النووي الإيراني يثير خلافات داخل الإدارة الأمريكية.. وترامب يرسل «إشارات متضاربة»

كشف موقع «أكسيوس» الأمريكي عن وجود انقسامات حادة داخل فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني، وسط تحذيرات من اندلاع حرب في حال فشل المسار التفاوضي.
وأكد الموقع أن «الرئيس ترامب تعهد بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي»، غير أن فريقه للأمن القومي منقسم بين من يدعو إلى توجيه ضربة عسكرية وبين من يفضل السعي إلى اتفاق دبلوماسي.
وقال مسؤول أمريكي مطلع على النقاشات الداخلية إن «سياسة إيران ليست واضحة تماما ويرجع ذلك أساسا إلى أنها لا تزال قيد الدراسة، إنها معقدة لأنها قضية ذات طابع سياسي مشحون جدا».
وأشار التقرير إلى أن الانقسام داخل الإدارة الأمريكية لم يعد نقاشا نظريا، إذ أرسل ترامب مفاوضين إلى عمان لعقد محادثات مباشرة مع إيران، في وقت دفعت فيه وزارة الدفاع بقاذفات «بي-2» وحاملات طائرات كجزء من «الخطة البديلة».
وفي هذا السياق، نقل «أكسيوس» عن السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، قولها إن «الرئيس يفخر بوجود فريق لديه آراء مختلفة. يستمع إليهم جميعا، ثم يتخذ القرار الذي يراه في مصلحة الشعب الأمريكي».
ويقود معسكر الداعين إلى الحلول الدبلوماسية نائب الرئيس جيه دي فانس، الذي يرى أن «الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة لتقديم تنازلات لتحقيق اتفاق»، بحسب ما أفاد به مسؤول أمريكي آخر، مضيفا أن فانس «مشارك بشكل كبير في مناقشات السياسة الإيرانية».
ويضم هذا المعسكر أيضا مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي ترأس الوفد الأمريكي في اللقاء الأول من نوعه مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، والذي عُقد يوم السبت في العاصمة العمانية مسقط، واستمر 45 دقيقة. ويشاركهم الرأي وزير الدفاع بيت هيغسيث، إضافة إلى تاكر كارلسون، الإعلامي المقرب من ترامب والمؤثر في حركة «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى».
وأشار التقرير إلى أن الخلافات داخل فريق ترامب تصاعدت بعد اللقاء الذي جمع ترامب برئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، والذي اتسم بالتوتر، خاصة خلال مناقشة الملف الإيراني.
ونقل الموقع عن مسؤول أمريكي أن «ترامب استمتع نوعا ما بمواجهة نتنياهو بشأن إيران»، مضيفا أن «نفس الديناميكية التي رأيتموها في العلن حدثت في السر».
وختم التقرير بالإشارة إلى أن ترامب يسعى للتوصل إلى صفقة نووية خلال شهرين، دون أن يوضح ما سيفعله إذا فشلت المفاوضات، في وقت يرى فيه بعض المقربين منه في «معسكر الحوار»، أن «مطالب نتنياهو بالتخلي الكامل عن البرنامج النووي الإيراني غير واقعية».
في السياق ذاته، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن تضارب في مواقف إدارة ترامب إزاء المحادثات النووية الجارية مع إيران، مشيرة إلى خلافات داخل فريق الأمن القومي حول طبيعة الاتفاق المطلوب، وسط إشارات متباينة بشأن إمكانية الاكتفاء بحدود على تخصيب اليورانيوم بدلا من تفكيك كامل للبرنامج.
وأكدت الصحيفة في تقرير أعده الصحفي المتخصص في شؤون البيت الأبيض والأمن القومي ديفيد سانغر وترجمته «عربي21»، أن مستشار الأمن القومي مايكل والتز شدد قبل أسابيع على أن هدف الإدارة هو «التفكيك الكامل» للبرنامج النووي الإيراني، موضحا أن ذلك يشمل “منشآت التخصيب ومنشآت التسليح وحتى الصواريخ بعيدة المدى».
لكن هذا الموقف الصارم بدأ يتراجع مع تصريحات أدلى بها ستيف ويتكوف، كبير مفاوضي ترامب في الملف النووي، الذي تحدث في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» عن إمكانية بناء «نظام تحقق لإنتاج اليورانيوم المخصب، وفي النهاية التحقق من التسليح، والذي يشمل الصواريخ ونوعها وحتى الزناد لقنبلة»، دون التطرق إلى تفكيك البرنامج بالكامل.
وأشار التقرير إلى أن ويتكوف، الذي التقى وزير الخارجية الإيراني في عمان السبت الماضي، خرج من اللقاء وهو يتصور «نوعا مختلفا تماما من الاتفاق مع إيران عن ذلك الذي وصفه والتز».
