المختار البدراوي
عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
الكاتب الإقليمي للنواصر
أستاذ جامعي
لنبدأ بالآداء الاقتصادي على نطاق أفريقي، لقد جعل من المغرب شريكا جادا وذو مصداقية. كيف كان ذلك ولأي هدف؟
بادئ ذي بدء، دعونا نتذكر أن علاقة المغرب بإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى – على وجه الخصوص – هي علاقة أسلاف قديمة العهد عمرت لقرون، أعيد تصميمها وصياغتها في فجر الاستعمار المتعدد الذي غزا القارة بأكملها. ومع ذلك، ظلت العلاقات قوية ووثيقة مع بعض بلدان غرب أفريقيا، ودعونا لا ننسى قبل كل شيء أن المغرب هو من بادر لإنشاء «منظمة الوحدة الأفريقية»(OAU) في عام 1962.
إن تتويج صاحب الجلالة «محمد السادس» على سدة الحكم، كان الخطوة التي أعطت دفعة جديدة للعلاقات مع العديد من البلدان في القارة السمراء، لتكون هذه المرة (العلاقات) أكثر تنظيما وتركيزا على الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية، والتي بدأت بإعادة الإدماج في الاتحاد الأفريقي في عام 2017.
ولمدة بلغت 25 عامًا (أو أكثر بقليل)، أصبحت إفريقيا بشكل عام مضمنة أكثر فأكثر في قلب مصالح العديد من القوى العالمية، حيث كشفت القارة السمراء عن إمكانياتها الكامنة التي غطاها عدم الاستقرار السياسي والعداوات العرقية. إستنادا إلى لغة الأرقام، يمكن تلخيص الإمكانات – من بين أمور أخرى – فيما يلي:
مساحة إجمالية تبلغ 30 مليون كيلومتر مربع مع واجهة بحرية تمتد على مساحة 41,184 كيلومتر ؛ تعداد سكاني يقدر بنحو 1.43 مليار نسمة (حوالي 18٪ من سكان العالم، منهم 50٪ تقل أعمارهم عن 20 عاما ولكنهم لا يمثلون سوى 2.9٪ من الإنتاج العالمي) ومن المقدر أن يصل عدد هؤلاء السكان إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050 ؛ ناتج محلي إجمالي يناهز 2431 مليون دولار، مقسم بين: الزراعة (15.7٪) والصناعة (31.2٪) والخدمات (53.1٪)، كما يمثل الطلب الأسري (66.7٪) من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يقدر إجمالي تكوين رأس المال الثابت (25.1٪) ؛ متوسط معدل نمو (3.86٪) على مدى 10 سنوات و (4.2٪) متوقع لعام 2025، مصحوبا بانخفاض في مستوى التضخم ؛ تحسين عجز الميزانية التي انخفضت إلى (4.9٪) من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 ؛ يتم تصدير الموارد الطبيعية الوفيرة والمتنوعة بشكل رئيسي في الحالة الخام ؛ بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر 45 مليار دولار في عام 2022 بعد أن بلغت ذروتها عند 80 مليار دولار في عام 2021. وعليه، تفيد هذه المعطيات مجتمعة، إلى أن هناك مجموعة كبيرة من فرص التنمية وجعل القارة الأفريقية قضية استراتيجية عالمية يريد المغرب أن يلعب فيها دوره المشروع ويحتل مكانة مهمة في إطار التعاون فيما بين بلدان الجنوب.
ومنذ خطاب جلالة الملك في عام 2017، شرعت بلادنا في العديد من المشاريع الهيكلية واتفاقيات التعاون الثنائي مع أكثر من 40 دولة، لا سيما في غرب ووسط إفريقيا، والتي بدأت بزيارات ملكية متوالية وقوية للغاية إلى العديد من تلك البلدان، وصادفها دمج الشركات العامة الوطنية في مشاريع الهيكلة وتطوير البنية التحتية التي فتحت المجال أمام المشغلين الخاصين المغاربة للاستثمار في مجالات: «الخدمات المصرفية» والاتصالات السلكية واللاسلكية» و»البناء» وغيرها.. ولتعزيز التقارب في نهجها المتكامل، شجعت بلادنا حرية تنقل الأفراد مرفوقة بالإهتمام بالبعدين الثقافي والديني، ناهيك عن التنمية البشرية من خلال تدريب الطلاب والمدراء التنفيذيين.
