تجديد الثقة في الشاعر مراد القادري رئيسا لبيت الشعر في المغرب

تحت شعار «الارتقاء بصورة الشاعر المغربي المعاصر»، انعقد هذا يوم الأحد 24 يوليوز 2022 بقاعة ابا حنيني بالرباط، المؤتمر العادي لبيت الشعر في المغرب، والذي ناقش في بداية أشغاله الورقة الثقافية، وصادق عليها موصيا بإدخال جملة من التعديلات عليها. كما ناقش المؤتمر وصادق بالإجماع على التقريرين الأدبي و المالي للفترة السابقة.
في نهاية أشغاله، انتخب المؤتمر الهيئة التنفيذية الجديدة لبيت الشعر في المغرب، مجدّدا الثقة في الشاعر مراد القادري رئيسا للبيت.
ومما جاء في الورقة الثقافية التي صادق عليها الجمع العام: «يشهد الشعر المغربي المعاصر دينامية لافتة، اذ يغتني منجزه بالتجارب الكتابية المتفردة لأعلامه، ضمن سيرورة لا تكف عن توسيع أفق المجهول الشعري. فالأراضي التي وطئتها هذه التجارب تكشف عن مسار حيوي لا يتوقف عن التشعب والتجدد، سعيدا برحابة مجهولة الذي لا يمكن لأي قراءة مهما بلغ عماؤها أن تطمسه. إنه مسار تتجاور فيه التجارب من داخل اختلافها الحي، راسمة مشهدا ديناميا حافلا بتعدد اللغات (العربية الفصيحة والعامية، والأمازيغية، والحسانية، والفرنسية والإنجليزية والإسبانية وغيرها). وبذلك، فإن ما يشهده الشعر المغربي، المعاصر، انطلاقا من اختلاف تجاربه وتعدد لغاته، من دينامية وتشعب ينتظر اضطلاع النقد بإنجاز دراسات متأنية لنصوصه، بعيدا عن الأحكام الجاهزة والانطباعات المتسرعة. فالآفاق التي بلغتها تجارب الشعر المغربي المعاصر تضع نقذه أمام مسؤولية كبرى.
ان إسهام بيت الشعر في الارتقاء بصورة الشاعر المغربي المعاصر يجعل من مسؤولياته التنبيه والتصدي للوقائع التي تسوس على المشهد الثقافي بوجه عام، وعلى المشهد الشعري بوجه خاص. من الوقائع المؤسفة التي عرفها المشهد الشعربي المغربي، يمكن الإشارة الى:
-تنصيب غريب تم باسم الشعر، متوسلا بألقاب لا صلة لها إطلاقا بنبل الشعر وسموه، تنصيب وجهة إصرار تقليداني على رسم تراتبية في المشهد الشعري المغربي بحشر أشخاص من خارج الشعر كي يتصدروا هذا المشهد. وهو ما استنكره بيت الشعر في حينه، وذلك بعد التنصيب، الذي استند إلى دال السيدة الغريب عن الشعر، إساءة فادحة لا للقصيدة المغربية ولتاريخها ولأعلامها وحسب، بل إساءة للقصيدة العربية وللشعرية بوجه عام.
-التجاسر على تجارب شعرية عالمية باسم إعادة القراءة، على نحو يسيء لهذه التجارب ولفعل إعادة القراءة نفسه. إن إعادة القراءة بحرية معرفية أمر مطلوب، بل هو مصير كل مقروء ومحدد كل عملية تأويليه. لا أحد يمكن أن يصادر على إعادة القراءة وعلى حق الاختلاف في بلورة الرأي وبنائه، لكن إعادة القراءة ليست إعداما للمقروء، ولاية تشطيب عبر صيغ النفي، ولا هي استسهال لأخلاق النقد التي هي، في أساسها، ولا هي تشطيب عبر صيغ النفس، ولا هي استسهال لأخلاق النقد التي هي، في أساسها، أخلاق معرفية. إن إعادة القراءة تفكيك، بما يتطلبه من فكر، ومن اقتفاء للتفاصيل الصغرى عبر تأجيل الحكم إلى أن ينبطق من داخل هذه التفاصيل بمختلف أزمنتها الكتابية. فالتفكيك، كما قال دريدا في احد حواراته الاخيرة قبل موته، وبعد أن مارسه عقودا من الزمن، محبة عالية للمقروء، أي محبة للموضوع المفكك بإقامة حوار دقيق معه. إعادة القراءة لا تستقيم بإطلاق الاحكام، لأن إطلاقها استسهال لا يتطلب أي أساس معرفي أو فكري.. كما لا تستقيم. بالتعميم الذي يختزل عقودا من تجربة الكتابة لدى شاعر من الشعراء ويقدمها في حكم حاجب، كما لو أن كتابة هذا الشاعر لم تشهد، منذ انطلاقها أي تحولات ولم تتخللها أزمنة شعرية متباينة. وتبدو فجاجة التعميم أكثر، عندما لا يقتصر على تجربة شاعر واحد، فيجمع بين تجارب شعراء عالميين في حكم واحد. لا علاقة لإطلاق الاحكام بإعادة القراءة التي هي حاجة معرفية لا تتنازل عن شروطها ومتطلباتها.
-استحضار مسار القصيدة المغربية المعاصرة، في بعض الاستجوابات الصحفية، بدافع تصفية الحساب مع تجارب شعرية وبدافع ذاتي صرف يقدم فيه المستجوب ذاته بديلا لكل التجارب. والحال أن بناء ذاكرة نقدية للشعر المغربي المعاصر لا يمكن أن يتحقق بتصفية الحسابات، ولا بالأحقاد والنرجسيات. إن بناء هذه الذاكرة محبة عليا لا تتنكر للتفكيك، ولكن بالمعنى الذي صاغه دريدا له بعد أن مارسه زمنا طويلا.
-حدة الصراع في الزمن التقني بين المعنى واللامعنى. إن ثمة اليوم، فيضا من البلاهة يضاعف محنة المعنى بعد ظهور من يسمون بالمؤثرين الذين يعملون، بإيقاع مستثمر لزمن التقنية، على ترسيخ البلاهة وخلق الألفة معها. صحيح أن الشاعر لا يمكن ان يتصدى لهذا الفيض الدافق من اللامعنى، لكن مهمته في حراسة المعنى لا تنفك تتعقد وتتشعب. وبذلك، يحتاج الارتقاء بصورة الشاعر، مثلما يحتاج الإسهام في تهييء أحياز وسيعة لسماع صوته، تكاثف جهود جهات عديدة.
ليس الارتقاء بصورة الشاعر المغربي المعاصر مهمة دعائية ولا يمكن لها أن تحتكم الي أي ادعاء فج. انها مسؤولية ذاتية منوطة، في المقام الاول، بالشاعر نفسه وبما تلزمه به الكتابة الشعرية من مسؤولية معرفية وجمالية وقيمية. وهي بعد ذلك مسؤولية أطراف مجتمعية أخرى، منها المنظومة التعليمية بمختلف أسلاكها وتصور هذه المنظومة التعليمية لهويتها الثقافية، ومختبرات البحث العلمي الجامعي، ووزارة الثقافة، ودور النشر والاعلام المسؤول الذي يقاوم الاختلالات التي تسربت الى جسمه ونمت بفعل التقنية».


بتاريخ : 26/07/2022