أعلن مؤخرا عن إحداث محطتين طرقيتين الأولى بمنطقة سيدي البرنوصي والثانية بمنطقة الحي الحسني، بهدف تخفيف الضغط على مستوى السير والجولان عن وسط مدينة الدارالبيضاء. المحطتان، وحسب المعطيات المدونة على الورق، تتطلبان وعاءين عقاريين بسعة 8 هكتارات، وستستجيبان للمعايير الحديثة المعمول بها في هذا المجال دوليا ، إذ ستضم مرافق مختلفة منها مطاعم ومقاه وقاعتين للإسعاف ومحلات تسوق ومواقف للسيارات وغيرها، ومن المنتظر أن تستقبل المحطتان الجديدتان أزيد من 25000 مسافر في اليوم .
المشروعان إلى حدود الآن مازالا حبرا على ورق. فميدانيا ما زال العقار الذي سيحتضنهما غير متوفر ، ولاتزال هناك إجراءات عديدة وجب القيام بها لبلوغ 2028 الأجل الذي تم تحديده لتكون المحطتان جاهزتين .
مجلس مدينة الدارالبيضاء هو صاحب المشروع إلى جانب أطراف أخرى، منها مجلس جهة الدارالبيضاء سطات ووزارة التجهيز ووزارة الداخلية، لكن إلى حدود الآن مازال المدبرون للشأن المحلي البيضاوي لم يفصحوا صراحة عن مآل محطة أولاد زيان هل ستقبر بالمرة أم سيتم إعادة تأهيلها؟ فخرجات المسؤولين بشأنها متضاربة ، إذ هناك من يصرح بأنها ستباع وهناك من يصرح بأنه سيتم إعادة تأهيلها.
القائلون بالتصريح الأول يرتكزون على مبرر أنها ملوثة وخلقت متاعب بيئية عديدة في المدينة ، وأنها تسببت في أضرار صحية للقاطنين بالجوار منها مستدلين على ذلك بإحصائيات مرض السل المنتشر بقوة هناك، كما يعللون الامر بأن المحطة تتسبب في فوضى كبيرة وبأن أصحاب الحافلات لايحترمون القوانين المعمول بها ويعمدون إلى حمل الركاب من خارجها، وهو ما يتسبب في مخاطر عديدة لعل أبرزها عرقلة حركة السير والجولان دون الحديث عن تعريض حياة المسافرين للمخاطر وعن التهرب من أداء واجب التوقف داخل المحطة.
أما المنادون بإعادة تأهيلها فيرون أن المحطة يجب أن تظل في مكانها، لأن موضعها قريب لمعظم ساكنة المدينة وهي قريبة من المراكز التجارية التي يقصدها معظم المسافرين من مدن أخرى ، وبأن عملية تأهيل ذكية من شأنها أن تصحح الفوضى التي تعيش على إيقاعها …
في الحقيقة إن عملية إعادة تأهيل هذا المرفق الحيوي، كانت مطروحة منذ الولاية التي كان محمد ساجد رئيسا لمجلس المدينة، إذ تم وضع مخطط لإحداث نفق تحت أرضي بطول 500 متر يصل مساره إلى طريق أولاد زيان مباشرة، يكون هو المخرج الرئيسي للحافلات المنطلقة من المحطة، وكان هدف هذا المخطط هو محاربة التلوث الذي تحدثه الحافلات كما أنه سيحد من الفوضى المنتشرة خارج المحطة ، لكن هذا المخطط ظل قيد الرفوف ولم ير النور، ولم يتحدث أي مسؤول اليوم عنه أو عن أثره، إلى جانب انعدام أي رؤية عن مستقبل المحطة.
وقد بدأت تطفو على السطح، منذ الإعلان عن إنشاء محطتين جديدتين، أصوات تجد نفسها متضررة إن تم إقبار المحطة بشكل نهائي ، في مقدمة هذه الأصوات التجار أصحاب المحلات داخل المحطة. فمعلوم أن هناك 73 محلا تجاريا يؤثثون فضاء هذا المرفق ، ويعتبرون أنفسهم يعيشون بطالة مقنعة في ظل الفوضى التدبيرية للمحطة لأن الزبائن لا يلجون المحطة بحكم أن الحافلات تضعهم خارجا أمام غياب مراقبة صارمة ، كما انتشرت محلات تجارية بجانبها أضحت منافسا حقيقيا لهم ، وهم يتساءلون اليوم أمام هذا المستجد عن مصيرهم وهل سيكون لهم موطئ قدم في المحطتين الجديدتين إذا ما تم حذف محطتهم بالمرة.
