل 19 % من التوصيات دون الإنجاز؛ أما في مجال التدقيق والبت في الحسابات، فالملاحظ أن 2258 حسابا أو بيانا محاسبيا لم يتم تقديمهم إلى المجلس الأعلى برسم سنتي 2022 و2023؛ وهي نسبة كبيرة مقارنة بمجموع ما يجب أن يُقدمه المحاسبون العموميون للمحاكم المالية.
وبخصوص التصديق على حسابات الدولة: فقد أدت مماطلة الحكومة للمجلس الأعلى للحسابات، إلى عدم تمكن هذا الأخير، من إبداء رأيه بخصوص التصديق على حسابات الدولة، التي كان من المفروض أن تدخل حيز التنفيذ انطلاقا من سنة 2020، وذلك راجع إلى الفروق المهمة المسجلة في الأرصدة، وما بين الوضعيات الحسابية، وعدم توفر المجلس على المستندات والوثائق المتعلقة بالحساب العام بالدقة اللازمة وفي الآجال المحددة.
وهي مناسبة للتأكيد على مسؤولية الحكومة في التعاطي الإيجابي مع المؤسسات الدستورية واحترام اختصاصاتها، وأن تتجاوب مع ملاحظات المجلس، خاصة تلك المتعلقة بورش التصديق على حسابات الدولة، تكريسا لأحكام الدستور في ما يخص المحاسبة بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية، و تعزيزا لمبادئ الشفافية والموثوقية الخاصة بالبيانات المالية والمحاسبية، بما لذلك من آثار على تحديث المالية العمومية ومصداقية بلادنا في تعاملها مع المؤسسات والمستثمرين.