بورتريه: إبراهيم عامري.. فنان يرسم التاريخ

ولد إبراهيم عامري، الفنان التشكيلي، الآتي إلى الإبداع الفني من أستاذية التاريخ، سنة 1953، بقرية غير بعيدة عن مدينة مراكش. حين اكتشف موهبته الفنية، صقلها بعصامية مبهرة أساسها الاجتهاد والبحث والقراءة والسفر والاحتكاك بالفنانين وغنى التجربة الحياتية…
نظم أول معرض تشكيلي له بمدينة فاس سنة 1972. وبعدها توالت المعارض الفردية والجماعية في معظم مدن المغرب وفي الخارج (في إسبانيا وفرنسا والبرتغال وبلجيكا وتركيا ولبنان والسودان وليتوانيا وأوكرانيا…).
زاوج بين تدريس التاريخ، وبعدها الانخراط في الوظيفة العمومية كإطار سابق بوزارة التربية الوطنية المغربية، وبين ممارسة هوايته وعشقه: الفن التشكيلي، قبل أن يتفرغ كلية للفن بعد مغادرته الطوعية للوظيفة.
بيته بمدينة سلا وإقامته بمسقط رأسه قرب مراكش، تحفتان فنيتان نادرتان: صممهما وأثثهماعلى ذوقه وحسب تصوره للبيت/المرسم/المعرض التشكيلي، وأرشد ووجه البنائين لتطبيق أفكاره الفنية في ما يتعلق بالديكورات والأكسسوارات وتصميم الأركان والمصطبات، وبعض الطاولات والكراسي الثابتة ومحتويات المرسم… المدمجة برؤية الفنان في جمالية التصميم العام للمنزل في انسجام تام، إضافة إلى الحديقة/المرسم البديعة المرتبة أحسن ترتيب بمنزل مراكش، والتي يشرف على تنظيم محتوياتها بنفسه ويسهم فيه، كما يختلي في صمتها لإنجاز بعض لوحاته. ولذلك فهو دائم التنقل المكوكي بين الفضاءين الفنيين، حسب الأحوال والمزاج ونزوات الإبداع الفني وفانطازيا الإلهام والخيال، وضغط الثيمات والأفكار…
الفنان إبراهيم فنان انطباعي متأثر إلى أبعد الحدود بتخصصه التاريخي، لوحاته عبارة عن كرنفال ملون ومتنوع يخلد كل ما له علاقة بالتاريخ والثقافة (بمعناها الأنتروبولوجي) المغربيين (المعارك التاريخية، سقوط غرناطة، الأبراج والقصبات والأبواب التاريخية، والأضرحة والأسواق ومختلف مظاهر العمران في المآثر التاريخية، والاحتفالات ومراسم البيعة والتظاهرات الشعبية من جهات المغرب (الحلقة، الجذبة، عاشوراء…)، وألبسة زمنها… إضافة إلى المناظر الطبيعية ومظاهر حياة المغربي اليومية العادية.
تقول غزلان جوس ـ ڤِيال: «إبراهيم عامري من الفنانين التشكيليين القلائل، الذي يستطيع أن يحدثك، طوال ساعات، عن تقاليد وعادات المغرب الموروثة. هذا الانجذاب إلى ما له علاقة بثقافة وتاريخ المغرب، يجعل منه مرجعا في مجاله وقيمة أكيدة بالنسبة لهواة جمع التحف.”
بعضهم يصفه بالفنان المستشرق (لوريونطالست) المغربي.
ما يسهم في إضفاء الأهمية والعمق والجمالية على تجربة الفنان عامري، استفادته من سفره وترحاله الدائم في المغرب والعديد من الدول الأوروبية والعربية، مشاركا في التظاهرات والمعارض الفنية، ومرتادا للمتاحف والمآثر التاريخية والمؤسسات الثقافية الشهيرة والمعارض، ومحتكا بالفنانين والمثقفين من مختلف الدول والاتجاهات الفنية والفكرية.
له لمسات سوريالية في ما يخص الثيمات السوسيوثقافية. يقول: “كنت موزعا بين تيارين (الانطباعية والسوريالية)، وكنت أجرب وأبحث أيضا عن ميلي الحقيقي. عندما التقيت، بمناسبة معرضي في الرابطة الفرنسية بالرباط، سنة 1983، بالفنان الفرنسي الشهير المقيم بالمغرب، جون غاسطون مانتيل الذي نصحني بالتركيز على الأسلوب الانطباعي الذي كنت أنجح فيه أكثر، حسب رأيه، كان ذلك قدح الزناد الذي سمح لي بالسير نحو الوجهة الصحيحة”.
استلهام الفنان إبراهيم للثقافة والتاريخ المغربيين لا يمنعه من التنويع في الرسم ومواكبة الأحداث العربية المعاصرة (فلسطين، أحداث لبنان…) كما أنه مبدع في فن الخط.
بعض لوحاته تزيّن فضاءات متاحف مغربية (متحف المقاومة ومتحف التاريخ العسكري بالرباط). كما أن الفنان عامري كان قد اشتغل في إنجاز بعض أشرطة الرسوم المتحركة بالمركز السينمائي المغربي(1985/1986)، وأسهم أيضا برسم لوحات توضيحية في أحد كتب تاريخ المغرب سنة 1993. وفي فترة جائحة كورونا، كان من بين 150 (مائة وخمسين) فنانا من 60 (ستين) بلدا (مع ثلاثة فنانين مغاربة آخرين: محمد السالمي وخالد رزقي وهناء الودغيري) الذين شاركوا ببعض لوحاتهم في مشروع “جسر”، عبارة عن معرض افتراضي دولي (التواصل عن بعد والإسهام في كتاب فني إلكتروني جماعي) منظم من قبل كلية الفنون الجميلة أسوارا، كوالالمبور بماليزيا.
يميل الرسام، في الغالب إلى الألوان الدافئة والرملية، وكذا توظيف البياض (لإبراز الألبسة مثلا). أما الألوان والأضواء والخطوط في لوحات المناظر الطبيعية فتنسجم مع طبيعة المنظر والفضاء (الأخضر، البني، الأزرق، الأصفر، الظل…) الأمر الذي يجعل المتأمل للوحاته يكتشف فيه دقة المصوّر وإبداعية الفنان.

