وأنا أتابع ردود فعل بعض مكونات اليسار المغربي على دعوة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، إلى ضرورة رص الصفوف، وتشكيل جبهة يسارية حداثية لمواجهة التحديات والرهانات المستقبلية، وتجاوز معيقات الماضي، تيقنت بما لا يدع مجالا للشك ، أن مشكل اليسار المغربي، لا يكمن في طموحات أو صراعات شخصية بدون أي بعد سياسي أو إيديولوجي ، أو رغبة في التشرذم والتفتت، أو اختلاف حول مواقف أو تموضعات سياسية، بل المشكل يكمن بالأساس في ترسب عقلية جاحدة لدى هذا اليسار تُجاه الاتحاد الاشتراكي و ماضيه وحاضره ومستقبله .
وإذ حاولت هذه المكونات اليسارية، ربط رفضها لدعوة الاتحاد الاشتراكي بما يعيشه الحزب من ظروف تنظيمية (تجهل أسبابها والفاعلين داخلها)، فلا يمكنها أن تنكر أن شعلة هذا الجحود تجاه الاتحاد، قد التهبت مواقدها منذ سنين طويلة.فهذا الجحود، لازم مكونات اليسار منذ وجودها، ولم يتوقف عن التعبير عنه في أي وقت أو حقبة.
هذا اليسار الجاحد، هو من تنكر لمرجعية الاتحاد اليسارية الوطنية، ليؤسس الإطارات الحالمة والمتطرفة، التي سعت إلى ربط المغرب بالأجندات السريالية، التي صنعت الديكتاتوريات العالمية البائدة.
هذا اليسار الجاحد، هو الذي جلد الاتحاد لاختياره الديمقراطية كأساس للنضال الوطني المؤسساتي، واصفا إياه بالخيانة و الارتداد عن المرجعية اليسارية والارتماء في أحضان ما كان يصفه آنذاك “بالكومبرادورية”.
هذا اليسار الجاحد ، هو من نسي كل التضحيات التي قدمها الاتحاد ومناضلوه، في سبيل حياة وحرية واستمرار هذا اليسار، يوم كان القمع يحز الرقاب، ويزج بالناس في غياهب السجون.
هذا اليسار الجاحد، هو الذي نسي، أن غالبية أطره ومناضليه الفاعلين، قد مروا من مدرسة الاتحاد، وتلقوا داخلها مبادئ وقيم العمل السياسي الجاد والمسؤول، المبني على الديمقراطية الصادقة و المجردة.
هذا اليسار الجاحد،هو الذي حارب الاتحاد وأبناءه في الجامعات وفي مختلف المواقع والمساحات المجتمعية، التي خلقها الاتحاد نفسه، لتكون منبتا وبيتا للجميع، ليسمح للقوى الرجعية و الظلامية باحتلالها.
هذا اليسار الجاحد، هو الذي شحذ سيوفه وخناجره للطعن في تجربة الاتحاد لقيادة الحكومة في ظل التوافق الوطني بين مكونات البلاد الشرعية، لنجده فيما بعد واقفا في أول صف المطالبين بالاستفادة من غلة هذا التوافق الذي قاده الاتحاد.
هذا اليسار الجاحد، هو الذي سينخرط تلقائيا، في المشروع السياسي “الوافد الجديد”، القائم على تحييد الاتحاد، وتعويض زخمه وتأثيره المجتمعي السياسي، بحزب سياسي مشوه التكوين والأهداف، تنخره خطيئة النشأة.
هذا اليسار الجاحد، هو الذي يسطو اليوم على استراتيجية وقناعات الاتحاد الديمقراطية، المبنية على النضال المؤسساتي، ناسيا ومتناسيا كل ما قاله في حق الاتحاد وإبداعه لهذا التوجه السياسي، والذي بات اليوم يتشدق بالتشبث به.
وإذا كان لأحد- اليوم- أن يقدم نقدا ذاتيا، فالأكيد سيكون هذا اليسار الجاحد، الذي ضيع على الديمقراطية، وعلى الوحدة اليسارية سنوات طويلة، بخلفياته وتوجهاته المغامرة، قبل أن يقتنع بكل ما نادى به وابتدعه الاتحاد الاشتراكي منذ سنين طويلة . فالاتحاد وإن عانى تنظيميا ، فإنه ظل وفيا لما آمن به، وما أرساه من توجهات ومنطلقات سياسية.
إن الاتحاديات والاتحاديين، رغم كل ما تعرضوا له من جحود من قبل اليسار ومكوناته ، يظلون متشبثين بأمل توحيد هذا اليسار، وجعله قادرا على الانخراط في العمل السياسي الوطني بعقلانية وانفتاح، تتيح للبلاد إمكانية التطور والازدهار، وفق قيم الحداثة والديمقراطية.
عن موقع هاشتاغ