تمثل عملية الطرد الجماعية للدبلوماسيين الروس على خلفية تسميم عميل مزدوج سابق على الاراضي البريطانية نصرا دبلوماسيا مهما لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي رغم التوتر مع شركائها في الاتحاد الاوروبي بسبب بريكست.
ووصف وزير الخارجية البريطاني، المناصر الرئيسي لخروج بلاده من الاتحاد الاوروبي، ذلك بأنه “استجابة دولية استثنائية”، بينما قالت ماي ان ذلك يظهر “تضامنا عظيما” مع الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي.
وقالت ماي امام البرلمان “معا بعثنا رسالة بأنا لن نتهاون مع محاولات روسيا المستمرة لانتهاك القانون الدولي وتقويض قيمنا”.
واضافت “بوصفها ديموقراطية اوروبية ذات سيادة، ستقف بريطانيا جنبا الى جنب مع الاتحاد الاوروبي وحلف شملا الاطلسي لمواجهة هذه التهديدات معا”.
وقادت واشنطن عمليات الطرد اذ أمرت بطرد 60 روسيا وصفتهم بأنهم “جواسيس”.
وقامت كل من كندا واوكرانيا و14 من دول الاتحاد الاوروبي بطرد عدد أقل من الدبلوماسيين، بعد ان أهابت بريطانيا بحلفائها الرد على تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا، وطردت 23 دبلوماسيا روسيا.
وفي قمة للاتحاد الاوروبي الاسبوع الماضي، اقنعت ماي دول الاتحاد الاوروبي على الموافقة على تقييمها بأنه من “المرجح جدا” ان تكون موسكو هي المسؤولة عن تسميم سكريبال بغاز أعصاب في مدينة سالزبري في انكلترا.
واتفق قادة الاتحاد الاوروبي في القمة كذلك على استدعاء سفير الاتحاد في موسكو بسبب الهجوم الذي وقع في 4 مارس.
وبعد القمة، صرح رئيس الاتحاد الاوروبي دونالد توسك في مؤتمر صحافي “في هذه الظروف الصعبة أنا شخصيا مسرور بشكل خاص بأنه رغم مفاوضات بريكست الصعبة، فقد أظهر الاتحاد الاوروبي توافقا ووحدة ثابتة مع بريطانيا في وجه هذا الهجوم.
قبل حادث تسميم سكريبال، دعت ماي الشهر الماضي الى التوصل الى اتفاق عاجل مع الاتحاد الاوروبي حول التعاون الامني عقب خروج بلادها من الاتحاد الاوروبي، وذلك في كلمة في مؤتمر الامن الذي عقد في مدينة ميونخ الالمانية.
وقالت “ليس هذا هو الوقت الذي يسمح لنا بالتنافس بين الشركاء، ووضع القيود المؤسساتية الصارمة، او الايدلوجية المترسخة التي تمنع تعاوننا وتعرقل أمن مواطنينا”.
قال جان تيكو المحلل في صندوق مارشال الالماني للولايات المتحدة ومقره برلين، ان الاستجابة التي حدثت الاثنين تبشر باستمرار التعاون حول قضايا الامن والدفاع المشتركة مهما كانت حال مفاوضات بريكست.
واضاف “منذ التصويت على بريكست، أوضحت بريطانيا والاتحاد الاوروبي مرارا أن الامن سيظل يعتبر قضية مشتركة وأن الجانبين سيعملان بالتنسيق والتعاون الوثيق بينهما”.
ويرى اناند مينون استاذ السياسة الاوروبية في جامعة كينغز كوليدج في لندن، ان رد الفعل لم يعتمد على بريكست.
وقال “سواء كان هناك بريكست ام لا، فقد استخدمت روسيا العدوان على أرض إحدى الدول الاعضاء، وأصدرت الدول الاعضاء رد فعلها”.
واضاف “لا أعتقد ان الامر يتعلق ببريكست .. هذه مسألة جيوسياسية”.
ورأى مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي ان هذا الرد هو دليل على أن قوة بريطانيا في السياسة الخارجية لن تتأثر.
وقال المدون السياسي غيدو فوكس ان طرد الدبلوماسيين “من بين أكبر انتصارات حكومة ماي .. وتسخر من الادعاءات بأن بريطانيا ستصبح معزولة دوليا اذا صوتت بالخروج من الاتحاد الاوروبي»…
اليوم الاول في البريكسيت
في 29 مارس 2019 عند الحادية عشرة ليلا بتوقيت غرينتش، خرجت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في ما كان يمكن أن يمثل قفزة في المجهول لولا الاتفاق الانتقالي الذي حصلت عليه لندن والذي سيخفف هذه الصدمة.
بدأت رئيسة الحكومة تيريزا ماي اجراءات الانفصال مع الاتحاد الأوروبي قبل سنة في نهاية مارس 2017، ولكنها سرعان ما أدركت استحالة التوصل على اتفاق حول العلاقة المقبلة مع شركائها السابقين في خلال سنتين فطلبت الحصول على هذه المرحلة الانتقالية أملا في كسب الوقت وبعض الوضوح القانوني لصالح الشركات البريطانية.
واكد البروفسور في السياسة الأوروبية في جامعة كنغز كولدج في لندن أناند مينون لفرانس برس “لسنا بحاجة لأن نكون مستعدين (السنة المقبلة) فلدينا الآن المرحلة الانتقالية.
