تعتبر مدينة مكناس من بين أهم المدن التي نالت نصيبا وافرا من المعالم التاريخية، التي تعتبر شاهدة على تاريخها وعراقتها، وتشكّل قبلة للزوار والسياح من داخل وخارج الوطن، إلا أنها أضحت تعاني بشكل صار يفقدها في وقت من الأوقات قيمتها وجماليتها، مما تطلّب معه الأمر التدخل لإعادة الرونق إليها مع الحفاظ على هويتها وخصوصياتها التي تميزها.
تدخلات، جعلت هذه المعالم تتحول في السنوات الأخيرة إلى أوراش للإصلاح والترميم، وفي الوقت الذي تفاءلت فيه الساكنة المكناسية وكل المهتمين بها والغيورين عليها، بانطلاقة الأشغال لرد الاعتبار إليها، خفت وهج هذا التفاؤل مع تعاقب الأيام والأسابيع ثم الشهور فالسنوات، بشكل جعل تلك الأشغال التي طال أمدها، تتحول إلى مصدر لمعاناة يومية بسبب بطء وتيرة الأشغال وتأثيرها سلبا على توافد السياح.
وأدت هذه الأشغال إلى إغلاق أبواب أغلب هذه المآثر في وجه زوارها، منذ أزيد من 3 سنوات، فضلا عن تسببها في عرقلة حركة السير والمرور بالفضاءات المحيطة بها، كما هو الحال بالنسبة لباب المنصور، الذي يعتبر أشهر أبواب المدينة، الذي ظل محاطا بواقٍ طُبع عليه مجسم الباب، أفقد المعلمة التاريخية جمالها، وغطى على كل تفاصيل معمارها المغربي. كما أن أشغال الترميم طرحت مجموعة من التساؤلات العديدة، أهمها مسألة الحفاظ على التفاصيل المعمارية الأصلية لكل معلمة، إذ بعدما تم الانتهاء من ترميم «باب البرادعيين» نموذجا، لاحظ السكان أنه قد تمت إضافة بعض الأقواس التي لم تكن متواجدة من قبل؟
وضعية لا تقف عند حدود باب المنصور فقط، إذ من بين المشاريع المتعثرة نجد أيضا «صهريج السواني»، الذي يعتبر بمثابة متنفس للسكان، ومعلمة فريدة من نوعها تنسي الساكنة حرارة صيف المدينة، لكنه وبكل أسف تحول الآن إلى مساحة قاحلة، بعد أن تم تجفيف مياهه بدواعي الترميم، الذي توقف فيما بعد.
وفي سياق متصل، تعتبر ساحة الهديم القلب النابض للمدينة القديمة، لكن برنامج الترميم أفقدها ديناميكيتها وحركتها المعتادة ليلا ونهارا، إذ ضاقت مساحتها من كثرة الحواجز المعدنية المحيطة بالورش، مما أدى إلى اختفاء الحياة منها وغياب الأنشطة الترفيهية التي كانت تقام في رحابها كل مساء، وتحولت إلى ممر ضيق يعج بالباعة المتجولين، في منظر يسيء لتاريخ الساحة ويزيد من متاعب المارة من كثرة الازدحام.
وضعية تجعل القائمين على هذه الأوراش والمشرفين عليها وعمود المتدخلين، مطالبين باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بتسريع الأشغال وبالحرص على الحفاظ على هويّة كل المعالم التاريخية المكناسية، وتسطير مشاريع تنموية كبرى تنهض باقتصادها وتساهم في ترويجها السياحي، والقيام بتدخلات تعيد للمدينة بعضا من وهجها الذي صار مفتقدا، كإصلاح الطرقات والإنارة العمومية، وتحسين خدمات النقل الحضري المتردية، وإنشاء محطة طرقية جديدة عوض الحالية، ومحطة قطار من الجيل الجديد، وإحداث حدائق عمومية، ومساحات خضراء، وملاعب مجانية للقرب، وفضاءات لممارسة الرياضة، ومركب رياضي كبير، وتحقيق التنمية في عموم تراب العاصمة الإسماعيلية، بتوفير فرص الشغل للشباب ومواجهة البطالة، ووقف نزيف الهجرة منها صوب مدن أخرى بحثا عن العمل.
صحفية متدربة