إن اندماج المغرب المستقبلي في «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» – التي يلعب فيها دور المراقب – وكذلك التصديق على اتفاقية «منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية» (AFC FTA) أو (ZLECAF بالفرنسية)سيعزز وضعه الاقتصادي والتجاري وسيمنح دفعة قوية لصادرات بلدنا إلى حوالي 50 دولة. أخيرا، نسلط الضوء أيضا على مشروع خط أنابيب الغاز من «نيجيريا»، والذي كان في طور الانتهاء منه منذ عام 2018. لهذا وذاك، وفي غضون 25 عاما، وضع المغرب نفسه تدريجيا كمركز إقليمي في إفريقيا، كون المملكة تحتل المرتبة ال 2 بين المستثمرين الأفارقة في القارة وتحتل المرتبة الأولى في غرب إفريقيا، كما تلعب دورا رائدا في مجالات «الغذاء» و»الطاقة» و»الأمن العسكري».
المنافسة كبيرة، ومنافسونا هم اقتصادات متجذرة مثل الاقتصاد الأوروبي. هل لدى المغرب الوسائل لتحقيق طموحاته على هذا المستوى من التنافسية؟
بكل بساطة، لا نعيش فقط المنافسة مع بعض البلدان التي لديها موارد مالية وسياسية كبيرة، وإنما لدينا مشكلة أخرى تكمن في وضع اقتصادات جنوب الصحراء الكبرى المتأثرة بتداعيات جائحة كوفيد-19 على الطريق ذاته.
إذا حددنا أصل المنافسة فقط مع أوروبا، فمن المؤكد أن المغرب تفوق بتمكنه من زيادة استثماراته المباشرة في إفريقيا 8 أضعاف بين عامي 2014 – 2021 وأوصلها إلى 800 مليون دولار في عام 2021 (43٪ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر هو مغربي)، بما في ذلك 500 مليون في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ومع ذلك، لا يزال يتم تجاوزه إلى حد كبير من حيث بمسافة واضحة من قبل دول ك»فرنسا» و»المملكة المتحدة»، وإن توسعنا شيئا ما فسنحتسب أيضا «الولايات المتحدة» و «الإمارات العربية المتحدة» و»الصين» خاصة. بشكل مطلق، فإن تطور هذه المراكز الترتيبية في السنوات الأخيرة آخذ في التراجع بالنسبة لكل من «الاتحاد الأوروبي» و»الولايات المتحدة».
وإذا كانت ل»فرنسا» و»إنجلترا» تمتلكان مصالح تعود إلى الحقبة الاستعمارية أو تمليها الروابط النقدية الاستعمارية الجديدة مثل منطقة (CFA)، فإن «الصين» (وحدها) قد ضخت بين عامي 2006 – 2020 ما يقرب من 303 مليار دولار في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى غالبيتها العظمى من خلال الشركات العامة، بما في ذلك 140 مليار دولار لصالح 6 دول في مناطق أفريقية مختلفة، وخاصة تلك التي لديها وصول مباشر إلى البحر على غرار «نيجيريا» التي حصلت على 13% منها. وإذا ما قمنا بتضمين القروض التي منحتها «الصين» للبلدان المذكورة، فإن الحجم المالي يزيد من وزن وبروز العلاقات الصينية – الأفريقية، والذي يقاس بنمط التجارة في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي تمكنت فيها «الصين» من نسبة 26٪ في عام 2020.
