نظمت أولى رحلات الإجلاء من أوكرانيا لمواطنين من المغرب العربي والشرق الأوسط في اليوم السادس من الهجوم الروسي الذي دفع مئات آلاف الأشخاص على الفرار من هذا البلد.
خاض هؤلاء تجربة هروب مروعة خاصة بعدما أغلقت أوكرانيا مجالها الجوي أمام المدنيين مع انطلاق العملية العسكرية الروسية الخميس، ما اضطرهم إلى الانتقال برا إلى مناطق أكثر أمنا.
الثلاثاء، شرعت تونس في إجلاء رعاياها إذ حطت في مطار تونس قرطاج طائرة عسكرية آتية من رومانيا وفيها 106 طلاب.
في المطار الذي حضر إليه وزير الخارجية عثمان الجرندي، كان أقارب الطلاب الذي بدا عليهم التعب، في استقبالهم.
وأكد الوزير وجود تنسيق تونسي مع سفارتي بولندا ورومانيا “لاتمام إجلاء 480 آخرين تم تسجيل أسمائهم ونتتبع مسارات وصولهم لبولندا ورومانيا بكل دقة”.
ويروي طالب هندسة الحاسوب أيمن بدري (24 عاما) ما حدث إذ يقول “عشنا كابوسا في ذلك المكان… كانت ظروف حرب استثنائية”.
ويتواجد نحو 1700 تونسي في أوكرانيا و80% من بينهم طلاب في جامعات الهندسة والطب.
أما حمدي بوصاع الذي انتقل من جنوب أوكرانيا حيث كان يقيم إلى رومانيا فيصف ما مر به بأنه “مغامرة”.
ويقول طالب الهندسة “كانت العملية صعبة ومغامرة كبيرة … عشنا لحظات قوية ونتواصل مع أصحابنا ونسأل عنهم”.
ويلتحق أكثر من 10 آلاف طالب عربي في جامعات أوكرانيا التي تستقطب هؤلاء بسبب انخفاض تكاليف المعيشة فيها.
فيما يتعلق بالمغرب الذي يعيش نحو 12 ألفا من رعاياه في أوكرانيا، بينهم 8 آلاف طالب جامعي، فستبدأ عمليات الاجلاء اعتبارا من الأربعاء ببرمجة ثلاث رحلات من وارسو وبوخارست وبودابست.
وسيتم إجلاء هؤلاء في مقابل دفع 750 درهما (حوالى 79 دولارا) عن كل شخص لرحلة الوصول إلى الدار البيضاء.
وبالنسبة لمصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، فلديها ستة آلاف من رعاياها في أوكرانيا، أكثر من نصفهم طلاب في خاركيف.
وكانت طائرة تابعة لمصر للطيران في طريقها إلى بودابست بعد ظهر الثلاثاء، “لإعادة طلاب مصريين في رومانيا”، حسبما أعلن المتحدث باسم الحكومة نادر سعد. ولم تبرمج الجزائر وليبيا بعد رحلات إجلاء وتعملان على تسهيل دخول رعاياهما من أوكرانيا للدول المجاورة.
وأعلنت السلطات الجزائرية الأحد مقتل أحد رعاياها ويبلغ من العمر 24 عاما في خاركيف ثاني أكبر مدن أوكرانيا، بحسب بيان لوزارة الخارجية.
وذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية إن أول رحلة عودة تقل مواطنين فارين من أوكرانيا هبطت في طهران آتية من بولندا قرابة الساعة السابعة صباحا (0330 بتوقيت غرينتش).
فلسطينيا، أكدت وزارة الخارجية في رام الله في الضفة الغربية المحتلة أنها تعمل على مساعدة نحو 2600 فلسطيني في أوكرانيا بينهم 600 طالب تقريبا.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد الديك لوكالة فرانس برس إنه تم الأحد إجلاء عشرات الطلاب وتأمين وصولهم إلى رومانيا وبولندا.
وارسل الأردن الثلاثاء طائرتين عسكريتين لإعادة 215 من رعاياه من رومانيا، وفق وزارة الخارجية، في أعقاب الإعلان عن أن 415 أردنيا تمكنوا في الأيام الأخيرة من الفرار.
الثلاثاء أيضا، حطت في مطار بن غوريون قرب تل أبيب أول رحلة طيران عائدة من رومانيا.
ويقول الطالب العربي بدر طويل (23 عاما) الذي كان بين الواصلين إنه نجا من الفوضى.
ويضيف بعدما فر من مدينة خاركيف “استيقظنا فجأة على أصوات من حولنا، القنابل في كل مكان فقررنا المغادرة”.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد قد أعلن الإثنين أن مكتبه ساعد منذ الخميس 4 آلاف إسرائيلي على مغادرة أوكرانيا.
وقال في تصريحات للصحافيين “سنبذل قصارى جهدنا حتى لا يبقى أي إسرائيلي أو أي يهودي هناك”.
