في خطوة تشكل استجابة مباشرة للتوجيهات الملكية السامية، أعلنت الحكومة عن تفعيل خطة وطنية لإعادة تكوين القطيع ، تشمل إجراءات استثنائية لفائدة مربي الماشية، وتعبئة مالية تفوق 620 مليار سنتيم، وذلك في مسعى لتدارك تبعات الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف، وتثبيت دعائم السيادة الغذائية بالمملكة.
وتقوم هذه الخطة، التي تم الإعلان عنها على لسان وزير الفلاحة أحمد البُواري، على حزمة متكاملة من المحاور الميدانية والمالية، يأتي في مقدمتها إعادة جدولة ديون مربي الماشية، عبر إلغاء 50% من الديون التي تقل عن 100 ألف درهم، والتي تهم نحو 75% من المستفيدين، وإلغاء 25% من الديون بين 100 و200 ألف درهم، مع إعادة جدولة وإعفاء من فوائد التأخير للديون التي تفوق هذا السقف.
وفي ما يخص الأعلاف، أقرت الحكومة دعما مباشرا يهدف إلى خفض كلفة الشعير إلى 1,5 درهم للكيلوغرام، والأعلاف المركبة إلى 2 دراهم، بمعدل إجمالي يبلغ 14 مليون قنطار. كما تم الإعلان عن دعم غير مسبوق لترقيم إناث الماشية، بغية حماية الرصيد الوطني من الأغنام والماعز، عبر تخصيص 400 درهم لكل رأس أنثى يتم ترقيمها وعدم ذبحها، بهدف الوصول إلى 8 ملايين رأس مرقمة في أفق ماي 2026.
البرنامج يشمل أيضا حملة علاجية لحماية 17 مليون رأس من الأمراض المرتبطة بالجفاف، إلى جانب عمليات تأطير ميداني وتحسين السلالات، في إطار مقاربة تعلي من شأن التكوين التقني والمواكبة المهنية، وتروم إدماج الفلاح الصغير في صلب الدينامية الوطنية للإصلاح الفلاحي.
وإذا كانت هذه الإجراءات قد نالت ترحيبا حذرا من قبل المهنيين والفاعلين القرويين، فإنها في المقابل أعادت فتح ملف السياسات العمومية المرتبكة التي أدارت هذا القطاع في السنوات الأخيرة، والتي أدت إلى تبديد زهاء 13 مليار درهم على مدى ثلاث سنوات دون أثر ملموس على وفرة القطيع ولا على استقرار أسعار اللحوم الحمراء.
ذلك أن الحكومة، بدلا من وضع خطة متكاملة منذ بداية الأزمة، اختارت الركون إلى حلول ترقيعية تتلخص في الاستيراد ورفع الرسوم الجمركية، ما مكّن بعض الفاعلين من تحقيق أرباح طائلة، دون أن تنعكس هذه السياسات على صمود المنظومة الإنتاجية الوطنية. وهي اختيارات كشفت هشاشة الرؤية العمومية تجاه قطاع يعد من ركائز الأمن الغذائي، خاصة في ظل تفاقم آثار التغيرات المناخية وتدهور الموارد العلفية.
اليوم، وقد جاءت التوجيهات الملكية الحاسمة لتضع الأصبع على جوهر الخلل، يبدو أن الحكومة مضطرة لإعادة بناء ما تم هدمه، ولكن بكلفة مضاعفة. فبالإضافة إلى ما ضاع سابقا، ها هي الدولة تعبئ موارد إضافية ضخمة لتأسيس المنظومة من جديد، في وقت كان فيه بالإمكان تفعيل هذه الرؤية مبكرا، وتفادي إهدار الزمن والدعم العمومي.
والأدهى أن هذه التحركات تأتي متأخرة بعد أن فقدت البلاد جزءا مهما من قطيعها، وهو ما يطرح تحديات كبرى أمام استعادة التوازن، وضمان استدامة التموين، وتقليص التبعية الخارجية في مجال استيراد اللحوم. ويبقى التحدي الأساسي اليوم هو ترسيخ هذه الإجراءات ضمن سياسة قروية عادلة، تضمن استفادة الفلاح الصغير من التحفيزات العمومية، وتخضع الدعم العمومي لمعايير الشفافية والنجاعة.
وتكشف الخطة الجديدة عن تفاعل حكومي سريع مع التوجيهات الملكية التي سحبت البساط من تحت أقدام وزارة المالية وأوكلت مهمة الإشراف إلى وزارة الداخلية، غير أن فعاليتها ستظل مرهونة بقدرة الحكومة على التنفيذ الجيد، والتقويم المستمر، وربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى لا يتكرر سيناريو 13 مليار درهم، الذي لا تزال تبعاته تثقل كاهل الخزينة العامة.