بشكل عام، بالنسبة لبلدنا، تمثل أفريقيا بشكل عام وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على وجه الخصوص قضية استراتيجية ذات أبعاد متعددة، غير أن التمركز هناك أمر صعب وتنافسي للغاية، ولا يزال محفوفا بالمخاطر أيضا لتزايد عدم اليقين بشأن التطور على المدى القصير والمتوسط لما يسمى ب»الاقتصادات المستهدفة ذات القيمة المضافة العالية»، ما ينعكس بالتالي على «العائد الجوهري» للاستثمارات والتي هي أكثر أهمية من الوسائل. ومع ذلك، من حيث الاقتصاد العام والسياسة الخارجية، لا يقتصر الاستدلال على نسبة المتوسط/التأثير المباشر، ما يجبره على النظر في العوامل الخارجية الإيجابية التي قد تنجم عن هذه التحركات – والتي يجب أن تكون جزءا من المدى الطويل – على ملفات أخرى مثل ملف «السيادة» على سبيل المثال.
وأخيرا، يجب أن يكون النهج موجها نحو المجالات والفجوات الاقتصادية حيث ستكون الميزة النسبية أكثر في مصلحتنا بشكل مستدام. يمكن للمغرب أن يضع نفسه في وضع أفضل من خلال تحسين عرضه القابل للتصدير إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وهذا ينطوي على: تحسين «إنتاجية النسيج الصناعي» و»رأس المال البشري» و»تطوير البنية التحتية للطرق» و»البنية التحتية البحرية». وبمن هنا، فإن الإرادة الملكية لتعزيز الساحل الأطلسي على الجانب الجنوبي من البلاد، سيكون لها حتما تأثير إيجابي قوي على ديناميات التعاون بين منطقة الجنوب (جنوب الصحراء الكبرى) التي يطمح إليها المغرب.
في رأيك، ما هي الإصلاحات الرئيسية التي ميزت عهد محمد السادس فيما يتعلق بالاقتصاد؟
من أجل تقديم بعض الإجابات على هذا السؤال الثنائي المهم، والذي يتزامن مع الاحتفال الوشيك بمرور 25 عاما على حكم جلالة الملك «محمد السادس»، من المهم تقسيمه (السؤال) إلى مرحلتين، الفترة من 1999 – 2019 والفترة من 2020 إلى الوقت الحاضر.
لا يمكن لأي منا، أن ينكر أن المغرب قد تغير ظاهريا، ناهيك عن التطور جيد السمعة الذي جعل من البلاد (خاصة بعد عام 2011) واحدة من أكثر الدول استقرارا سياسيا وذات ديناميكية اقتصاديا في إفريقيا والعالم العربي. وهذان العاملان، هما نتيجة التزام الشعب المغربي بشكل عام بالاستراتيجية الملكية للنجاح في بعض الإصلاحات الكبرى التي المهيكلة لمغرب اليوم اقتصاديا، والمرسخة لثقة شركائه الدوليين فيه.
على مستوى الاقتصاد الكلي، على الرغم من «أزمة الرهن العقاري» في عام 2008، أظهرت البلاد مرونة اقتصادية ومالية بفضل الإصلاحات التي بدأت منذ عام 1999 في إدارة «مجاميع الاقتصاد الكلي» و»الديون» و»استقرار الأسعار». في الواقع، بين عامي 1999 – 2019 يمكننا أن نستشهد بالتضخم المتحكم فيه، وهي سياسة نقدية تتماشى مع السياسة المالية التي سمحت بعجز مقبول في الميزانية. على الرغم من الضغوط الخارجية بغية «تعويم الدرهم»، يمكننا التأكيد على سياسة «سعر الصرف» الحكيمة للغاية في هذا الاتجاه والتي مكنت من الحفاظ على الأرصدة الخارجية والاستقرار النسبي لاحتياطيات النقد الأجنبي التي أبعدت البلاد عن حالة «السكتة القلبية» كما وصفها جلالة الملك الراحل «الحسن الثاني». وعلى هذا المنوال، يمكننا أن نذكر إصلاح وضع البنك المركزي، وإصلاحات القانون المصرفي التي أسفرت عن قطاع مصرفي مرن وواحد من الأفضل في أفريقيا.