وقالت استاذة القانون الأوروبي في جامعة كامبريدج كاثرين برنار “لقد تم تاجيل القطيعة والمسألة تكمن الآن في معرفة هل سيكون الطرفان مستعدين في 31 ديسمبر 2020 في نهاية المرحلة الانتقالية”.
وخلال تلك الفترة لن تشارك لندن في اتخاذ القرارات داخل الاتحاد الأوروبي لكنها ستواصل الاستفادة من السوق الموحدة مقابل المساهمة في الميزانية الأوروبية وسيتمتع المواطنون الأوروبيون بحرية الحركة، وهو مطلب أصرت عليه بروكسل وامتثلت له ماي.
ولكن أمام عدم وضوح خطوط الاتفاق النهائي، اذا تم التوصل اليه، بدأت الشركات الأوروبية باتخاذ اجراءات احتياطية.
وتفيد دراسة حديثة اجرتها شركة بنسنت ميسونز للاستشارات القانونية ان 51% من الشركات الكبرى العاملة في المملكة المتحدة تبنت خطط طوارئ وتعتزم نقل موظفين إلى أوروبا. وتلك التي لم تفعل تفكر في أن تفعل قبل نهاية السنة.
أما وزارة المالية فخصصت مليارات الجنيهات استعدادا لبريكست.
ولن يتم الانتقال الا اذا اتفقت لندن والدول السبع والعشرين على شروط الانفصال بحلول اكتوبر أو وقعت معاهدة الانسحاب. ويفترض ان يتم الاعلان في اكتوبر عن شكل العلاقة المقبلة بين الجانبين.
ولكن المسؤولين الاوروبيين يؤكدون انه “لن ي تفق على شيء اذا لم ي تفق على كل شيء”.
وترغب بريطانيا في الخروج من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي مع الحفاظ على علاقات وثيقة بأكبر قدر ممكن مع الاتحاد الأوروبي. وهي معادلة قالت بروكسل حتى وقت قريب انها مستحيلة.
وقالت ماغدالينا فرنهوف لارسن المحاضرة في جامعة وستمنستر انه “رغم ان الطرفين يريدان تقليل الآثار السلبية على الاقتصاد، أبلغ الاتحاد الأوروبي بريطانيا بوضوح انها لن تحصل على شروط أفضل من تلك التي تحصل عليها في حال بقيت داخل الاتحاد”.
ولا يزال على الجانبين أن يحلا مسألة خلافية مهمة تتمثل في الحدود بين إيرلندا الشمالية داخل المملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا التي ستصبح الحدود البرية الوحيدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من تحفظاتهم، وافق البريطانيون على ان يسحبوا من مسودة الاتفاق خيار إقامة “فضاء تنظيمي مشترك” بين الاتحاد الأوروبي وإيرلندا الشمالية أقله حتى طرح مقترح يرضي الطرفين على الطاولة. وهو خيار عارضه الحزب الوحدوي في إيرلندا الشمالية.
وعلى الرغم من عدم اتضاح الى اين تسير الأمور وآثار بريكست السلبية على الاقتصاد، لا يبدو الناخبون البريطانيون نادمين بغالبيتهم على خيارهم.
“أيد كثيرون بريكست لأسباب سياسية أكثر منها اقتصادية”، قالت ماغدلالينا لارسن مشيرة بشكل خاص الى رغبة البريطانيين في استعادة السيطرة على القوانين ووقف الهجرة الأوروبية.
واضافت ان الأرقام الأخيرة تشير الى “تراجع واضح في حركة الهجرة القادمة من دول الاتحاد الأوروبي (…) اذا استمر التراجع فهذا يعني أن بريكست حقق مبتغاه”.
جوازات سفر ما بعد الاتحاد الأوروبي في فرنسا
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “دي لا رو” البريطانية لصناعة جوازات السفر، اليوم الخميس، أن بريطانيا تعتزم طبع أول جواز سفر أزرق خاص بها بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي في فرنسا العضو بالتكتل، في “خطوة تعد رمزا مهما للاستقلال للكثير ممن أيدوا الانفصال”. وقال الرئيس التنفيذي للشركة مارتن ساذرلاند لهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (بي.بي.سي) “سيكون علي مواجهة العاملين بالشركة والنظر في أعينهم ثم محاولة تفسير سبب اعتقاد الحكومة البريطانية أن شراء جوازات سفر فرنسية وليست بريطانية هو قرار منطقي”. وقالت وزارة الداخلية إنها أجرت منافسة عادلة ومفتوحة للتأكد من أن النتيجة النهائية هي منتج مؤمن وذو جودة عالية يقدم أفضل قيمة مقابل أموال العملاء. وقالت متحدثة باسم الوزارة “لسنا ملتزمين بصنع جوازات السفر في المملكة المتحدة… يصنع جزء من كتيب جواز السفر حاليا في الخارج ولا توجد أسباب أمنية أو تشغيلية تمنع استمرار ذلك”. وكان بعض مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي دعوا خلال الحملات التي سبقت الاستفتاء على الانفصال للعودة لاستخدام جوازات السفر الزرقاء التي كانت تصدر من عام 1920 حتى عام 1988. وانضمت بريطانيا للاتحاد الأوروبي في 1973. وتطبع شركة دي لا رو البريطانية في شمال انجلترا جواز السفر الحالي ذو اللون الأحمر الداكن.