بعد موسم القفف الرمضانية والاتهامات بين مكونات الحكومة .. مرسوم تنظيم الإحسان ينشر بالجريدة الرسمية

صدر بالجريدة الرسمية مرسوم حكومي جديد يهدف إلى وضع حد للفوضى التي طالت مجال جمع التبرعات وتوزيع المساعدات الخيرية في المغرب.
هذا الإجراء يأتي في سياق جهود الدولة لتنظيم هذا القطاع الحيوي وحمايته من أي استغلال أو انحراف قد يشوه قيم التضامن والتآزر التي تميز المجتمع المغربي.
وينص المرسوم رقم 2.25.152 على إجراءات دقيقة تسبق أي عملية جمع تبرعات، حيث أصبح الحصول على ترخيص مسبق إلزاميا سواء بالنسبة للجمعيات أو الأفراد.
ويتطلب الأمر تقديم ملف كامل يثبت المشروعية والشفافية، مع تعيين ممثل قانوني لكل حملة خيرية، كما تم تحديد جهات إدارية مختصة بمنح هذه التراخيص حسب النطاق الجغرافي، حيث تتولى العمالات والأقاليم البت في الطلبات المحلية، بينما تناط بالولاة مسؤولية المصادقة على العمليات الجهوية، أما الجمعيات التي تنوي العمل على الصعيد الوطني أو الدولي، فيتعين عليها الحصول على موافقة الأمين العام للحكومة أو وزارة الخارجية حسب الحالة.
ولم تتوقف الرقابة عند مرحلة منح الترخيص، بل امتدت إلى ما بعد جمع الأموال وتوزيع المساعدات، حيث ألزم المرسوم جميع الجهات المنظمة بإعداد تقارير تفصيلية توضح بالتفصيل مصادر التمويل وطرق الصرف وجهات الاستفادة، على أن يتم إيداع هذه الوثائق لدى الإدارات المعنية وإحالتها إلى المجلس الأعلى للحسابات لمراجعتها.
كما خولت النصوص الجديدة للسلطات المحلية صلاحية تعليق أو منع أي نشاط خيري تظهر خلاله مؤشرات مخالفة للقانون.
وشملت الضوابط الجديدة حتى الجمعيات المعترف بمنفعتها العامة، التي أصبحت ملزمة بالإفصاح عن جميع حملاتها التبرعية رغم إعفائها من شرط الترخيص.
هذا التوجه يؤكد إرادة المشرع في جعل الشفافية قاعدة عامة لا تقبل الاستثناء، خاصة في ظل تزايد حالات استغلال العمل الخيري لأغراض تجارية أو سياسية في السنوات الأخيرة.
يأتي هذا الإصلاح التشريعي في وقت تشهد فيه البلاد تناميا ملحوظا في المبادرات التضامنية، خاصة خلال الأزمات الإنسانية والكوارث الطبيعية، غير أن بعض هذه المبادرات تحولت إلى واجهات للاستعراض الإعلامي أو الربح غير المشروع، بينما استخدمها آخرون كوسيلة للتهرب الضريبي أو غسيل الأموال.
يمثل هذا المرسوم خطوة مهمة نحو تأطير العمل الخيري وتحصينه من كل أشكال الانحراف، مع الحفاظ على روح التضامن التي تميز المغاربة، فالتجربة أثبتت أن غياب الرقابة قد يحول حتى أسمى القيم الإنسانية إلى أدوات للاستغلال، وهو ما يتطلب تدخلا تشريعيا يحمي كرامة المحتاجين ويضمن وصول المساعدات لمستحقيها الحقيقيين.
نشر المرسوم اعتبر خطوة نحو تأطير العمل الخيري وتحصينه من التسييس والفوضى،غير أن هذا المرسوم يخرج إلى الوجود في ظرف سياسي خاص، حيث لا تزال رائحة «القفف الانتخابية» التي وزعت خلال رمضان تزكم الأنوف، وسط مشاهد مثيرة للجدل تنافست فيها الأحزاب على تصوير عطفها في مشاهد أقرب للدعاية منها إلى الإحسان.
وقد تحولت بعض الجمعيات المحسوبة على مكونات الأغلبية إلى فاعل انتخابي بامتياز، وسط تبادل اتهامات بين أحزاب الحكومة نفسها حول استغلال العمل الإحساني لاستمالة الناخبين، وكأن المرسوم جاء لينظم ما هو في الأصل فوضى مقننة، تمارسها جهات تملك النفوذ والإمكانيات.


الكاتب : n جلال كندالي

  

بتاريخ : 10/04/2025