انقسام أوروبي كبير حول تدبير ملف الهجرة

 

كانت قضية الهجرة حاضرة بقوة في قمة القادة الأوروبيين، التي اجتمعت في بروكسل هذا الأسبوع، سواء حول تدبير الحدود الشرقية لأوروبا مع بيلاروسيا أو في بحر المانش مع بريطانيا التي لها عدة ملفات معقدة مع بروكسيل منذ البريكسيت، أي منذ مغادرة بريطانيا للمجموعة الأوروبية.
وبهذه المناسبة، دعا مسؤولون في دول مثل بولندا وليتوانيا واليونان إلى إنشاء جدران وعوائق على طول حدود الاتحاد الأوروبي لمواجهة استخدام الهجرة كسلاح.
هناك طلب تمويل جدران بين الاتحاد الأوروبي مع بلدان الجوار في الشرق، ونأت بروكسل بنفسها حتى الآن عن مسألة تمويل إنشاء الجدران الحدودية للدول الأعضاء، وأوضحت أن الإطار القانوني الحالي يسمح لها فقط باستخدام أموال موازنة الاتحاد الأوروبي من أجل أنظمة إدارة الحدود.
وإذا كان موضوع الهجرة طاغيا على أشغال القمة خاصة الأزمة بين فرنسا وبريطانيا حول بحر المانش، فإن النزاع
بين بولندا وباقي بلدان الاتحاد الأوروبي حول استقلالية القضاء وسيادة القانون الأوروبي على القانون الوطني كانت في صلب النقاش. وفي حالة امتناع وارسو عن تطبيق القوانين الأوروبية فهي مهددة بفقدان الدعم الأوروبي وصرف 36 مليار يورو لبولونيا ضمن خطة الإنعاش الأوروبية. وتلقت بولندا دعم المجر في هذه المعركة ضد باقي بلدان الاتحاد.
عدة ملفات ساخنة أخرى كانت حاضرة في قمة القادة الأوربيين سواء الارتفاع المهم لأسعار الطاقة، والبطء الكبير لحملات التلقيح في بعض البلدان الأوروبية، واختارت بلدان الاتحاد تغليب الحوار في مواجهة خلافاتها.
فرنسا في هذه القمة طالبت ب»معاهدة حول قضايا الهجرة» بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وهو مطلب جاء على لسان وزير الداخلية جيرالد دارمانان، الذي طالب بالتفاوض خلال زيارته لضفاف بحر الشمال، وقال «ينبغي التفاوض حول معاهدة بيننا بشأن قضايا الهجرة، لأن السيد (ميشال) بارنييه لم يفعل ذلك عندما تفاوض على بريكست»وتعهد بأن تعمل فرنسا على هذا المشروع عند توليها الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لستة أشهر اعتبارا من يناير.
كما دعا الوزير الفرنسي الحكومة البريطانية إلى «الوفاء بوعدها» بتمويل مكافحة الهجرة غير القانونية على السواحل الفرنسية، ولطالما شكلت قضية عبور المهاجرين مصدر توتر بين البلدين، وتبلورت مؤخرا مع القضايا المالية.
وقال دارمانان «إن الحكومة (البريطانية) لم تسدد لنا بعد ما وعدتنا به» مضيفا «ندعو البريطانيين إلى الوفاء بوعدهم بالتمويل لأننا نحرس الحدود من أجلهم».
وسبق لبريطانيا أن تعهدت في نهاية يوليوز بدفع مبلغ 62,7 مليون يورو في 2021-2022 لتمويل تعزيز انتشار قوى أمنية فرنسية على السواحل، وهددت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل في مطلع سبتمبر بعدم دفع هذا المبلغ، بحسب صحف بريطانية، أمام تدفق قياسي للمهاجرين عبر قناة المانش بشكل غير قانوني.
ومنذ نهاية 2018 تزايدت عمليات عبور المانش باتجاه المملكة المتحدة، على الرغم من التحذيرات المتكررة من السلطات التي تشدد على خطورة هذا النوع من الهجرة بسبب كثافة حركة المرور والتيارات القوية وحرارة المياه المنخفضة، وبحسب السلطات الفرنسية، فقد حاول نحو 15400 مهاجر عبور المانش في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، بينهم 3500 «كانوا يعانون من مصاعب حين أنقذوا» وأعيدوا إلى السواحل الفرنسية.