على الجانب القطاعي، مكنت الإصلاحات من الإنفتاح على 3 مجالات عالمية: «السيارات» و»الطيران» و»الإلكترونيات»، وقريبا الرابعة في مجال «صناعة المستحضرات الصيدلانية». بالإضافة إلى دعم صندوق «محمد السادس»، يتم تمويل غالبية هذه القطاعات إما من خلال الاستثمارات المباشرة أو في شكل مشاريع مشتركة. ينضاف إلى ذلك إنجازات قطاعي «السياحة» و»التعدين»، اللذان يسهمان أيضا إلى جانب تحويلات المغاربة في العالم في السيطرة على عجز الميزان التجاري وتحسين احتياطيات النقد الأجنبي. فيما يتعلق بهيكلة المشاريع – خاصة في البنية التحتية – سجلت البلاد في نفس الفترة تقدما استثنائيا في شبكة الطرق السريعة وكذلك الموانئ مع ميناء «طنجة المتوسط» والسكك الحديدية بواسطة خط «القطار السريع» (TGV) الذي يربط مدينتي «طنجة» و»الدار البيضاء» وستلتحق بهما قريبا «أكادير».
من هذا المنطلق، يمكننا أن نفتخر بأن للمغرب اقتصادا جذابا للغاية، بفضل الإصلاحات لصالح الاستثمار وجهود محو الأمية. حتى عام 2020، عزز هذا المزيج ظهور طبقة متوسطة تحفز الطلب المحلي (الداخلي) وتشجع على الإدخار الخاص. فيما يخص «التنمية المستدامة» و»الاقتصاد الأخضر»، قامت بلادنا باستثمارات كبيرة في «الطاقات المتجددة» من خلال رؤية يقودها الملك منذ سنوات ولأخرى مستقبلا، من قبيل «محطة نور»، وتكاثر توربينات الرياح وغيرها..
ومنذ عام 2020، تغير خطة «التطور المغربي» بشكل كبير بسبب تداعيات جائحة «كوفيد-19» وتعاقب سنوات الجفاف والوضع الدولي المتأزم للغاية. وقد أدى ذلك، إلى عدم توازن جميع مؤشرات الاقتصاد الكلي، مما يسلط الضوء على بعض نقاط الضعف المستمرة ولا سيما «الحوكمة الاستباقية» ونظيرتها «التفاعلية»، ومعدلات «البطالة والفقر» المتجددين، و»التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية» بين المناطق الحضرية والقروية التي لا تزال واضحة. أظهر نموذج التنمية الذي مارسه المغرب منذ عام 1999 حدوده، وهو ما توقعه الملك ليباشر (من أجل تفاديه) بتوسيع التشاور حول «نموذج تنمية متكامل جديد يضع رأسي المال غير المادي والبشري في صميم الأولويات»، وهذا يتطلب التزاما صارما جديدا بالقوى الحيوية للبلاد، وتوجهات جديدة في الإدارة اليومية للشؤون العامة.
بشكل عام، يمكننا أن نستنتج أن 25 عاما من حكم جلالة الملك «محمد السادس» كانت منتجة ومعطاءة، حولت البلاد وحسنت صورتها ومكانتها دوليا – خاصة في إفريقيا. وعلى الرغم من الوضع الحالي، استفاد المغرب من الإنجازات القوية لتحقيق النجاح ولكن بعيدا (دون شروط) عن العودة إلى الوضع الطبيعي لتوازن الاقتصاد الكلي. علاوة على ذلك، فإن استقرارها (المملكة) السياسي يوحي بالثقة خارج حدودها، وقد تحقق ذلك بفضل البصيرة الملكية ولا سيما من خلال «إصلاح الدستور في عام «2011، أي عام الاضطرابات في العالم العربي.
ما هي العوامل التي تعيق انتعاش اقتصاد يتميز بشكل أساسي بمعدل نمو متقلب وبطالة مرتفع؟
في التعامل مع السؤال الأخير، استذكرنا العديد من الإصلاحات والمشاريع التي تم تنفيذها أو بدأ تنفيذها على مدى السنوات ال 25 الماضية، سواء كانت مشاريع استثمارية أو تعاونية، ونظرا لنطاقها يجب أن يكون لها عادة تأثير دائم، كان ينبغي أن تكون نتيجته الأخيرة «الخلق العادل للثروة» للأمة وتصنيف المغرب (حقيقة ودون جدل) بين البلدان الناشئة، التي ومن بين معاييرها: النمو الشامل والمستمر على المدى المتوسط والطويل بين 6٪ و 7٪، سوق العمل الديناميكي الذي يقلل من معدل البطالة، الطبقة المتوسطة المستدامة ذات القوة الشرائية العالية، وما إلى ذلك..
