«الهواء الطلق للجنون» للشاعر إسحاق الهلالي حتى تدخل شمس من النافذة 

 

في « الشرفة العظيمة» كما يسميها الشاعر إسحاق الهلالي، الشرفة المعلقة في نزل ابن رشد بالطابق الرابع، بيته الأثير كلما حل بمدينة اصيلة التي يصفها ب « السوسنة الناعسة على ضفاف البحر»، التقيته بعد غياب دام ما يفوق ربع قرن، وهي المسافة الزمنية ذاتها بين مجموعته الشعرية الأولى «سيجارة على سطح البيت» 1 ، والمجموعة الثانية «الهواء الطلق للجنون» 2 التي صدرت مؤخرا عن محترف أوكسجين للنشر، وهي كما قدمها الناشر: «رسائل مضيئة تروي البحر وأساطيره ، الذكريات والمدن البعيدة وسير الشعراء، ولنتساءل معه عن البلاد والحب والغياب، وكيف يمسي القمر عازف كمان جوال، والبيت شاطئا نلجأ إليه، والهدهد حكيما يسرد حكاية الإنسان بظلاله الكثيرة، ومتاهته التي بلا نهاية « .
في قصيدة « في تسعينيات قرن فائت «تمر مشاهد سينمائية ، يؤرخ بها اسحاق الهلالي حياة أصبحت الآن « زجاج مرايا تناثرت في المدارات»، و في «سوق الأسماك في مطرح « لوحات متتالية للمكان وتفاصيله ترصد أثر الوقت في حركة الصيادين والقوارب. الأسماك على مصاطب السوق، كأنها «مسرح الألوان المشتعلة بتدرج ومرح، في تشكيلة تخلب اللب، منثورة كأحجار كريمة « .
قصائد تعبرها وجوه وأمكنة، زمن تخثر في التربص والتأمل والتجوال، حياة تؤثث ظلال الأكمات الخضراء في ممرات التلال الوعرة .
« الهواء الطلق للجنون» مجموعة متميزة بصور شعرية أخاذة من مشاهدات وتجارب وأسفار شاعر يعود بعد غياب الى بيته ، حصنه و نجماته وشمسه .
قصائد استطاعت أن «تؤكد التطور الكبير الذي باتت تعرفه قصيدة النثر العُمانية، إذ صارت جزءا لا يتجزأ من مشهد قصيدة النثر العربية، حيث كانت بداياتها مواكبة لانطلاق القصيدة وحضورها داخل متن التجربة الشعرية العربية، وقد استطاعت أن تخلق فرادتها من خلال جماليات تجريبية حداثية مبتكرة وارتباطها العميق بتشكيلات ومفردات للبيئة والواقع العُمانييْن وبتفاعلات الشعراء وحراكهم داخل المحيط الثقافي العربي «3 .
من قصائد المجموعة :
رفقة وأحلام

وإذا نحن ترافقنا، ومشينا تحت شجرة الكون، هذه التي
أرواحنا معلقة في أغصانها، ولم نجعل للأيام سببا إلا حنيناه
بعيوننا. من ماء القداسة خفتنا، وأيدينا لم يجمد طينها .
نتجول في بستان أحلامنا ، الأطفال ذريعتنا، والغيوم البعيدة
خيوطنا ، نشدها إلى سرة الأرض
الهدهد

أمالني الحنين
حتى صعدت مركب السهو
إلى ضوء يخفت
في البعيد

في صباحي
أجمع قتلى الليل
أضعهم في الخزانة

وكما النهر يفصل بين يابستين
كذلك الحياة
حيث يصغي ولد لبنت
ويذهبان في الماء

نقش ريح على حجر
هي صورة الإنسان
الهدهد الحكيم على النافذة
وحده يراقب إسدال الستار .
لو

الباذخة
المكشوفة على الأمنيات
المقبلة إلى الرجاء
السائرة في الحلم
عارية الرأس
اللعوب بدلال

« لو « الثملة
من يناديها الآن .
عبدالله الريامي

أنت هنا
وفي نفس الوقت
أنت هناك
هنا وهناك
في عين الوقت

في نهر أبي رقراق
ينزل فلج دارس
وفوق جبال الأطلس
سلسلة الحجر تتساقط
مشطورا بين قارتين

أقصى أحلامك
أن تعترش سمرة أو سدرة
قرب واد
تحدث الحجارة والماء
وتسير كعادتك بغير هدى
في فضاء الجبال
تذكر
النجوم تصل بمقدار ما تدل
وأنت أدرى

تقذف الكواكب بالحصى
وتغرس وردة على مقبرة

رتعت من كأس الليالي حتى ثملت
ثم خلفت الحفلة في عنفوانها
قاصدا السيح
الذي يلف الحياة بمنديل ساحر
على المشارف

منزلي حجر
والجبال حدائقي
وقتي أقضيه بين المرتفعات
العزلة سلاحي الأبيض
والأبدية على مشارف حدودب

اللغة هنا طرية
كالهواء

الماضي
ذاك الذب أرى دخانه
يصاعد هناك .
بيت لم يعد بيتي

شيدته بحجارة السنين
حففته بالأشجار والورد
تمرح في هوائه
ثلاث نجمات وشمس

أصل إليه كمقاتل
يضع عدته على الباب
ليهنأ بهدنة الحرب

البيت قارب إنقاذ
تتقاذفه العواصف
مادة رخوة لزجة
خلية تحفظ البقاء

البيت ضوء
في نهاية النفق
جزيرة في المحيط
شاطئ نلجأ إليه
واحة في فياف تتوالد
تنهيدة في الشقاء
صعود الفجر في مرايا تتكسر

البيت صمغ الروح
حبل إنقاذ من السقوط
في الهواء الطلق للجنون .

*إسحاق الهلالي شاعر من عمان ، مواليد 1971

1 – دار الجديد / 1998
2 – محترف اوكسجين للنشر / 2025
3 – صحيفة العرب 6 مايو 2025


الكاتب : أحمد وهيبي

  

بتاريخ : 24/09/2025