بعد أن غيبتها جائحة كورونا لموسمين.. العيون.. طقوس مميزة تطبع يوميات رمضان بخصائص استثنائية

في ظل تحسن الوضع الوبائي، وعلى عكس السنتين الأخيرتين، وبعد التخفيف من عدد من التدابير الاحترازية، باتت المساجد قبلة لإقامة صلاة التراويح المميزة لشهر رمضان الفضيل. وضع جديد تعيش على إيقاعه ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة، شأنها في ذلك شأن عموم سكان المغرب.
هكذا يلاحظ، كل يوم، توافد أعداد كبيرة من مواطني ومواطنات مدينة العيون على مختلف المساجد، في كل أوقات الصلاة لأداء شعائرهم الدينية في جو روحاني مفعم بالذكر وتلاوة القرآن، علما بأن المدينة باتت تضم ما يقارب 60 مسجدا، كلها حديثة البناء، بعد أن كان بها مكان وحيد للعبادة شيدته السلطات الاستعمارية الاسبانية في شكل كنيسة قبل أن يتم تغيير تصميمه المعماري إلى الطابع المغربي الأصيل.
وإلى جانب الصلاة والتعبد يحرص المواطنون على حضور الدروس الدينية الهادفة إلى تفقيه الناس في أمور دينهم ودعوتهم إلى التآخي والتآزر والتسامح، بعيدا عن التعصب والغلو والتطرف.
وعلى مستوى الاستعدادات المادية تبقى جد عادية بالنسبة للأغلبية الساحقة من ساكنة الأقاليم الصحراوية، حيث مازالت تحافظ على ثقافتها وتقاليدها ونمط عيشها في هذا الشهر، وبالمقابل نجد أسرا أخرى أصبحت، بحكم التمدن والتحديث الاجتماعي، الذي عرفه «المجتمع الحساني» تساير هذا التطور في تقديم وجبة الفطور والسحور بشكل لا يختلف عن باقي المناطق الشمالية من المملكة. وقد تزامن الشهر الفضيل لهذه السنة مع ارتفاع كبير لأسعار المواد الاستهلاكية، المتوفرة في مختلف الأسواق. كما تتميز هذه الليالي بأجواء معتدلة في النهار وباردة في الليل، مما يتعذر معه توجه الأسر إلى منتجع فم الواد الواقع على ضفة المحيط الأطلسي غرب العيون بحوالي 25 كلم.
ومن بين العادات المنتشرة بهذه الربوع، خاصة بعد صلاة العصر، تواجد بعض الرجال هنا وهناك في شكل حلقات جالسين القرفصاء، أو مفترشين الحصير لمزاولة لعبة «الضومينو الاسبانية»، في انتظار موعد الإفطار، ليتم تعيين عشاء التناوب بمنزل أحد أفراد هذه الجماعة أو تلك، بالإضافة إلى لعبة (ضامة)، وهي عبارة عن رقعة من الرمال لا تتعدى مساحتها 50 سنتمترا تتواجد بها 80 حفرة صغيرة، حيث يلعب متباريان بنوعين مختلفين من البيادق وتحيط بهما مجموعة من المتفرجين ومقدمي النصائح، مع ما يرافق ذلك من تعليقات ساخرة يحاول بها كل طرف إثارة أعصاب الطرف الآخر في جو يسوده المرح والفرجة. وفي نفس الوقت تنهمك النسوة في إعداد وجبة الفطور المتكونة من حساء دقيق الشعير العادي أو المكٌلي والتمر ولبن النوق والشاي ومن سنام وكبد الإبل المشوي في الفرن أو على الفحم أو مطبوخا في الماء من دون توابل.
ومن بين أهم الألعاب المنتشرة الخاصة بالنساء «لعبة السيك» الذهنية، حيث تتطوع إحدى السيدات قبل البدء في هذه اللعبة، بالتحضير لإعداد مشروب الشاي بطقوسه وبجيماته الثلاثة: أجمر، أجماعة، والجر، بمعنى الجمر المشتعل، والحوار والمناقشة في مواضيع مفيدة ومسلية طيلة مدة إعداد الشاي والتي تصل في بعض الحالات إلى أكثر من أربع ساعات لشرب ثلاثة كؤوس صغيرة جدا من الشاي بقليل من السكر ومن دون نعناع وبِحاءاتِه الثلاثة: حار – حلو – وحام. وتتم «لعبة السيك» بسبع خشيبات يقارب طولها 30 سنتيما ولكل واحدة اسم معين: السيكٌا، لربعا، البكرة، الفروة. وتلعب هذه اللعبة جلوسا بين سيدتين فما فوق في شكل دائري والفريق المنهزم ينسحب ويترك مكانه لفريق جديد. وتنظم هذه الألعاب في منازل المتنافسات بشكل التناوب المعروف ب: (اسويرتي) لتختتم بحفل عشاء يتشكل من الأرز ولحم الإبل واللبن قبل موعد وجبة السحور المهيأة من دقيق الشعير المكٌلي والماء الساخن و(الدهن) زبدة الماعز والعسل، وفي حالة عدم وجودها يتم تعويضها بالزبدة البلدية أو زيت الزيتون وتسمى هذه الأكلة بـ «بولْغْمانْ» بالإضافة إلى اللبن والشاي. وتستمر هذه العادات والتقاليد الرمضانية إلى يوم 25 رمضان للاستعداد لإحياء ليلة القدر المباركة ولعيد الفطر.
ويتميز ليل الصحراء، بشكل عام، بالرطوبة المعتدلة وهبوب الرياح خاصة حين تكون درجات حرارة النهار جد مرتفعة، مما يجعل الساكنة تخرج إلى ساحات وشوارع المدينة كمحج محمد السادس وشارع مكة وشارع إدريس الأول وسوق ارحيبة وشارع القيروان وساحة المشور وباقي الفضاءات الأخرى، حيث تنظم أنشطة موازية لخلق أجواء الترفيه من قبل بعض الفعاليات الجمعوية بالعديد من النقط بالمدينة.


الكاتب : مبارك العمري

  

بتاريخ : 11/04/2022