ومن بين الواصلين الثلاثاء أيضا طلاب من أبناء الأقلية العربية في إسرائيل الذين يشكلون 20 في المئة من سكان الدولة العبرية البالغ تعدادهم نحو 9,3 ملايين نسمة.
يصف أحد الطلاب الذي يتلقى تعليمه في إحدى الجامعات في مدينة خاركيف وعرف عن نفسه باسم حسين، رحلة الهروب المروعة من منطقة الحرب.
ويقول وهو طالب في سنته الجامعية الأخيرة “لأربعة أيام كنا ننام على السلالم وفي محطات القطار … لقد مررنا بأوقات عصيبة حقا وبدون طعام”.
ويضيف “تركت كل شيء لأجل العودة”.
أما عودة أبو سعيد الذي كان ينتظر ابنه محمد الذي كان بين ركاب الطائرة فيشرح كيف كان خائفا على سلامته.
ويقول الأب “لم أكن متأكدا ما إذا كان سيعود أم لا، لقد كان في أخطر مكان”.
ويضيف “عادوا بمفردهم في الحافلة في رحلة استغرقت 24 ساعة، تخيلت خلالها سيناريوهات عدة مثل أن يتم قصفهم بصاروخ وقتلهم أو أن يتم أسرهم”.
وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية أعلنت الإثنين مقتل إسرائيليا في أوكرانيا بعدما تعرضت القافلة التي انضم إليها خلال محاولته الوصول إلى مولدافيا المجاورة لإطلاق نار.
وأكدت الوزارة تواصل السلطات مع زوجته التي بقيت في أوكرانيا وأطفالهما.
وباشرت القوات الروسية هجومها على أوكرانيا فجر الخميس، بناء على أوامر من الرئيس فلاديمير بوتين، في خطوة رفعت بشكل حاد من منسوب التوتر بين موسكو وأطراف غربية تتقدمها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
وأشارت سلطات أوكرانيا الى مقتل أكثر من 350 مدنيا وإصابة 2040 شخصا منذ بدء الهجوم الخميس، مؤكدة أن قواتها قتلت “آلاف” الجنود الروس، علما بأن موسكو لم تعلن أي حصيلة رسمية.
غضب من الخطاب الإعلامي
ومن جهة ثانية، لم تمر مقارنات إعلاميين وسياسيين بين الشرق الأوسط الذي اعتاد على النزاعات، والحرب في أوكرانيا “المتحضرة”، مرور الكرام عند معل قين عرب وأفغان على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين رأوا فيها مقاربة “عنصرية”، على غرار تعليق مراسل قال إن أوكرانيا “ليست العراق أو أفغانستان”.
كثرت الأمثلة على هذه العنصرية التي تكيل بمكيالين، في المحطات الفرنسية والأميركية والصحف البريطانية، ما دفع الكثير من وسائل الإعلام المعروفة إلى نشر اعتذارات علنية لتهدئة الغضب على مواقع التواصل.
وفي حين لا يختلف العنف والمعاناة بين الحالتين، إلا أن تعامل الإعلام معهما يختلف.
تدفق عشرات آلاف اللاجئين الأوكرانيين إلى الحدود البولندية واستقبلوا برحابة صدر. لكن حينما يقف سوريون وعراقيون وأفغان عند تلك الحدود، يصف الأوروبيون الأمر بأنه “أزمة مهاجرين”.
ويلاحظ المحلل السياسي والأستاذ في الجامعة الأميركية في باريس زياد ماجد، الذي يرح ب بـ”التضامن والإنسانية المذهلين” مع أوكرانيا، “فرقا صادما ” في التعامل، يكشف “تجريدا من الإنسانية للاجئي الشرق الأوسط”.
ويقول “كنا نأمل أن نرى هذا التضامن نفسه مع كل اللاجئين، الضعفاء، الذين يتعرضون للقصف، ويحاولون الفرار لإنقاذ عائلاتهم”.
ويضيف “حينما نسمع تعليقات تتحد ث عن +أشخاص يشبهوننا+، يلمح ذلك إلى أن القادمين من سوريا والعراق وأفغانستان وإفريقيا، ليسوا كذلك”.
وارتكبت وسائل إعلام في الأيام الأخيرة هفوات عدة.
ومن الأمثلة على ذلك، تعليق أدلى به الجمعة شارلي داغاتا الموفد الخاص لقناة “سي بي إس نيوز” الأميركية إلى أوكرانيا، حيث قال في رسالة مباشرة “مع خالص احترامي، فإن هذا ليس مكانا مثل العراق وأفغانستان اللذين عرفا عقودا من الحروب. إنها مدينة متحض رة نسبيا ، أوروبية نسبيا (…) حيث لا ننتظر حصول أمر مماثل”.
وأعرب في اليوم التالي عن اعتذاره وندمه على كلامه. لكن الضرر كان قد حصل.