من الأصوات التي تعالت أيضا تلك القادمة من ممثلي تجار الأسواق التجارية المتفرقين على قيسارية الحفاري وغيرها من القيساريات وسوق التوابل والأواني وما إلى ذلك، إذ يرون بأن تجارتهم ستتضرر بغياب المحطة التي تأتيهم بالزبائن من كل ربوع المملكة ، ومن شأن حذفها واعتماد محطات أخرى في مداخل المدينة أن يخلق متاعب لزبنائهم من خارج الدارالبيضاء، ذلك أن عملية تنقلهم ونقل سلعهم ستصبح مكلفة ما سيجعلهم كتجار من مدن أخرى يسعون للبحث عن أسواق أخرى. وتساءلت هذه الأصوات إن كان المدبرون قد وضعوا مستقبل التجارة في هذا المحور المهم في المغرب بعين الاعتبار أم لا ، مذكرين بأن تصميم خط الطراموي كان مدروسا لأنه قرب المسافة بين المتبضعين وهذا المحور التجاري، في الوقت الذي لم يفصح المسؤولون عن نيتهم الحقيقية إزاء المحطة الطرقية أولاد زيان، وهم المدبرون الذين يعلمون أكثر من غيرهم بأن تجار درب عمر أخذوا في التنقل إلى منطقة لاجيروند بالتحديد لقربها من هذه المحطة، منذ أن بدأ الحديث عن تنقيل هذا السوق من موقعه الحالي.
ومن بين الأصوات التي بدأت تدلو بدلوها حين برز هذا المستجد، هي أصوات الساكنة المحيطة بالمحطة، إذ منهم من يرى بأن حذفها أضحى ضرورة فهي مصدر للتلوث وملاذ للمتشردين وعائق مروري وملاذ للمهاجرين الأفارقة، أي بالنسبة لهم تعد المحطة مصدر إزعاج حقيقي..
التباين في مواقف المدبرين يزيد من تعقيد الأمور ويجعلها أكثر لبسا، ولايعطي أي إجابة شافية للأصوات المعنية بهذه المحطة وبمستقبلها، لكن هناك حقائق لابد من الوقوف عليها في هذا الموضوع لتبديد التباين الحاصل في ألسنة المسيرين للشأن المحلي البيضاوي. فبعد الجرد الذي قامت به الجماعة لممتلكاتها اتضح بما لايدعو مجالا للشك بأن المحطة الطرقية لا تدخل ضمن الممتلكات الخاصة للجماعة، وهنا يأتي سؤال الحكامة وتتناسل الأسئلة: فماهو السند القانوني الذي اعتمدته الجماعة طيلة 23 سنة أي منذ إحداث المحطة، لاستخلاص الإتاوات ممن يرتفقون في هذا المرفق كأصحاب الحافلات خصوصا ويليهم المستفيدون من محلاته التجارية؟
بالنسبة للتجار أكدوا في أكثر مناسبة بان الجماعة لا تتوفر على أي مقرر جماعي يسمح لها باستخلاص مستحقات الكراء من التجار، ومع ذلك كانت الجماعة قد فوتت هذه المحطة لإحدى الشركات الخاصة لتدبرها بمبلغ 350 مليون في السنة، وكانت هذه الشركة تستخلص الأكرية من التجار ومقابل توقف الحافلات، كما أضافت محلات أخرى بالإضافة إلى محطة للوقود، عندما خرجت هذه الشركة فوتت الجماعة لإحدى شركات التنمية إدارة المحطة، لكن بعد مواجهة مع المرتفقين الذين كانوا يطالبون بالمقرر الجبائي انسحبت الشركة وعادت الجماعة إلى التدبير المباشر، لتواجه نفس المشكل أي عصيان أصحاب المحلات عن الأداء ما لم تكن ضمانة قانونية أو أي مقرر جبائي فوق الطاولة، القابض البلدي بدوره، وبحسب المعطيات المتوفرة لدينا، كان يرفض أي مدخول ما لم تتوفر وثيقة رسمية قانونية يستند عليها ، بمعنى آخر أننا اليوم بصدد مرفق تنفق عليه الجماعة أموالا طائلة لكن دون أي مردود مالي، وهنا نعود لموضوع الحكامة فالجماعة لم تعمل على التسوية القانونية للمحطة، التي تدخل ضمن أرض هي بمثابة هبة كانت وهبتها سيدة إلى البلدية في سنوات سابقة، كي تشيد عليها مقبرة ومنتجعا إيكولوجيا، لكن الجماعة لم تلتزم بشروط هذه الهبة ولم تعمل على تصحيح ماتم اقترافه من أخطاء.