بهدوء الواثقين وبكفاءة عالية، قاد الإطار المغربي محمد وهبي المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة إلى كتابة واحدة من أبهى صفحات التاريخ الكروي الوطني، بعد أن حقق إنجازاً تاريخياً غير مسبوق بتتويجه بطلاً لكأس العالم للشباب (تشيلي 2025) عقب فوزه المستحق على الأرجنتين بهدفين دون رد في المباراة النهائية.
لم يكن هذا التتويج وليد الصدفة، بل ثمرة عمل طويل وجهد ممنهج قاده وهبي (48 سنة) منذ توليه مسؤولية تدريب “أشبال الأطلس” سنة 2022، حيث نجح في بناء جيل ذهبي من اللاعبين الشباب، مزج فيه بين الصرامة التكتيكية والذكاء الذهني، والروح الجماعية التي شكلت أساس هذا الإنجاز.
وُلد محمد وهبي عام 1976، وبدأ مسيرته المهنية مدرساً في إحدى المدارس البلجيكية قبل أن يلتحق سنة 2004 بأكاديمية نادي أندرلخت العريقة، التي تُعد من أبرز مراكز تكوين اللاعبين في أوروبا. هناك، تدرج في تدريب الفئات السنية إلى أن بلغ الفريق الأول، مكتسباً خبرة كبيرة في تطوير المواهب.
لم يكن وهبي لاعباً محترفاً، لكنه امتلك فكراً كروياً علمياً جعله يُشبَّه بمدربين كبار مثل جوزيه مورينيو، الذي سلك المسار نفسه من التعليم إلى التدريب. ومن خلال رؤيته المنهجية، ساهم وهبي في بروز الجيل الذهبي البلجيكي، حيث أشرف على تدريب نجوم كبار مثل روميلو لوكاكو ويوري تيليمانس وجيريمي دوكو ولويس أوبيندا ودينيس برايت وغيرهم.
يحمل وهبي شهادة “UEFA PRO”، وهي أعلى دبلوم يمنحه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ما يعكس تكوينه الأكاديمي والعلمي الراسخ. وعند عودته إلى المغرب، قاد منتخب أقل من 20 سنة خلفاً لعبد الله الإدريسي، وتمكن في وقت وجيز من تحقيق نتائج لافتة، أبرزها التتويج ببطولة شمال إفريقيا 2024 بمصر، ثم احتلال وصافة كأس أمم إفريقيا قبل ستة أشهر فقط من الإنجاز العالمي في تشيلي.
نجاحات وهبي المتتالية وضعت اسمه إلى جانب نخبة من المدربين المغاربة الذين بصموا على مسيرة ذهبية للكرة الوطنية في السنوات الأخيرة، أمثال وليد الركراكي، الحسين عموتة، جمال السلامي، طارق السكتيوي ونبيل باها.
يراهن محمد وهبي على الانضباط التكتيكي والتركيز الذهني، مع الحفاظ على هدوئه في أصعب المواقف. وهي سمات ظهرت جلياً في مشوار “أشبال الأطلس” خلال مونديال تشيلي، إذ تجاوزوا مدارس كروية كبرى مثل إسبانيا والبرازيل وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وفرنسا، قبل إسقاط الأرجنتين في النهائي.
ويؤكد المحللون أن هدوء وهبي وحسن إدارته لمجريات المباريات، إضافة إلى روح الجماعة والصرامة في العمل، كانت من مفاتيح نجاح هذا المنتخب الشاب الذي أبهر العالم.
وفي تصريح لموقع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، أوضح وهبي أن “الجانب الذهني” يشكل حجر الزاوية في فلسفته التدريبية، قائلاً: “نُركّز مع اللاعبين على اللعب بعقول صافية. هدفنا واضح: الوصول إلى النهائي، والفوز مهما كان الخصم. علينا التفكير في أنفسنا فقط وبذل أقصى ما لدينا.”
وأضاف: “كلمة المغرب هي مفتاح النجاح. جميع اللاعبين يتشاركون هدفاً واحداً: تمثيل وطنهم وشعبهم وملكهم. يمكن رؤية ذلك في كل مباراة، في كل ركضة وهجمة مرتدة. إنهم يشعرون بدعم بلد بأكمله، وهذا ما يجعلنا نلعب من أجل القيم التي تميز المغرب: الوحدة، التضامن، والاحترام.”
ولم تكن رحلة وهبي خالية من التحديات، فقد واجه انتقادات عقب خسارته نهائي كأس أمم إفريقيا أمام جنوب إفريقيا، لكن رباطة جأشه وثقته في مشروعه جعلتاه يعود أقوى، ليؤكد أن الرهان على الكفاءات الوطنية ليس عاطفة، بل خيار استراتيجي ناجح.
ويرى وهبي أن نجاح وليد الركراكي في مونديال قطر 2022 كان مصدر إلهام لكل المدربين المغاربة، قائلاً: “ما فعله الركراكي كسر السقف الزجاجي. لم نعد نخشى أحداً، لكننا نواصل احترام الجميع.”
النسخة العربية لجوزيه مورينيو .. محمد وهبي العقل الهادئ الذي قاد «أشبال الأطلس» إلى المجد العالمي

بتاريخ : 21/10/2025