اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة ٠فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها٠من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز
خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.
كان من بين ما تضم مصلحة التشريح الطبي في اكادير طاقما متكاملا من المتطوعين والموظفين من بينهم فقيه طاعن في السن يتكلف بتغسيل الأموات الذكور، وكان من بين المهام التي يقوم بها نقل جثامين الرضع والاطفال الذين توفوا بمختلف المصالح الطبية بالمستشفى إلى المشرحة وذات مساء، أخبرت المصلحة بوفاة رضيع تكفل الفقيه بنقله في قفة أعدت لهذا الغرض ينقلها عبر دراجته العادية وأثناء عودته بدأ يسمع صراخ الرضيع المتوفى ، ورغم لقاءه اليومي بالاموات فقد أصيب بهلع كبير خاصة بعد أن تعالى صراخ الرضيع وماهي إلا لحظات حتى سقط الفقيه مغشى عليه وبجانبه الرضيع الذي دبت الحياة فيه، إذ لم يستيقظ إلا وهو بالمستشفى وهي الذكرى التي ظلت عالقة بذهن جميع الاطقم العاملة بالمصلحة.
أما من بين ما ظل عالقا ايضا بذاكرة الدكتورة ربيعة هو تلك الزيارات المتكررة لعدد من المواطنين للوقوف فعلا على أن امرأة او «تفروخت» كما كان يحلو للامازيغ تسميتها هي من تقوم بعملية التشريح خاصة وأنها كانت تتكلم الأمازيغية بطلاقة، إلا أن الغريب في الاختلاف حول تفسير طريقة إجراء التشريح هو ما أخبر به احدهم أصدقاءه أن طبيبة التشريح لا تجري أية عملية تذكر كل ما في الأمر أنها تدخل الة صغيرة عبر فم الميت وتستنطقه غبر هذه الآلة وذلك بطرح الأسئلة بينما الميت يتكلف بالإجابة والأدلة تسجل ذلك، وهو ما دفع بانتقال الأشخاص من إنزكان إلى اكادير للاستفسار عن ما أكده لهم صديقهم حول تلك الآلة العجيبة.
قصص هي وحكايات تلك التي كانت تنسج من طرف العامة حول عمليات التشريح إلا أنها كانت كلها تصطدم بواقع اخر واقع بعيد كل البعد عن تأسيس لتخصص جديد على المغاربة يتبث الحقيقة على حد تعبير ربيعة ابو المعز.
سنة واحدة بأكادير عاشت خلالها رئيسة مصلحة التشريح الطبي العديد من الحكايات إلا أنها استطاعت أن تعيد الاعتبار لها.
حتى أن العديد من الأطباء الذين رافقوها في هذه الرحلة المهنية كانوا يتفاجئون لهذه المرأة الرائعة أن تكون هي من تستنطق الجثت، فقد كانوا يمنون النفس أن يكون رجلا في ثوب امرأة.
وتلك حكاية أخرى.