لمن يرسم؟

«حين أحمل فرشاتي ولوح ألواني، لا أهتم كثيرا بمسألة الجمهور. العالم الخارجي لا يحضر بالنسبة إلي. إنها لحظة الصدق والالتقاء مع الذات، حيث أحاول ألا أنصت إلا إلى صوت قلبي، ألا أرسم إلا ما أحب وما أومن به. بعد ذلك، البعض سيقدّر [ما أنجزت] والبعض الآخر لا. وذلك شيء طبيعي، ويبقى مسألة ذوق وحساسية. في النهاية، ما يهمني هو أن أبقى أصيلا. لأنني حين أبحث عن إعجاب الناس، أفقد ذاتيتي”، يقول الأستاذ إبراهيم.
وهو يرى أيضا أن الفن التشكيلي، حين يتخد التاريخ موضوعا له، فيمكن أن يكون قناة رائعة لتقريب الشباب من تاريخ بلادهم.
مما يتميز به الفنان إبراهيم عامري تواضعه الجم، ودماثة خلقه وعزوفه عن الأضواء وثقافته العالية، وولعه الشديد بالطبيعة والشعر والأدب، ودفاعه عن البيئة وانفتاح شخصيته على الآخر المختلف، بالإضافة إلى سجايا إنسانية عالية واعتقاد في مبادئ وقيم رفيعة، يشهد له بها كل من احتك به وعاشره.
وهو حائز على جوائز مهمة عدة، وحظي بتكريم من قبل جمعية كاميليون للفنون التشكيلية بفاس.
إبراهيم عامري فنان مبدع مثقف، عاشق للتاريخ والأسفار والآداب واكتشاف الآخر، دائم البحث عما هو جديد نافع يسند تجربته الغنية أصلا، حريص على تطوير اشتغاله والحفاظ على أصالته المبدعة. وهو بدون شك، من العلامات المضيئة في سماء الفن التشكيلي المغربي والعربي المعاصر.


الكاتب : محمد حجاجي

  

بتاريخ : 11/02/2021

أخبار مرتبطة

من الواضح أن العلاقة بين القارئ والكاتب شديدة التعقيد؛ ذلك أن لا أحد منهما يثق في الآخر ثقة سميكة، وما

ضرار نورالدين كائن متعدد : شاعر ، مترجم ، موسيقي وكاتب قصة للأطفال ، كما في جبته العديد من المشاركات

«ميتافيزيقا الأخلاق» هو أحد كتب إيمانويل كانط (1724 – 1804 ) الذي لم يترجم للغة الضاد بعد، رغم الأهمية القصوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *