امرأة في مواجهة الموت -10- تشريح جثة من كان مكلفا بتشريح ضحايا ملفات الدرك الملكي

اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة. فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها٠من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.

 

كانت اخر ذكرى علقت بعقلها وهي تجمع امتعتها في اكادير من أجل العودة إلى البيضاء لتسلم مهامها الجديدة بمستشفى محمد الخامس بالجديدة هي أخر تشريح قامت به، لقد اعتادت الدكتورة ابو المعز على زيارات متكررة لرجال الدرك والأمن الوطني والمسؤولين القضائيين الذين كانت قد نسجت معهم علاقات طيبة سواء على المستوى المهني أو الإنساني، وفي وقت متأخر من الليل كانت ابو المعز قد غادرت المصلحة في اتجاه منزلها الذي لم يكن يبعد عن المستشفى إلا بامتار قليلة، حيث تلقت في الصباح مكالمة هاتفية من اجل الالتحاق بالمصلحة من اجل إجراء تشريح لجثة بناء على توصية مسؤول كبير، وبعد أن تم تهييئها ولجت المصلحة لمباشرة عملية التشريح، اصيبت بصدمة عندما تعرفت على الضحية الذي لم يكن سوى شخص ، كان اخر شخص التقته بالمصلحة وهي تغادرها ليلا بعد أن سلمها بعض الوثائق من اجل إنجازها، ولم يكن الشخص المعني بالتشريح سوى شخص اعتاد التكلف بفحوصات وأوامر التشريح الطبي الضحايا التابعين لمصالح الدرك الملكي والذي انتحر بعد تصفية زوجته بسلاحه الوظيفي كانت يداها ترتجف، حيث منذ تلك اللحظة والموت يحضرها باستمرار فهي تعتقد يوميا أنه ربما يوما ستكون فوق هده الطاولة الحديدية تشرح هي الأخرى لتعرف أسباب وفاتها لقد اعتادت على الموت هو الآخر كما اعتادت على الأموات ٠
عادت ربيعة ابو المعز إلى البيضاء وما هي إلى أيام حتى عادت إلى اكادير من اجل تسليم بعض الوثائق واستكمال تحرير المحاضر وتسليمها إلى المصالح الأخرى أو إلى أرشيف المستشفى، الا انها اثناء توديع الطاقم المساعد لها اخبرتها احداهن ان الاموات هم ايصا لم يستسيغوا فراقها لهم عودتها هذه المرة إلى الجديدة لم تكن عودة سهلة ، فقد عادت إلى مدينة لم تكن تتوفر على مصلحة الطب الشرعي ولا على أدوات اشتغال كل ما في الأمر أن غرفا لعقل مجانين وعزلهم عن محيطهم هو المكان الذي كانت ترمى فيه الجثت من أجل تغسيلها وتكوينها وتسليمها إلى أهلها، وقد استطاعت أن تحوله إلى مصلحة الطب الشرعي بأدوات عمل بسيطة، قبل أن يتحول مشكل مصلحة الطب الشرعي من مشكل خاص إلى مشكل دولة بعد عرضه على المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وتلك حكاية أخرى

 


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 13/04/2022