مرت سبعون عاما على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فعلى مدى سبعة عقود أحرز العالم إنجازات كبيرة في هذا المجال تشمل تعزيز الوصول إلى العدالة وتكريس الحق في العمل والحق في الحياة وحرية الدين والمعتقد والحماية من التعذيب.
إلا أن وضعية حقوق الإنسان في العديد من المناطق عبر العالم تظل باعثة على الأسى والجزع، إلى جانب حالة عدم الاستقرار التي تسود العديد من البلدان، وتدفقات الهجرة التي تطرح تحديات جمة لكل من بلدان المقصد وبلدان المنشأ والعبور.
وفي رسالة بمناسبة تخليد اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يحتفل به العالم في العاشر من دجنبر من كل سنة، أبرز الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «ما فتئ يشكل منذ 70 عاما منارة عالمية، تنير سبل الحفاظ على الكرامة وتحقيق المساواة والرفاه … وتعطي الأمل للأماكن المظلمة».
ويستشف من رسالة الأمين العام للمنظمة الأممية الشعور بعدم كفاية ما تحقق من منجزات، حيث شدد على «أننا، اليوم، نكرم أيضا المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يعرضون حياتهم للخطر من أجل حماية الناس في مواجهة تزايد الكراهية والعنصرية والتعصب والقمع. والواقع أن حقوق الإنسان تخضع للحصار في جميع أنحاء العالم. والقيم العالمية تتآكل. وسيادة القانون تقوض».
وفي خلفية هذا الواقع الباعث على الأسى، حروب لا تتوقف رحاها وحقوق مهضومة، ومدنيون يتعرضون للتهجير، وأقليات مضطهدة … واقع حذا بالأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية ومختلف الجهات الفاعلة، العالمية والمحلية، ومنظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان إلى التأكيد، مرة أخرى هذا العام، على أن هناك عملا كبيرا يتعين القيام به على درب حماية حقوق الجميع في شتى أصقاع المعمور.
وفي هذا السياق، قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، إن الإعلان ألهم العديد من حركات التحرر وأسهم في تحسين الوصول إلى العدالة، والحماية الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، والمشاركة السياسية، ولكن على الرغم من هذه المنجزات، بات الناس يتوجسون أكثر فأكثر من التغيرات الكبرى التي تعتمل في عالم اليوم.
ومن بين أبرز التحديات التي تواجه الإنسانية اليوم بحدة ظاهرة الهجرة التي طفت إلى واجهة الأحداث في السنوات الأخيرة، متأرجحة ما بين التسويف ومحاولة التنصل من المسؤولية المشتركة، ما خلف مآس في شتى أنحاء العالم لن تنمحي من سجل التاريخ.
ووفقا للأمم المتحدة، يعيش أكثر من 258 مليون مهاجر في العالم بعيدا عن بلدانهم الأصلية، وهو رقم مرشح للارتفاع بسبب النمو الديمغرافي وما يصاحبه من اختلالات، وتطور وسائل الاتصال ووسائل التجارة وتفاقم أوجه اللامساواة وتغير المناخ.
وعلى خلفية هذه المخاوف التي تساور المجتمع الدولي، ينعقد المؤتمر الحكومي الدولي لاعتماد الميثاق العالمي حول الهجرة بمدينة مراكش بدءا من يومه الاثنين، ولا مراء في أن احتضان المملكة لهذا المؤتمر العالمي المهم عربون إشادة بجهود المغرب في مجال تدبير تدفقات الهجرة وفق مقاربة تشاركية وإنسانية وتضامنية.
فبعد سنتين فقط من استضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ (كوب 22)، الذي شكل موعدا تاريخيا لاتخاذ إجراءات ملموسة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري وتداعياته المدمرة على البشر والبيئة، يعود المغرب مرة أخرى إلى واجهة الساحة الدولية من منطلق تشبثه ومرافعته عن القيم العليا للبشرية.
كما أن التزام المملكة بسلامة وأمن الأفراد يتجلى أيضا في مجال مكافحة الإرهاب. فقد اعتمدت المملكة، التي راكمت تجربة ناجعة مشهودا لها بها دوليا، مقاربة شمولية تغطي إصلاح الحقل الديني وتعزيز قيم الاعتدال وتهيئة شروط التنمية الاجتماعية والاقتصادية المتكاملة. وتستند المقاربة المغربية أيضا إلى نضال دؤوب ضد الأفكار المتطرفة وإلى يقظة أمنية ناجعة وتدابير استباقية لمواجهة كل محاولة للمس بأمن المواطنين.
ومنذ إقرار دستور 2011 على الخصوص، ووفقا للالتزامات الدولية للمملكة، تحققت إنجازات متعددة في المجال الحقوقي بفضل الإصلاحات الجارية تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس. وقد تعززت هذه الإنجازات، التي تشمل استقلالية السلطة القضائية، والجهود الرامية إلى القضاء على كافة أشكال التعذيب والتعسف في المؤسسات السجنية، خلال العام الجاري عن طريق اعتماد القانون 76-15 بشأن إعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الرامية إلى استكمال عملية إحداث نظام وطني لحماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال تخويل المجلس صلاحيات آلية وطنية تكفل حماية الأطفال ورصد تنفيذ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ومنع التعذيب، وغير ذلك.
وبالإضافة إلى ذلك، بات المغرب أول بلد في المنطقة يعتمد خطة عمل وطنية للديمقراطية وحقوق تشمل 430 إجراء تتوزع إلى أربعة محاور، هي الديمقراطية والحوكمة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وحماية الحقوق حسب الفئات، والإطار المؤسسي والقانوني.
وتتضمن الخطة، التي انبثقت من توصيات المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا في عام 1993، مجموعة من التدابير المرجعية تروم حماية حرية التجمع السلمي والتظاهر، بالإضافة إلى تكوين الجمعيات. كما تهدف إلى تعزيز دور الآليات المؤسسية على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي في مجال رصد وتيرة الحركات الاجتماعية والمطلبية.