امرأة في مواجهة الموت 8 : تشريح الرضع ذكريات أليمة لن تمحى

اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة. فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها٠من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز
خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.

 

 

لقد اختارت ربيعة ابو المعز مهنة لا يقدر على ولوجها وتحمل متاعبها حتى الرجال الأكثر صلابة. إنها مهنة تتطلب الصبر والدقة في كل شيء على حد تعبيرها.
الجسم الأنثوي الصغير والشخصية القوية والقلب الفولاذي، هذه هي ربيعة ابو المعز قبل أن تضيف: ليس لدي وقت للراحة لأن السلطات قد تحتاج إلي في أي وقت لكن مباشرة بعد مغادرتي للمصلحة أحيانا لا ارد على الهاتف مهما كانت أهمية ومسؤولية الشخص المتصل.
فربيعة ذات شخصية قوية ساعتها غير مضبوطة على الزمن المغربي لها هاتف نقال واحد يضم جميع الأرقام الخاصة بالشرطة والدرك والدائرة القضائية والجماعات وسواق سيارات الإسعاف والقنصليات، في الصباح يكون الشاب المساعد لها شعيب قد حضر كل شيء اللوائح، الاظرفة الادارية، الجثامين … كل شيء جاهز لينطلق العمل المسترسل
بفضل صبرها وتفانيها في العمل أصبحت ابو المعز امرأة المهام الصعبة، التي تخوض لعبة الموت والحياة، إذ تكتسي التقارير الطبية، التي تحررها أهمية كبيرة في تبرئة ساحة شخص من تهمة لم يرتكبها، أو في اكتشاف الجاني الحقيقي والمتورطين معه، بواسطة تقديم معلومات علمية دقيقة وتقنية عن أسباب الوفاة.
بداخل مكتبها ببناية مصلحة الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس بالجديدة، تحتفظ ربيعة على سجل ضخم يختزن تجربتها التي بدأت منذ سنوات بالجديدة، بالوثائق والصور.
تطبق حرفيا ما يحبل به الطب الشرعي الحديث بالمغرب وخارجه. حينما تسألها عن سر اختيارها لهذه المهنة المخيفة، تجيبك بدون تردد قائلة: «كانت صدفة فقط لكن وبإصرار ايضا.
فالسنة التي قضتها متدربة بالمصالح ومن بينها مصلحة الطب الشرعي في المستشفى الجامعي، وبعد حضورها لعملية تشريح إحدى الجثث، أثارت العملية فضولها وجعلتها تحب هذا الاختصاص، الذي لقي ما يشبه المعارضة من طرف زوجها وبعض أفراد أسرتها.
لكن ابو المعز التحقت بكلية الطب مرة أخرى لتحصل على دبلوم يحمل تخصص الطب الشرعي سنة 2008، حيث عادت إلى مزاولة عملها في اكادير ثم الجديدة
فكها لألغاز الوفيات الغامضة نابع من شغفها الكبير بتتبع كل صغيرة وكبيرة تخص الملف المحال عليها، ومحاولة فك ألغاز الجرائم المعقدة، وهو ما ولد لديها الرغبة في تعلم تقنيات حل هذه الألغاز، لتصبح اليوم طرفا فاعلا فيها على أرض الواقع.
ربيعة كباقي النساء تتوفر على مشاعر رهيفة وحنان أم فرغم صلابة المهنة التي تتعامل مع الأموات في كثير من الأحيان
فهي تتألم لبشاعة الإصابات التي تلحق الضحايا والتشوهات التي تذهب بملامحهم جراء مختلف الحوادث.
عملها الذي يستمر أحيانا لازيد من عشر ساعات يؤثر على حياتها الخاصة فهي أم لابنين واحد يبلغ اليوم ستة عشر سنة فيما الثاني يقارب الاثنى عشر، إلا أن تفهم زوجها لعملها ومساعدة والدتها لها لكانت حياتها صعبة
فهم اليوم بعد أن تأكدوا من أنها تقدم خدمات جليلة للوطن والمواطنين لا يترددون في مساعدتها على الحفاظ على حيويتها وعزيمتها لمواصلة مزاولة مهنتها النبيلة.
من هنا فإن الزمن عند الدكتورة ابو المعز لا يرتبط بعطلة أو عيد أو مناسبة عائلية فكل شيء يتوقف عندما يأتي نداء الوطن للعودة إلى طاولة المشرحة، إلا أنها قاسية في تعاملها مع الجميع خاصة في عملها فهي مصرة على تطبيق القانون بحذافيره مهما كان الطرف المتصل.


الكاتب :   مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 11/04/2022