بسبب المضاربات العقارية : الحي اللاتيني في باريس يفقد المكتبات التاريخية

 

الحي اللاتيني بباريس كان ولا يزال فضاء للقاء الثقافي بامتياز يزوره المثقفون والطلبة.الطلبة المغاربة والمثقفون أيضا، لهم تاريخ طويل مع هذ الحي الساحر الذي ارتبط بالمعرفة والثقافة حتى قبل استقلال المغرب، والذي كان يضم مقر الطلبة المسلمين من شمال إفريقيا، وهو المقر الذي ينتظر أن يصبح مركزا ثقافيا مغربيا بالحي اللاتيني.هذا الحي الذي شهد أيضا النواة الأولى للجيل الذي ناضل من أجل استقلال المغرب .
بالإضافة إلى جانبه السياحي، هو مكان لثقافة والمعرفة وعرف باستقبال الطلبة الأجانب، حيث يضم أعرق وأقدم جامعة فرنسية وهي السوربون، والتي أتيحت لي فرصة دراسة العربية والترجمة في أقسامها. لا يمكننا أن ننسى الكوليج دو فرانس أيضا. هذا الحي الذي احتضن الثقافة والفن والمكتبات التاريخية، التي بدأت تزحف عليها المضاربات العقارية. مكتبات هذا الحي، تضم أقساما خاصة بالكتب حول المغرب أو العالم العربي. يمكنك أن تشتري النسخة الجديدة، وإذا كانت إمكانياتك محدودة، يمكنك شراء النسخة القديمة وهي أرخص وفي متناول الطلبة أو القادمين من الضفة الأخرى.هذا الفضاء هو مكان للقاء مع المثقفين المغاربة والعرب الذين يزورون باريس. وسبق لي اللقاء مع العديد منهم بالصدفة في هذا الحي، كما رافقت بعضهم الى المكتبات المتعددة التي يضمها هذا الحي.
هذا الحي الذي يعتبر قلب المعرفة في العاصمة الفرنسية منذ العصور الوسطى، يظهر الإغلاق الوشيك لأربع مكتبات تابعة لمجموعة «جيبير» وهي واحدة من أقدم بائعي الكتب في البلاد، الصعوبات التي يواجهها القطاع جراء ارتفاع أسعار العقارات وقوة المضاربات العقارية التي اجتاحت العاصمة باريس، والتي قاومتها العاصمة لمدة طويلة بفعل دور مدينة باريس والدولة اللتين تمتلكان عقارات كثيرة. هذا الاغلاق هو الحدث الذي شغل الصحافة الفرنسية والدولية في الأيام الأخيرة.
«على الضفة اليسرى لنهر السين، يحتضن هذا الحي الذي أسست فيه جامعة السوربون في القرن الثالث عشر، عشرات المكتبات، من أصغرها المتخصصة في القانون أو الأدب الكندي أو التي تبيع كتبا بأسعار منخفضة، إلى أكبرها على غرار متجر جيبير-جوزيف المؤلف من ست طبقات في جادة سان ميشال.»
لكن اليوم، ومع وجود عدد كبير من المتاجر التي افتتحت على طول هذا الشارع الذي يربط ضفتي نهر السين بالسوربون، أصبح «مركز الجذب» الذي يثير لعاب المستثمرين في الساحة وفي كل أنواع متاجر الاستهلاك.»
«وبسبب ارتفاع الإيجارات، اضطرت هذه المكتبة التي أسست في القرن التاسع عشر في الشارع نفسه، إلى نقل متجرها الرئيسي إلى أماكن أكثر تواضعا الربيع الماضي.»
«ركزت المكتبات في هذا الشارع على بيع الكتب المدرسية والجامعية، لكنها واجهت منافسة من المواقع الإلكترونية المتخصصة في بيع الكتب ومن «أمازون»، مما أدى إلى انخفاض عددها بنسبة 43 في المئة خلال 20 عاما، وفقا للأرقام التي حصلت عليها وكالة فرانس برس من جمعية «ابور» غير الربحية عن الدائرتين الخامسة والسادسة.»
«ما زال الحي اللاتيني، مركز الانتفاضة الطلابية في مايو 1968، موقعا جامعيا رئيسيا في العاصمة، لكن أقل من 10 آلاف طالب يقيمون هناك حاليا، وفق المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات الاقتصادية.»
«بوتيرة بطيئة، تحول وسط باريس «المرموق» والأقل كثافة سكانية، إلى السياحة، فيما انتقلت الكليات الباريسية إلى الضواحي، كما أوضح فرنسوا مورت الأخصائي في التنمية الحضرية في المحترف الباريسي للتخطيط الحضري (أبور).»
والمكتبات التالية التي سترحل عن الحي اللاتيني تاريخية. وتخطط مجموعة «جيبير» الرائدة التي أسست في المكان قبل 135 عاما، لإغلاق أربعة من متاجرها «جيبير-جون» الستة في نهاية مارس في ساحة سان ميشال السياحية التي يفصلها نهر السين عن كاتدرائية نوتردام.»
في العام 2020، أفرغ الوباء الساحة الشهيرة من السياح، ثم باع برونو جيبير الرئيس السابق للمجموعة، المبنى الذي يضم أكبر مكتبة فيها.»
وبغية الحفاظ على «التجارة الثقافية» و»وقف تدهورها»، اقترحت سلطات المدينة إيجارات أقل بقليل من أسعار السوق وإعادة تموضع مع التركيز على نموذج ناجح. وهو قرار تسعى من خلاله السلطات البلدية انقاد التجارة الثقافية بباريس وكذلك انقاد المكتبات المتبقية.
وستحتفظ مجموعة «جيبير» بمتجرها المؤلف من ستة طوابق بجوار السوربون، لكنها تستبعد أي افتتاح جديد في الحي اللاتيني.وهذه المكتبات التي توجد بالحي اللاتيني والتي كونت أجيالا متعددة من الطلبة الفرنسيين والأجانب أصبحت اليوم مهددة بارتفاع الإيجارات والمضاربات العقارية التي تشهدها باريس.
في هذا السياق، دعت العديد من الجمعيات بباريس إلى إنقاذ هذه الذاكرة الثقافية وهذا الحي الثقافي من زحف المضاربين الذي يهددون هذه الذاكرة الجماعية والثقافية التي يتقاسمها الفرنسيون مع العديد من الطلبة الأجانب من مغاربة وعرب وأمريكيين وآسيويين طبع هذا الحي حياتهم الجامعية والثقافية.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي / (وكالات)

  

بتاريخ : 22/03/2021