على سبيل التقديم :
« مسكون بحب الجافي « هو الديوان الأول للزجال إدريس لمزوجي ، الصادر عن مطبعة MOUSSY LIBARY، يقعفي 95صفحة ، يضم بين دفتيه 26 قصيدة جاءت في جزءين، و تمثل ما يزيد عن ثلاثين سنة من االممارسة الزجلية.
ولعل الملمح المهيمن على هذا الديوان الزجلي هو « الزجل العاطفي « يكتب الباحث محمد خلاف في خطابه المقدماتي:»يضم هذا الديوان « مسكون بالحب الجافي « قصائد عديدة بتيمة واحدة « الزجل العاطفي « وهذا هو سر قوة الزجال إدريس لمزوجي « 3
ونظرة سريعة في العنوان الرئيسي « مسكون بحب الجافي « ، ثم العناوين الداخلية ، فالمعجم اللغوي يؤكد هذه الاستراتيجية العاطفيةباعتبارها مكونا عضويا من مكونات هذه المدونة الزجلية ، والتي تعلن عن نفسها في مجموع القصائدالتي يهيمن عليها الجفاء حينا ، والوصال حينا آخر
وعليه ،تبدأ قصائد الديوان بموضوعة الحب» جاوبيني « وبها تنتهي « الليل بلغ سلامي « ، لتقدم بذلك تجربة بارزة في الجفاء ثم التواصل .
تجربة الجفاء :
بداءة ، دعونا نتفق أن الجفاء العاطفي ، تيمة مهيمنة في ديوان الشعر العربي منذ طفولته ،
واعترت الشعراء بسبب خيباتهم من قسوة المحبوبة ،والمقبل على ديوان « « يقف على هذا الجفاء ينشر ظلاله على كثير من القصائد ، ليتناسل التباعد والمجانبة ، نقرأ في قصيدة « جاوبني « :
دخلت عليك
بحيرتي أو حماقي
أو بكايا أو نواحي
بين الدروبا أو الزناقي « ص 8
إن الحب في هذا المقطع يقدم نموذجا للحظة شعورية يتقاطع فيها البكاء والنواح والحيرة والحمق ، مما ينم عن تجربة تتسم بكل أنواع التعذيب العاطفي حد التيه وفقدان البوصلة .
ويمكن أن ندرج في نفس السياق قصيدة « خلاتني «، يقول الشاعر :
« خلاتنيدايخ
فاقد صوابي
خلاتني نزيد خطوة
أو خطوة نتعثر
خلات لغزيل
بلا مغزل فالركابي «
هاهنا يحضر الامتلاء بجفاء المحبوبة ويرتقي إلى حد فقدان الوعي ويبدو ذلك جليا كما يلي :
« خلاتنيدايخ «
« فاقد صوابي»
ولتجسيد هذه الحالة من المعاناة وتعثر الخطوات جراء السكر بنبيذ الحب ، يلجأ الشاعر إلى توصيفها بالغزيل دون مغزل ، مما يفضي إلى بناء مشهد حاف وعار من التواصل .
تجربة الوصال :
وفي مقابل هذا الجفاء وهذه الغلظة، تحضر اللطافة والوصال ، نقرأ من قصيدة « بين حضاني»:
« سلمت عليها سلام فوق العادي
عنقتها أو درت ذراعها وسادي
حسيت بنشوة سرات ففؤادي
أو طفات نيران الجمر الكادي « ص 35
بنظرة سريعة في المقطع أعلاه ،تحضر وضعية مختلفة تتأسس على الترابط والوصال ، نستشفه من خلال الحقل المعجم التالي :» العناق ، النشوة ، انطفاء الجفاء «، مما يضفي نوعا من الحميمية المحلوم بها .
ومما يؤكد حضور الوصال المشار إليه أعلاه ، يعيد الشاعر إنتاج هذه الحممية في عديد من القصائد من قبيل : « ليلة من الليالي ، النجوم والقمر شاهدين ، ناعسة ممدودة، محلاك ياملاك … « ، نقرأ في الصفحة :
« فلحظة أنس
فلحظة انسجام
فلحظة من أروع
لحظات ليام
فاض الحب
أو غطسنا في لغرام « ص 41
هكذا تغدو علاقة الشاعر بمحبوبته ، علاقة :» أنس ، انسجام ، فيض « ، إلى حد الغطس في ماء الحب ، مما يختزل لحظة غرامية عميقة ومؤنسة .
وفضلا عن هذا الطباق ، فإن الديوان يلجأ إلى تقنية القصيدة المقطع ، التي تفصل بين أسطرها بياض أو نجوم ، وهذا النوع من القصائد هو الأكثر في الديوان ، وهي طريقة تقوم على ما يشبه جمالية التلقي البصري ، وتصعيدا لهذه الجمالية المرئية يلجأ الشاعر توزيع أسطره الشعرية وفق سيناريو القصيدة الشطرية ، وقصيدة الموشحات ، ونمثل لذلك بالقصائد التالية :» الليل نشر جناحو» و» محلاك ياملاك «.
ومجمل القول ، هذا احتفاء بتجربة زجلية للشاعر إدريس لمزوجي، تجربة بنت الثقافة المغربية ، وهي جزء أول في انتظار الجزء الثاني الذي سيؤكد حضور أحد الأصوات التي ستساهم في ترسيخ تجربة زجلية في المشهد الشعري بالمغرب .