وكتب مدير برنامج العراق في “أتلاتنيك كاونسيل” في تغريدة “ربما فو ت (شارلي داغاتا) الصف الذي تعل م فيه زملاؤه في الثانوية أن اسم العراق الآخر هو +مهد الحضارات+”.
لم تسلم قناة الجزيرة الإنكليزية من هذه الهفوات أيضا ، فقد أرغمت على الاعتذار الأحد بسبب التصريحات “الخالية من الحساسية” التي أدلى بها مذيع حول اللاجئين الأوكرانيين.
وعلق ذلك المذيع “الثياب التي يلبسونها، تبين أنهم من طبقة وسطى ميسورة، هم حتما ليسوا لاجئين فارين من مناطق تشهد حربا في الشرق الأوسط”.
وأضاف “يشبهون أي عائلة أوروبية، قد تكون تقطن في حيكم”.
وبالنسبة للفلسطينيين، فإن الترحيب بمقاومة الأوكرانيين للمحتل الروسي، له طعم مر .
وكتب سالم براهمة مدير شبكة “رابط” وهي منصة داعمة للفلسطينيين، ساخرا ، “نكتشف كل يوم أن القانون الدولي لا يزال موجودا ، أن اللاجئين مرحب بهم على أساس المكان الذي يأتون منه، وأن مقاومة المحتل لا تزال حقا ، وأن العقوبات تبدو ردا ناجعا على الانتهاكات وليست معاداة للسامية كما قيل لنا”.
ونددت الاثنين جمعية أميركية للصحافيين العرب ومن الشرق الأوسط (AMEJA) بما اعتبرته عدة “أمثلة على تغطية إعلامية عنصرية، تعطي لضحايا بعض الحروب أهمية أكثر من غيرهم”.
وتحدثت في بيان عن “عقلية شائعة في الصحافة الغربية التي تنزع نحو التعامل مع المأساة في بعض مناطق العالم كما الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية، على أنها أمر طبيعي”.
ويثير هذا الاختلاف في التعامل الاستغراب أكثر كون موسكو منخرطة إلى جانب النظام منذ ست سنوات في النزاع السوري الدامي، كما يرى زياد ماجد.
ويضيف أنه قبل الحرب في أوكرانيا، كان الميدان السوري بمثابة “مختبر” للجيش الروسي، “اختبر فيه ترسانته العسكرية واستراتيجياته”.
وعلق الصحافي فيليب كوربيه على قناة “بي أف أم تي في” الفرنسية بالقول “لا نتحدث هنا عن سوريين هاربين من قصف النظام السوري المدعوم من فلاديمير بوتين… بل عن أوروبيين، يهربون بسياراتهم التي تشبه سياراتنا … ويحاولون النجاة بحياتهم”.
وقالت القناة ردا على أسئلة فرانس برس، إن الصحافي صاغ “كلامه بطريقة متهورة، لكنه أخرج عن سياقه على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع للاعتقاد خطأ أنه يدافع عن موقف معاكس للذي أراد إظهاره، وهو لذلك متأسف”. في المقابل، لجأ البعض إلى الفكاهة السوداء في التعامل مع المسألة.
وصف مصريون وعراقيون مثلا أنفسهم على مواقع التواصل بعبارة “غير متحضر”، قائلين “شعر أسود، عيون بنية، وسيارات مختلفة”.
ندد البعض في أفغانستان كذلك باستخدام بعض وسائل الإعلام عبارة اللاجئين الأوروبيين “الشقر وذوي العيون الزرقاء”. وقبل ستة أشهر تقريبا، سادت الفوضى في أفغانستان مع عودة طالبان إلى الحكم وانسحاب الأميركيين، ما دفع الآلاف إلى الهجرة.
وكتبت الأكاديمية الأفغانية موسكا داستاغير على تويتر “إنه المفهوم نفسه يتكرر مرة بعد مرة : الأشخاص المتضررين من نزاعات أخرى هم نصف بشر، من أصول وأعراق أقل قيمة، لكن الأوروبيين هم أشخاص كاملون. ولذا فإن هذه الحرب مهمة”.
وعلق حساب “عديلة” المشهور في العالم العربي، والذي غالبا ما تكون تعليقاته مضحكة وساخرة، بجدية على هذه القضية.
وكتب في منشور على إنستغرام “الإعلام الغربي يد عي انه حامي حقوق الإنسان ومدافع عن الديموقراطية وهو بالحقيقة: جاهل، عنصري، لا يرى أبعد من أنفه”.
يرى زياد ماجد بدوره “يمكن لنا أن نفهم أن الأوكرانيين هم أوروبيون، وأن ذاكرة الحرب في أوروبا تثير الكثير من المشاعر والذكريات”.
لكن الظاهرة تعكس أيضا “كيف أن النقاش العام بات متطرفا نحو اليمين”، كما قال، في وقت أن بعض النخب السياسية في الغرب “لا تتوانى عن قول ما تشاء كما لو أن الخطاب العنصري أصبح بلا قيود”.