وأضاف ويتكوف: «من حيث المبدأ، يمكن تحسين الاتفاق النووي الأصلي»، في إشارة إلى الاتفاق الذي توصلت إليه إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما وخرج منه ترامب عام 2018، واصفا إياه حينها بأنه «اتفاق أحادي الجانب فظيع، ما كان ينبغي إبرامه أبدا».
لكن الموقف تغير مجددا بعد اجتماع في غرفة العمليات بالبيت الأبيض صباح الثلاثاء، حيث عاد ويتكوف وأعلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن «إيران يجب أن توقف برنامجها للتخصيب والتسليح النووي وتقضي عليه»، مؤكدا أن «الصفقة مع إيران لن تكتمل إلا إذا كانت صفقة ترامب».
وشددت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، في مؤتمر صحفي لاحق، على أن ترامب أبلغ العمانيين المشاركين في المحادثات بأن «على إيران إنهاء برنامجها النووي من خلال المفاوضات»، مشيرة إلى أن الجولة التالية من المفاوضات ستُعقد السبت المقبل.
وبحسب مسؤولين مطلعين على النقاشات الداخلية، فإن ويتكوف ونائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس عبّرا عن قلقهما من أن الإصرار على «التفكيك الكامل» قد يؤدي إلى إفشال المفاوضات، في ظل رفض إيراني واضح لهذا المطلب.
واقترح المسؤولان بدلا من ذلك إنشاء «نظام تحقق صارم» قد يُدار أمريكيا بدلا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن ذلك يشبه الترتيبات السابقة التي وُصفت بأنها تنازل في عهد أوباما.
في المقابل، أشار التقرير إلى تمسك والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو بموقفهما الرافض للسماح لإيران بالاحتفاظ بأي قدرة على تخصيب اليورانيوم، محذرين من أن «إيران ستستأنف بسرعة رفع مستوى التخصيب إلى مستويات قريبة من تصنيع القنبلة».
من جانبه، قال غاري سامور، المسؤول النووي السابق في إدارتي كلينتون وأوباما، إن «القضاء على قدرة إيران أمر بعيد المنال»، مضيفا: «لا أعتقد أن إيران ستوافق على القضاء على البرنامج بأكمله حتى تحت تهديد القوة العسكرية».

عقبات كثيرة

من جهتها، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن الاجتماع الأول بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامجها النووي في مسقط أظهر جدية في الهدف وجهدا لتجنب ما لا يريده أي من الجانبين، وهو حرب أخرى في الشرق الأوسط.
وأضافت في تقرير لها أنه رغم أن جولة أخرى من المحادثات ستجري السبت القادم في العاصمة الإيطالية روما، إلا أن العمل الجاد لا يزال أمامهما، حيث من المتوقع أن يتردد المتشددون في كلا البلدين، و»إسرائيل»، في أي اتفاق تقريبا.
ومضت الصحيفة تقول: «إذا كان الاتفاق النووي الأول، الذي تم التوصل إليه عام 2015، مدفوعا برغبة إيران في التخلص من العقوبات الاقتصادية القاسية، فإن هذه المحادثات أكثر إلحاحا. إيران، التي تُعاني من ضغوط إسرائيلية، ومع تراجع نفوذ وكلائها الإقليميين، لا تزال ترغب في انفراج اقتصادي. لكنها تُدرك أيضا أن الجمهورية الإسلامية نفسها مُهددة، وأن الرئيس ترامب، الذي انسحب من الاتفاق الأول لظنه أنه ضعيف للغاية، قد لا يكون مُخادعا بشأن مواجهة إيران «قصفا لم تشهده من قبل».
وبينما أصرت إيران على إجراء محادثات غير مباشرة عبر عُمان، وأصرّ ترامب على إجراء محادثات مباشرة، نجح الجانبان في التهرب من القضية، حيث تحدث المبعوث الخاص لترامب، ستيف ويتكوف، مباشرة مع وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، مع انتهاء الاجتماع.
وقال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: «هذه بداية جيدة للغاية. كان من الممكن أن يتعثروا، لكنهم اتفقوا على الاجتماع مرة أخرى، واجتمعوا معا في النهاية واتفقوا على الهدف النهائي».
والأهم من ذلك، أشار ترامب وويتكوف إلى أن هدفهما الحقيقي هو ضمان ألا تتمكن إيران أبدا من صنع سلاح نووي – على الرغم من المطالب القاسية من مسؤولي ترامب قبل المحادثات بأن تفكك إيران برنامجها النووي بالكامل بالإضافة إلى التخلي عن برنامجها الصاروخي ودعمها لوكلائها الإقليميين.
وأوضحت إيران أن مثل هذه المطالب الواسعة ستتركها بلا دفاع وستنهي المحادثات قبل أن تبدأ. لذا، فإن حصر الهدف في ضمان عدم قدرة إيران على صنع قنبلة نووية، إذا التزمت الإدارة بذلك، سيعزز بشكل كبير فرص نجاح المحادثات.
