امرأة في مواجهة الموت -11- التشبت بتعيينها بالجديدة في غياب مصلحة الطب الشرعي

اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة. فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها٠من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.

 

بعد قضائها سنة بمستشفى الحسن الثاني بأكادير، تمكنت الدكتورة ربيعة ابو المعز من الانتقال إلى المندوبية الجهوية البيضاء سطات، ليتم تعيينها بمستشفى محمد الخامس بالجديدة وهي البناية التي تعود إلى أكثر من ستون سنة، حلت بالجديدة وأثناء تقدمها إلى مدير المستشفى الذي لم يكن لحظتها سوى المرحوم الدكتور عروب الذي قضى فترة بالبناية القديمة للمستشفى قبل أن ينتقل إلى البناية الجديدة التي كلفت الدولة ستون مليارا بالتمام والكمال دون أن تفي بالمطلوب ،لم يصدق أن المرأة التي أمامه دكتورة في التشريح الطبي، حيث تسلم منها التعيين الجديد وطلب منها الانصراف إلى حين المناداة عليها، لأن المستشفى لا يتوفر على مكان لممارسة اختصاصها وأن كل ما يجريه كمدير للمستشفى وطبيب منتدب للقيام بمهام التشريح الطبي لم يكن يتعدى فحص الجثت المحالة عليه ٠وإحالة الأخرى الأكثر تعقيدا على البيضاء.
الجواب لم يرق ربيعة ابو المعز وأصرت على تسلم مهامها فورا ،لأنها عينت بالجديدة للقيام بمهام التشريح الطبي ولا شيء غير ذلك، لم يكن المكان المحدد سوى بناية مهترئة محادية لبوابة ومقصف المستشفى كانت قديما مخصصة لمصلحة الطب العقلي والنفسي وهي عبارة عن قاعة صغيرة مخصصة لعزل المجانين حولتها ابو المعز إلى مكتب خاص بها وأرشيف المصلحة وثلاجة وبهو مفتوح على السماء، المكان الذي ستتخذ منه مكانا لإجراء التشريح، الدكتورة ربيعة تلتقط أنفاسها وتؤكد أنها اصيبت بصدمة عندما اكد لها المسؤول الأول عن المستشفى، أنه لا يمكنه اقتناء ادوات الاشتغال لأنه لا يتوفر على ميزانية لاقتناء آليات العمل، ومما زاد من حنقها أن المنشار الذي كان يستعمل في عمليات التشريح المعقدة لم يكن من منشارا كهربائيا بل عبارة عن منشار يدوي يستعمل في تقطيع الحديد، وهو ما اعتبرته المسؤولة الجديدة عن المصلحة تعذيبا للضحايا الذين ينتظرون الإنصاف، تمكنت بعلاقاتها الخاصة من الحصول على منشار كهربائي من مستشفى بالبيضاء وبعض أدوات الاشتغال، وبدأت في تكوين الممرض الذي بدأ يساعدها في بعض العمليات، فيما قامت بإعادة تنظيم ثلاجة حفظ الأموات، وجهزت سريرا للقيام بالعمليات، وماهي إلا أيام حتى بدأت في التخلص من جثت احتلت الثلاجة لمدد طويلة بتهيء ملفات لها كمجهولي الهوية وتم دفنها وكانت اول عملية كبيرة قامت بها تمثلت في تحنيط كوري جنوبي توفي بالجديدة من أجل نقله الى كوريا قصد دفنه.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 14/04/2022