يعيش عدد كبير من الموظفين ومعم أفراد أسرهم معاناة كبيرة من أجل الولوج إلى الخدمات الصحية المختلفة، خاصة الذين يصابون بأمراض مزمنة ومكلّفة تتطلب القيام بمجموعة من الفحوصات الثقيلة ماديا، كما هو الحال بالنسبة لتلك التي تعتبر ضرورة لتشخيص أمراض السرطانات ولمتابعة الوضع الصحي للمريض، قصد معرفة مراحل تطور المرض والعلاج على حد سواء.
وضعية ترخي بوقعها الثقيل على عدد مهم من المواطنين، الذين يتوفرون على تغطية صحية على مستوى الصندوق الوطني لضمان الاجتماعي، ونفس الأمر بالنسبة للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، فكثير منهم بعد إصابتهم بعارض صحي اضطروا لولوج مسار الفحص والتشخيص من أجل العلاج، وخلال هذه المسيرة أجروا فحوصات بالصدى، وبالتصوير المقطعي المحوسب «السكانير»، وبالرنين المغناطيسي، إلى جانب القيام بمجموعة مهمة من فحوصات الدم «التحاليل»، ليجدوا أنفسهم في مرحلة ما مطالبين بإجراء فحص بالتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني المعروف بـ «البيتسكان»، وخلال كل هذه الخطوات وجدوا أنفسهم أمام واقع يفرض عليهم ضرورة تسديد المقابل المادي لهذه الخدمات بشكل قبلي، ثم الانتقال إلى مرحلة ملء أوراق العلاج وانتظار مدة من الزمن لاسترجاع البعض من المصاريف العلاجية التي سددوها؟
رحلة تشخيص بصعوبات على أكثر من مستوى، لا يستطيع الجميع تحمل كلفتها الثقيلة، خاصة المادية منها، تجعل الكثيرين يطرحون علامات استفهام متعددة حول أسباب استمرار هذا الوضع، وعن المانع الذي يحول دون أن تقوم الصناديق الاجتماعية المعنية بخطوة إجرائية تجعل هذه الفحوصات ضمن قائمة الخدمات الصحية التي يتم تحمّلها بشكل مباشر مع مصالح المستشفيات والمصحات والمختبرات وكل مقدمي العلاجات المختلفة، متى كانت هناك ضرورة صحية لها، حتى لا يجد المريض نفسه بعد أن سدّد مصاريف مختلفة مطالبا في لحظة ما بأداء ثمانية أو تسعة آلاف درهم دفعة واحدة مرة أخرى، من أجل فحص واحد، دون احتساب باقي المصاريف الأخرى الموازية!
وضعية، جعلت الكثير من المرضى يؤجلون خطوة مهمة في مسار العلاج والوقاية قبل ذلك، ويتعلق الأمر بمرحلة التشخيص، وذلك بسبب العوز المادي، ونظرا لكلفة العيش التي باتت مرتفعة بفعل غلاء الأسعار وتدني الأجور، وهو ما يعني التعرض لمضاعفات صحية كان من الممكن تفاديها لو أن عملية الولوج إلى الخدمات الصحية كانت سلسة وتمت أنسنتها، عوض أن يجد المريض نفسه في أي مكان توقف فيه بحثا عن «الصحة» مطالبا بإخراج المال، الذي هو العملة التي تمكّنه من الاستمرار في مسار الفحص والتشخيص ثم الانتقال إلى العلاج، وفي حال ما إذا تعذر عليه ذلك لسبب من الأسباب، فإن هذه المسيرة ستكون محكومة بالتوقف الاضطراري، مع تحمله لوحده كافة التبعات التي قد تترتب عن ذلك؟