قال والي نصر، الأستاذ في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة: «جاء الإيرانيون مستعدين لأكثر من مجرد محاولة لكسر الجمود، ولكن مع توقع كسر الجمود مع الولايات المتحدة، والأهم من ذلك، سماع ما هو الحد الأدنى الحقيقي للولايات المتحدة بشكل مباشر. إذا لم يكن الأمر يتعلق بسلاح، فيمكنهم التفاوض على مستويات التخصيب وعمليات التفتيش وما إلى ذلك. لكن إيران لا تريد الدخول في موقف لا يمكنها فيه الوفاء بوعودها والمخاطرة بمزيد من العقوبات والحرب. ما تريده إيران واضح تماما: تخفيف العقوبات بشكل موثوق واتفاق يصمد».
تصر إيران على أن برنامجها النووي مدني بحت، لكنها خصبت ما يكفي من اليورانيوم قريبا من جودة الأسلحة لصنع ست قنابل على الأقل، وفقا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تنفذ معاهدة حظر الانتشار النووي التي وقعتها إيران.
على الرغم من عدم ثقتهم بترامب، يعتقد الإيرانيون أنه سيكون أكثر قدرة على ضمان استدامة الصفقة التي يعقدها ومواجهة المتشددين الجمهوريين في بلاده، كما قال نصر.
وأضاف أن الإيرانيين لم يثقوا أبدا بالرئيس جوزيف بايدن الابن «للمضي قدما وتجنب تقويضه من قبل الكونغرس».
وقالت صنم وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس»: «نحن في أفضل وضع يمكن أن نكون فيه بعد هذا الاجتماع». وأضافت أن هناك تصريحات إيجابية من كلا الجانبين حول خطة للمضي قدما، و»تفاهما متبادلا حول الإلحاح المطلوب والفرصة المتاحة وعلامات البراغماتية من كلا الجانبين».
ويبقى الأمل في أن يُسفر اجتماع أو اجتماعان قادمان عن اتفاق مؤقت يمنح الجانبين الثقة للمضي قدما، مع اتخاذ تدابير قصيرة الأجل من كلا الجانبين طالما استمرت المحادثات.
قد تشمل هذه المقترحات موافقة إيران على تجميد تخصيب اليورانيوم والسماح بمزيد من عمليات التفتيش مقابل تعليق واشنطن بعض عقوبات «الضغط الأقصى».
ومن المرجح أن تُصر إيران على عملية تدريجية قد تستغرق عدة سنوات، كما قال نصر، «لمساعدة الاتفاق على ترسيخ جذوره قبل أن يأتي شخص آخر ويحاول التراجع عنه». كما أن عملية أطول ستوفر المزيد من الأمن لإيران.
ومع ذلك، ليس لدى إيران سبب لتمديد المحادثات نفسها. وقال فايز: «إن نفوذ إيران هو تخصيبها النووي، والمزيد من الوقت لن يمنحها المزيد من النفوذ». ثم هناك «القنبلة الموقوتة المتمثلة في إعادة فرض العقوبات».
ويمكن إعادة فرض هذه العقوبات، التي عُلقت بموجب اتفاق عام 2015، إذا قرر أي طرف موقّع – في هذه الحالة، الأوروبيون – أنه لا يوجد اتفاق جديد أو تقدم كبير نحوه.
ولكن يجب أن يحدث ذلك قبل 18 أكتوبر، عندما تنتهي صلاحية إمكانية «إعادة فرض العقوبات». يقول المسؤولون إن الأوروبيين يبحثون إمكانية تأجيل هذا الموعد النهائي، لكن آلية القيام بذلك غير واضحة.
على أي حال، يتفق المحللون على أن إيران لا تريد أن تُلام على فشل هذه المحادثات. إذا فشلت واندلعت حرب، فإن النظام يريد أن يكون قادرا على إلقاء اللوم على الغدر وسوء النية الأمريكية.
لذا، إذا أمكن التوصل إلى اتفاق، فستريد إيران ضمانات هذه المرة بأنه سيكون مستداما ويُحقق مشاركة تجارية بطريقة هادفة وطويلة الأجل، كما قالت وكيل. ستريد إيران أن تعرف «كيف يمكن لترامب ضمان الحماية التي عجز الرؤساء الآخرون عن توفيرها».
وأضافت أن الولايات المتحدة ستريد أن تعرف الضمانات التي يمكن أن تقدمها إيران لأمن «إسرائيل» واستقرار الشرق الأوسط الكبير.
وأضافت: «يجب أن يكون الاتفاق مفيدا للطرفين، لكنه يتطلب قدرا كبيرا من الثقة والمساءلة على الطريق، وهو ما يفتقر إليه الجانبان ببساطة في الوقت الحالي».


بتاريخ : 19/04/2025