امرأة في مواجهة الموت -12 – المشرحة كانت تعرف بعض أعمال الشعوذة

اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة. فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها٠من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.

 

رغم تحذيرات أبو المعز لاطقمها المساعدة فإنها ظلت نفس الممارسات مستمرة ، ومن بينها ممارسة الشعوذة وفتح الباب لكل من هب ودب لولوج المشرحة والإطلاع على ثلاجة الأموات، مما دفعها إلى ولوج المصلحة في الساعة الثامنة صباحا وبشكل يومي، كما أنها لاتغادرها إلا في حدود السادسة مساء بعد أن تحكم إغلاقها وتبقى المسؤولية آنذاك على عاتق فريق المداومة الليلية ،أن حدثت أية وفاة ليلا، وتؤكد ابو المعز في بداية استغلالها لهذه المصلحة أنها شاهدت نساء بها يعانقن الأموات رغم أن لا علاقة لهن به ويمررن يديهن عليها على اعتبار التأكد من وفاتهم، وهو ما سيتم منعه بشكل نهائي على جميع مرتفقي المصلحة حتى ولو كانوا من عائلة المتوفى، وهو ما لم يرق المشتغلين معها تحث ذريعة العادات والتقاليد إلا أنها كانت مصرة ومتشددة في كل قراراتها وهددت الجميع باتخاد عقوبات في حق كل من تبث مخالفتها بالمتابعة القضائية.
ابو المعز ستخضع لأول امتحان بعد أن حصل المجلس الوطني لحقوق الإنسان على ملف متكامل للوضعية المأساوية التي تعيش عليه مصلحة الطب الشرعي بعد أن أجرى زيارة لها واستفسر جميع المسؤولين وعقدت ندوة صحافية حول الوضعية الشاذة التي تعرفها المشرحة، مما عجل بتجهيزها بكافة اليات الاشتغال.
ذات يوم وبينما كانت تشتغل بالمصلحة احيلت عليها جثة مهندس كوري توفي اثر حادثة شغل بالجرف الاصفر فقد على اثرها اجزاء من وجهه، الا ان الفريق الفني للشركة الذي كان يرافقه كان يشترط تحنيط الجثة وإعادة ترميم الوجه، لأن زوجة الفقيد حامل، وهي تحلم أن تحتفظ بصورة زوجها كما ودعها وهي حامل حتى لا تقع بعض المضاعفات للزوجة، وهو ما تم حيث قامت ابو المعز بتحنيط الجثة فيما تكلفت طبيبة تجميل بإتمام الباقي، عملية التحنيط هذه أثارت حفيظة جل العاملين بالمستشفى الذين لم يعلموا في أي يوم بهذه العمليات بما فيهم الأطباء وكانوا يودون الاطلاع على ما قامت به ، إلا أن ابو المعز مرة أخرى كانت أكثر حزما ووضعت الجثة في ثابوت النقل وسلمتها إلى من لهم الحق في ذلك بناء على امر من السيد الوكيل العام للملك وانتهى امر هذه الجثة.
إلا أن الدكتورة ابو المعز كانت مضطرة إلى مرة أخرى إلى تلقين مساعدها بعض أبجديات التشريح وأسماء الأعضاء خاصة لما علمت أن البنكرياس أرسل غير مامرة إلى المختبرات بعد تقطيع جزء منه على اساس انه ورم او شيء آخر وقد تمكن جل المساعدين من ضبط العمل بالمصلحة، إلا أن بعض الممارسات الخارجة عن القانون جعلت بعضهم يغادر عن طواعية.
وتلك حكاية أخرى


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 15/04/2022