وعرفت الهجرة زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين غير الشرعيين من فرنسا إلى بريطانيا بالمقارنة مع السنوات السابقة، إذ إن العام 2020 بأسره سجل عبور أو محاولة عبور حوالى 9500 مهاجر مقابل 2300 مهاجر في 2019 و600 في 2018.
بالإضافة إلى الأزمة بين لندن وباريس حول تزايد عدد المرشحين للعبور على قناة المانش، هناك حدود أوروبا الشرقية والاتهامات الموجهة إلى بلاروسيا بسبب تساهلها مع عملية عبور حدودها. ويتهم الاتحاد الأوروبي نظام بيلاروسيا بالسماح لمهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا بعبور أراضيه سيرا إلى دول الاتحاد ردا على العقوبات الأوروبية المفروضة عليه على خلفية قمعه للمعارضة.
ودعا مسؤولون في دول مثل بولندا وليتوانيا واليونان إلى إنشاء جدران وعوائق على طول حدود الاتحاد الأوروبي لمواجهة استخدام الهجرة كسلاح.
ووضعت هذه البلدان طلب تمويل الجدار بين الاتحاد الأوروبي الذي نأت مفوضيته بنفسها،حتى الآن، عن مسألة تمويل إنشاء الجدران الحدودية للدول الأعضاء، وأوضحت أن الإطار القانوني الحالي يسمح لها فقط باستخدام أموال موازنة الاتحاد الأوروبي من أجل أنظمة إدارة الحدود.
وكان وزراء داخلية 12 دولة هي النمسا وبلغاريا وقبرص والدنمارك وإستونيا واليونان والمجر وليتوانيا ولاتفيا وبولندا والجمهورية التشيكية وسلوفاكيا، كتبوا في رسالة إلى المفوضية الأوروبية في 7 أكتوبر لمطالبة الاتحاد الأوروبي بتمويل بناء سياجات.
وجاء في الرسالة «إن حاجزا ماديا يبدو أشبه بإجراء فعال لحماية الحدود، يخدم مصالح مجمل الاتحاد الأوروبي وليس فقط الدول الأعضاء في الخط الأمامي». رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ردت على هذا الطلب بالقول إن الاتحاد الأوروبي لن يمول «أسلاكا شائكة وجدرانا» على حدوده لمنع دخول المهاجرين، وفق ما تطالب به 12 دولة بينها ليتوانيا والنمسا، وحتى القمة الأوروبية الأخيرة ببروكسيل لم تحسم في هذا الأمر.
وباشرت بولندا على غرار ليتوانيا بناء سياج من الأسلاك الشائكة على قسم من حدودها مع بيلاروس. أما المجر، فأقامت حاجزا مماثلا على حدودها مع صربيا وكرواتيا خلال أزمة الهجرة عام 2015. وهو ما قامت به أيضا صربيا مع كرواتيا.
موضوع الهجرة استمر باعتباره موضوعا يثير الانقسام بين بلدان الاتحاد أو بين بلدان الاتحاد وبلدان الجوار، وإذا كان الهدوء هو السائد على الحدود الجنوبية للمتوسط مع المغرب، وليبيا وتركيا على الحدود الشرقية، فإن التوتر هذه المرة تصاعد على الحدود مع بحر المانش بين فرنسا وبريطانيا، وعلى الحدود البولونية البلاروسية حيث طالبت العديد من البلدان بأوروبا الشرقية المنضوية في الاتحاد بتمويل من أجل بناء جدار على حدودها وهو الأمر، الذي بدأت فيه أو أنجزته العديد من البلدان الأوروبية.
وانتهت القمة بدون التوصل إلى اتفاق شامل يرضي جميع الأطراف حول تدبير ملف الهجرة، وتم اعتماد، في بيان القمة، عبارات واسعة ترضي الجميع منها ضرورة الاتفاق مع بلدان الانطلاق، والتوازن بين المسؤولية والتضامن.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 28/10/2021

أخبار مرتبطة

أفادت وزارة النقل واللوجستيك بأن الموانئ المغربية سجلت عبور حوالي 1.9 مليون مسافر و447 ألف سيارة في كلا الاتجاهين برسم

  غادرنا نهاية الأسبوع الشاعر الزجال، النورس الجريح وزجال الهامش المنسي، عبد الكريم الماحي بعد أن أتعبه “تحتحيت السؤال” ولم

  فاز فريق الرجاء الرياضي على مضيفه الحرس الوطني من النيجر بهدفين لواحد، في المباراة التي جمعتهما أول أمس السبت،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *