لطالما شكل ملف النقل العمومي بإقليم بنسليمان إحدى أكبر الأزمات التي أرهقت كاهل الساكنة، حيث تحول التنقل اليومي إلى معاناة مستمرة فرضت نفسها على الجميع، من طلبة وموظفين وعمال. فعلى مدى أكثر من 13 عاما، ظل الإقليم يفتقر إلى نظام نقل حضري عصري ومنظم، بينما ظل النقل بين المدن، خاصة بين بنسليمان والمحمدية، عنوانا للمعاناة اليومية بسبب تهالك الحافلات وغياب الجودة والأمان، ما جعل الكثيرين يصفون هذه الحافلات بـ»صناديق الموت».
رغم كثرة الاحتجاجات التي نظمتها الساكنة، خاصة من طرف الطلبة الذين شكلوا الفئة الأكثر تضررا، ورغم البيانات الصادرة عن مختلف الفاعلين السياسيين والنقابيين والحقوقيين، وطرح الملف تحت قبة البرلمان عبر أسئلة كتابية وشفهية، فإن الحل ظل بعيد المنال. كانت النداءات تتكرر، والسلطات المحلية تقدم وعودا تبقى حبيسة التقارير والمراسلات، فيما استمر المواطنون في معاناتهم اليومية بين اكتظاظ مرهق وخدمات متدنية، زادها سوء تهالك أسطول النقل المستعمل، الذي أصبح خطرا متنقلا على الطرقات.
وفي محاولة لإيجاد حلول بديلة، لجأ سكان الإقليم إلى توقيع عريضة احتجاجية رفعت إلى والي جهة الدار البيضاء – سطات، تطالب بحل عاجل لأزمة النقل. كما لم تتوقف الصحافة الوطنية والإلكترونية عن تناول هذا الموضوع، إذ تحول إلى قضية رأي عام محلي، فرضت نفسها بقوة، خاصة مع استمرار تدهور الخدمات والارتفاع المتزايد لعدد الطلبة الذين يجدون صعوبة في التنقل بين مدينتهم ومؤسساتهم الجامعية في المحمدية والدار البيضاء.
بهدف تدبير مرفق النقل العمومي، تم إنشاء مؤسسة التعاون بين جماعات بنسليمان، بوزنيقة، المنصورية، شراط، عين تيزغة، الزيايدة، وفضالات، تحت اسم «إرتقاء» مع بداية سنة 2023. وقد كان الهدف من هذا الإطار التنظيمي هو إيجاد حلول ناجعة عبر تدبير قطاع النقل المشترك وفق مقاربة جديدة. غير أن المؤسسة، رغم عقدها للعديد من الاجتماعات وتكليفها مكتب دراسات بإنجاز مخطط شامل للنقل، لم تحقق أي تقدم ملموس على أرض الواقع. فبعد مرور أكثر من عام على تأسيسها ، تم انتخاب رئيس جديد للمؤسسة بسبب حالة التنافي التي واجهها الرئيس الأول، إلا أن الحلول الفعلية ما زالت غائبة، ولم يظهر أي تحسن في قطاع النقل بالإقليم، تاركة المواطنين في مواجهة واقعهم المحير والصعب، ينتظرون الحل سنة بعد سنة المتمثل في توفير حافلات جديدة خاصة منهم الطلبة مع كل بداية موسم جامعي.
وسط هذه الأزمة التي طال أمدها، جاء إعلان المغرب عن استضافة كأس العالم 2030 ليمثل نقطة تحول غير متوقعة في ملف النقل العمومي ببنسليمان. فقد أكد وزير الداخلية، خلال جلسة برلمانية، أن الحكومة واعية بأزمة النقل الحضري بين المدن، وأن المغرب سيشهد ثورة في هذا القطاع عبر اقتناء حافلات حديثة بمواصفات عالية الجودة ومجهزة بأحدث التقنيات، على أن تتولى شركات متخصصة تسييرها، ما يعني إنهاء معاناة آلاف المواطنين الذين ظلوا يعانون من غياب وسائل نقل حضرية تليق بالتحولات التي يشهدها المغرب. وإقليم بنسليمان سيكون من بين المستفيدين، حيث سيتم حسب بعض المصادر تخصيص حوالي 81 حافلة حديثة لخدمة الساكنة، ما سيشكل تحولا نوعيا وغير مسبوق في مجال النقل العمومي.
ورغم أن هذه الحافلات ستمثل انفراجا تاريخيا لسكان بنسليمان، إلا أن التحدي الأكبر الذي يطرح نفسه اليوم هو ضمان تدبير شفاف وفعال لهذا المشروع. فالإشكالية لم تكن يوما مرتبطة فقط بغياب الحافلات، بل أيضا بطريقة تدبير القطاع، حيث أن سوء الحكامة، وضعف الرقابة، والمحاباة في منح صفقات التدبير المفوض، كلها عوامل ساهمت في استمرار الأزمة لسنوات طويلة.
وبفضل المونديال 2030، والمشروع الوطني الطموح الذي رافقه، فإن هذه المعضلة التي استعصت على الجميع في طريقها إلى الحل. لكن، لكي يكون هذا الحل ناجعا ومستداما، لا بد من إسناد مهمة التدبير إلى شركة محترفة تعتمد معايير الكفاءة والشفافية، بعيدا عن منطق الزبونية والمحسوبية. المطلوب اليوم هو وضع رؤية استراتيجية نموذجية، تتفادى أخطاء الماضي، وتضمن خدمة نقل عمومي فعالة ومستمرة، تحقق تطلعات المواطنين.
وبينما تتجه الحكومة نحو تنفيذ هذا المشروع الضخم، حاول بعض المسؤولين والمنتخبين، الادعاء بأنهم وراء هذا الإنجاز، رغم أن الأزمة امتدت لأكثر من 13 عاما دون أن يتخذوا أي خطوات ملموسة لحلها. وقد عجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور لبعض المنتخبين وهم يجتمعون بوزير الداخلية، في محاولة واضحة لربط أنفسهم بهذا القرار الحكومي. غير أن الواقع يكشف أن مونديال 2030 هو الفاعل الحقيقي الذي حرك هذا الملف، وليس أي مجهود محلي من طرف المنتخبين الذين تعاقبوا على تسيير الشأن العام بالإقليم دون تقديم حلول حقيقية.
في هذا السياق، سبق أن تناولنا في جريدة الاتحاد الاشتراكي موضوع تحت عنوان : «بنسليمان: هل يحقق مونديال 2030 ما عجز عنه المسؤولون والمنتخبون؟»، وهو السؤال الذي بات جوابه واضحا اليوم، حيث تأكد أن المونديال هو المحرك الأساسي وراء حل أزمة النقل، وليس أي مبادرة محلية. وما حدث في قطاع النقل قد يتكرر في ملفات أخرى ظلت عالقة لسنوات، ما يجعل من هذا الحدث العالمي فرصة تاريخية لإعادة تصحيح المسار التنموي بالإقليم.
اليوم، ومع قرب تنفيذ هذا المشروع، ينتظر سكان بنسليمان بفارغ الصبر دخول الحافلات الجديدة إلى الخدمة، على أمل أن يكون ذلك بداية لعهد جديد، يتم فيه تجاوز الإخفاقات السابقة، وتبني حلول مستدامة تعزز جودة الحياة داخل الإقليم. فهل ستكون كأس العالم 2030 هي الحدث الذي يعيد رسم خارطة التنمية في بنسليمان؟ وهل سيتم تدبير هذا المشروع بالشكل الذي يحقق انتظارات الساكنة بعيدا عن الحسابات السياسية والمصالح الضيقة؟
الأيام القادمة ستكشف الكثير، لكن ما هو مؤكد اليوم أن ملف النقل العمومي في بنسليمان يشهد تحولا غير مسبوق، بفضل حدث عالمي أعاد ترتيب الأولويات وفرض حلولا لم يكن ممكنا تحقيقها لولا هذا الحدث الكبير.