بين محمد أكنسوس وأحمد البكاي -6-

البكاي لم يتدرج المراتب كلها للوصول إلى مقام أحمد التجاني

سنركز على أهم مساجلة فكرية دارت رحاها بين الشيخ أبي عبد الله محمد اكنسوس وغريمه أحمد البكاي ضمن مجال مراكش وبلاد شنقيط  و خصوصا منطقة الأزواد و بلاد السودان، حتى تتماشى هذه الورقة البحثية مع مناسبة تكريم الأستاذة الفاضلة زهرة طموح التي قدمت الكثير للبحث العلمي الرصين في محاضراتها وكتبها الفردية والجماعية حول الجنوب المغربي وبلاد السودان الغربي ضمن تيمة الدين والتصوف. ونرى بأن أهمية اختيار نموذج المساجلة الفكرية بين أكنسوس وأحمد البكاي رهين بكون الأجوبة التي قدمها أكنسوس كانت كافية لشد المريدين الكنتيين رحالهم إلى الطريقة التجانية التي ستنتشر بشكل أوسع في مجال شنقيط وبلاد السودان، حيث سينفرد مجال شنقيط بخاصية تشبت المريدين بجوهر التجانية وآداب الطريقة الكنتية. تحاول مساهمتنا البحثية هذه الإجابة عن إشكالية مفادها إلى أي حد ساهمت المناظرة الفكرية بين أبي عبد الله محمد اكنسوس وأحمد البكاي في انتشار الطريقة التجانية بشكل واسع وحصر الطريقة القادرية في مجال شنقيط وما وراء نهر السينغال؟

أما فيما يخص كون أحمد التجاني لا شيخ له ولا سند له في طريق القوم وأن طريقته معدومة فقد تمكن من توضيح هذه القضية بالحجة والبرهان من خلال جرد كرونولوجي لنوسطالجيا الشيخ أحمد التجاني وهو ما دفع به إلى تنبيه أحمد البكاي بكون أحمد التجاني كانت له لقاءات مع كبار الصوفية وفي مقدمتهم محمود الكردي البصري، ومولاي الطيب بن محمد بن عبد الله الوزاني وأبو عبد الله محمد بن عبد الكريم السمان ومن هؤلاء من استشرف القطبانية لأحمد التجاني. أما تشيخه فقد تم عن طريق الرسول (ص) مباشرة وهو على يقظة ووضوء مخاطبا إياه “إنه لا منة لأحد على الخلائق عليه”. ولوضع حد لتحركات أحمد البكاي الساعية إلى تحجيم أحمد التجاني وحصر طريقته في المغرب دون أن تتجاوزه أكد على ختمية أحمد التجاني وهي الصفة التي تميزه عن باقي الأولياء المتقدمين منهم والمتأخرين، الأحياء منهم والأموات فقد خصه الله ب “الختم الأكبر الذي ختم الله به المقام المحمدي، أخبره بذلك من لا يتطرق الريب إلى أخباره صلى الله عليه وسلم”. ولصد باب النقد على هذه الصفة بالذات استشهد أكنسوس بقول محي الدين بن عربي في فتوحاته : ” وقد اجتمعت به سنة 595، يعني بالخاتم المحمدي الذي لاختم بعده، ورأيت العلامة التي أخفاها الله تعالى فيه عن عيون عباده وكشفها لي بمدينة فاس حتى رأيت خاتم الولاية المحمدية منه ورأيته مبتلى بالإنكار عليه فيما يتحقق به في سره من العلوم الربانية”، وهو كلام أَوَّلَه التجانيون ظنا منهم أنه يشير إلى محنة أحمد التجاني مع خصوم الطريقة وعليه أن يكون على أهبة الاستعداد لمواجهتهم.
أما إنكار أحمد البكاي على أحمد التجاني فمردها حسب أكنسوس أن البكاي لم يتدرج المراتب كلها للوصول إلى مقام أحمد التجاني وهي مرتبة «العارف بالله» تماشيا مع القاعدة الفقهية « كلما اتسعت دائرة المعرفة ضاقت دائرة الإنكار». وحاول أكنسوس التعريج على نقطة مهمة لإزالة اللبس حول مسألة التربية التي اختص بها التجاني وهي عكس ما لوح به أحمد البكاي فإذا كان أولياء الله اختصوا بالتربية المشهورة التي سلكها الإمام الجنيد فإن التجاني خصه الله ليربي الخلق بالهمة والحال. أما الطريقة التجانية فلم تخرج عن عوائد الطرق الصوفية المشهورة فهي تلح على ضرورة المحافظة على الصلاة المفروضة وأدائها على أحسن وجه، والصلاة على الرسول (ص) والإكثار منها آناء الليل والنهار. أما أتباع الطريقة التجانية فهم زهاد وناسكين ونموذج يحتذى به بالنسبة لمريدي باقي الطرق نظرا لكثرة صلاتهم على الرسول (ص) دون أن يدعوا مزية ولا خصوصية. وفيما يتعلق بقول أحمد البكاي أن الطريقة التجانية طريقة لعب ولهو ورقص فإن أكنسوس وجد صعوبة في تبرير تجريح البكاي لهذه الطريقة مكتفيا بالقول أن الله ضمن للتجانيين الولاية قبل الممات، وقد استشهد أكنسوس بوالد أحمد البكاي الشيخ محمد بن المختار الكنتي للرد على استشكال البكاي مسألة زيارة الأولياء الأموات والأحياء بغرض المدد منبها إياه أن والده منع ذلك بكونه «لا يصلح للمريد وأن المضرة لهم بذلك محققة الوقوع»ونفس الشيء يتعلق بمسألة المفاضلة بين عبد القادر الجيلاني وأحمد التجاني فقد استشهد أكنسوس بقوله صلى الله عليه وسلم «لا تفضلوني على يونس بن متى»، مستدلا بأقوال الصحابة وكبار المتصوفة. غير أن أكنسوس كان داهية للدفاع عن أفضلية شيخه وذلك باستشهاده بمقولة محمد بن المختار الكنتي الواردة في كتابه «الكوكب الوقاد» إذ أن هذا الأخير نبه مريديه في الطريقة الكنتية بعدم «تفضيل شخص على شخص ولا نوع على نوع إلا بتوفيق ممن له التفضيل، أو بدليل يستدل به من كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع أمته» أما تأويل أحمد البكاي لمقولة الجيلاني بكون قدمه على « رقبة ولي الله تعالى» فقد زاغ عن الطريق والمقصود بها، حسب أكنسوس، أولياء زمانه وأن هذه الصفة قد اكتسبها وهو أليق بها لكثرة تعبده ونسكه وزهده وهي خصال تمتع بها التجاني بالإضافة إلى خصلة رابعة هي أنه في آخر الزمان.


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 08/04/2022