في وسط فني وجمالي، وبين لوحات المبدع عبد الكريم الأزهر، وبين رقرقات وادي أم الربيع، ينبع شعر مينة الأزهر، فيكون الحوار ما بين حاستي العين والأذن، أو ما بين الألوان واللغة، التي ترتقي مدارج التشكيل بواسطة المجاز.
تتأسس هذه العناقيد الشعرية من «حبيبات الرذاذ» المعلن باقتراب المطر، أو جواشن النهر، وتموجات البحر، وقد اقترنت الأكف بخضخضة الماء، لتتجاوب الذات مع الأعماق، أو الحباحب، يبدأ السفر من الوجع والرثاء، حيث الشعور بالهباء «ما أقساها من حياة دونك!» هي الشمس والغيمة في هذا الوجود، وبدونها تنطفئ الشمس، وتجف الدنيا.
من هنا تلج مينة الأزهر، عالم الشعر، ما بين الماء والضوء، فهما المكونان لبناء اللغة، وعلوها فوق كل اعتبار.
من رقرقة النهر، تغتسل شعرية الكتابة، وترسم ٱثارها ومعالمها:
«كأني أسبح
في فضاء روحاني
في عالم لامتناه
من الحيرة والأمل…»ص5.
هذه الحيرة تتجلى في العوم، في زرقة الشعر، بعد العوم في وادي أم الربيع، يأتي التصادي، بين الأمل واليأس، ذلك لأن قصائد الشعراء،
تنطلق من التضاد، لأنه المحرك لبواعث الذات، وتفجير اللغة حد كتابة الألم.ولم تكتف الشاعرة بهذا، بل وصل الأمر إلى امتزاج الألم بالحب خلف سرداب الذاكرة
«جراح بلا ضفاف،
هذه مدينتي
تستمطر من غيمة
الماضي العريق،
بمداد من وجع
تعري جروحها»ص8.
وما يلفت الاهتمام في هذه المجموعة، توظيفُ الشاعرة للأساطير المحلية، (أزما),دون التشبث بالأساطير المشرقية أو اليونانية، وهذا رهان أساس، بالنسبة للقصيدة المغربية، حيث تصبح الأساطير المحلية، مرتبطة بالذات دون إقحام وشرح أو الرهان على تحول الأسطورة إلى رمز ذاتي.
«ربما
تحتمي بها
من اغتيال حمحمة الأيام»ص10.
هذا الذوبان بين الذات والأسطورة، يصبح رجاء للاحتماء والنجاة، فاللغة هنا تنوب عن المشاعر ورصد الصور، المتبارية خيولا في المجال، لمواجهة ٱلام وشقاء الأيام !!
«يا أزما
قرحي وجرحك واحد
أنت مني وأنا منك»
ص12.
هكذا تنسج الشاعرة مينة الأزهر،هذا البوح والاعتراف من رذاذ الٱلام والكلوم، لأن العين تلتقط الصور من الطبيعة، ومن المشاعر، ومن الإنسان، ومن الذات، وتخيط كل ذلك، بخيوط كتابات الألم، وتفرض -عبر الإبداع-
خلسةَ صفاء، وما أروعها من خلسة، تتضمنها قصائد هذا المنجز الشعري.
«بين حبيبات الرذاذ، خلسة صفاء» .. ما بين المبتدأ وشبه الجملة، ينهمر شعر مينة الأزهر

الكاتب : محمد عرش
بتاريخ : 14/10/2025