“تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور : 15 – أي تجديد لا يسمى تجديدا إلا إذا اخترق الأصول باسم الزندقة قطعت عشرات الألوف من الرؤوس

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ ،هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان. 

 

المفهوم السياسي  للردة،الذي ينتج عنه سفك الدماء، ليس، يقول الدكتور محمد شحرور، موجود عبر الزمان والمكان، وليس في الدول العربية المركزية الأولى، وهنا  يستحضر مؤلف كتاب “تجفيف منابع الإرهاب “الحالة  الأمريكية، ويوضح أنه عندما  قرر الجنوب  الانفصال  عن  الشمال، لم تسمح به  الحكومة  المركزية  برئاسة لنكولن، ومن هنا  حدثت  الحرب الأهلية  التي ذهب  ضحيتها  كما  هو  معلوم  مليون قتيل  أمريكي.
ويوضح المفكر  محمد شحرور، أن هؤلاء كان  مبررهم  جميعا  ،هو أن الدولة لن تسمح  بوقوع  الردة  السياسية يسلخ بها  جزء  من جسم  الدولة  من  أجل قيام  دولة  أخرى، ويزيد  شارحا، أنه  حين يؤمن  نصراني  ما في أمريكا  ،فلا تتدخل  الدولة في أمره أبدا، في حين  أنه إذا اجتمع  المسلمون المؤمنون  أتباع محمد(ص)في ولاية من الولايات وقرروا  الانفصال  عن الدولة المركزية، فسوف  تمنع  الدولة ذلك بالقوة، ويستحضر  الدكتور محمد شحرور  هنا  أيضا  حدث  الانفصال بين سوريا  ومصر عام 1961، وكان ردة سياسية لا علاقة لها بالدين  لامن قريب ولا بعيد، ومن هنا يرى  أن الردة السياسية قد تستوجب التدخل بالقوة لمنعها، وقد تنجح القوة بمنعها وقد لاتنجح.
ويضيق  أنه كان من حق الرئيس جمال عبد الناصر أن يتدخل لمنع  الانفصال لكنه لم يفعل  ونجح الانفصال.
ويرى أن الانفصال والوحدة  لايحدثان أصلا  لسبب ديني بل هو سياسي بامتياز، كما  أن الأعراف الدولية  تسمح  باستعمال العنف  لمنع الانفصال في أي دولة.
وهو  يقدم  هذه  الأمثلة  والنماذج، يستغرب  الدكتور محمد شحرور، في كون  أن مايسري  الآن هو  رأي عمر بن الخطاب، إذ امتنع  المرتدون من مانعي الزكاة عن دفع الزكاة للدولة المركزية وقالوا إننا  سندفعها  لأهلنا  وقبيلتنا  ،وتم إعلان النبوة  لترسيخ  الانفصال  السياسي بعد  الانفصال المالي، فحدث قتل وقتال.
اليوم  يقول  الدكتور شحرور، الدولة لاتتدخل  في الزكاة  لوجود الضرائب، والناس تدفعها  لمن تشاء من الجمعيات الخيرية وأولي القربى.
ردا  على  مايذهب  إليه بعضهم اليوم ، في توسيع مصطلح الردة إلى حد فاحش يشمل قتل تارك الصلاة عمدا  وقتل كل من يقول جديدا لم يقله التراث يضيف محمد شحرور، ويعارض من يرون  أنفسهم  أوصياء على عقول الناس ومصائرهم، ويعتبر ذلك المفكر السوري، أن هذا ليس من الإسلام والإيمان في شيء،وليس إلا امتدادا  لديوان الزندقة عند أبي جعفر المنصور وعند المأمون بن الرشيد، عندما قطعت  تحت عناوين الزندقة والردة  عشرات الألوف من الرؤوس المعارضة.وعبر محمد شحرور عن  أسفه  لكون هذا المصطلح  يستعمله الآن  أكثر الناس قتلا وفتكا من الذين يقتلون الشيوخ والنساء والأطفال  حتى دون  أن يعرفوهم من هم، وحتى الآن  يقول، لانرى من يتجرأ على إعادة النظر في المصطلحات الفقهية ومنها الردة.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 12/05/2020