ومع ذلك، كما تقول، نلاحظ أن معدل النمو متقلب، حيث بلغ متوسطه حوالي 3.4٪ بين 1999 – 2022، وكان معدل البطالة 9.2٪ في عام 2019 ووصل إلى 12.3 ٪ في عام 2021، وهو العام الذي بلغ فيه معدل النمو ذروته عند 7.93٪، لذلك من الطبيعي طرح السؤال التالي: «أين مكمن الخلل؟». أولا، بالنظر إلى جميع الجهود والإصلاحات التي بدأها جلالة الملك، لا يمكن أن نجزم بأن هناك تحولا في المرحلة بين الإرادة الملكية ووتيرة تنفيذها، لذلك قد يكون مكمن المشكلة في «الحوكمة».
على الرغم من الجهود الاستراتيجية للمغرب، لا تزال البلاد «ضعيفة التصنيع» وتعتمد على «الزراعة» التي تمثل 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي و3٪ من العمالة الوطنية. لهذا، لو منحنا نفس التركيز المخصص لخطة «المغرب الخضراء» من أجل خطة «التسريع الصناعي»، فربما كنا سنبدأ التحول نحو «التصنيع»، علاوة على أن عقلية المستثمر المغربي كثيرا.
لا يزال معدل الاستثمار الخاص في المغرب «منخفضا»، وهذا الأخير هو الذي يؤسس للوظائف المستقرة. ومن أجل عكس هذا الوضع، دعا جلالة الملك إلى إصلاح «ميثاق الاستثمار» الذي يجب أن يعزز نسبة الاستثمار على أساس قاعدة «الثلث للدولة والثلثان للقطاع الخاص». إذا كان الميثاق المذكور، ينص على المساعدات والإعانات، فيجب أن يكون مصحوبا ب: «إصلاح الإدارة»، «تسهيل الإجراءات»، «مكافحة الإيجارات»، «برنامج عاجل للتعليم الوطني والتدريب المهني» بغرض تحسين رأس مالنا البشري وإعادة معايرة اتفاقيات التجارة الحرة.
شرع المغرب في سلسلة من المشاريع والأوراش الكبرى التي تجمع بين الاستثمارات الاجتماعية والاقتصادية. ماذا عن تمويل هذه الأوراش؟
هذا سؤال كبير، وإجابته المطلقة أنه يصعب تحقيقه في نفس الوقت، تحديدا وبالنظر إلى الوضع الحالي للميزانية ومستوى الديون العامة. من المؤكد أن كلا المحورين يستهلكان الميزانية، لكنهما ضروريان للتنمية المستدامة والمتوازنة اجتماعيا.
لهذا، اتخذ المغرب الخيار الذي أدرجه في هدف «النموذج التنموي الجديد» الذي تدعمه جميع المؤسسات الدولية، كون الرهان قائم وينبغي علينا أن نحققه على أرض الواقع، وللقيام بذلك يجب أولا إقناع السلطة التنفيذية بالحاجة المذكورة من أجل إيجاد التخصيص الأمثل للموارد وجداول الأعمال الفعالة، وكلها تتطلب إصلاحات عظيمة رفقة قيم «الإقتناع» و»الكفاءة» و»الابتكار» و»تقارب الجهود».
نحن نعلم أن ميزانية البلاد لا تزال غير كافية، ولكن إذا تم تنفيذ بعض الإصلاحات فيمكننا تحسينها، على غرار ما فعلناه مع «الإصلاح الضريبي» على النحو الذي أوصت به السلطات الضريبية، والذي لا يزال على أهبة الاستعداد لمكافحة التهرب الضريبي وترشيد نفقات التشغيل الإدارية. عندها، سيكون من الضروري استخدام مصادر تمويل أخرى في رأيي.. يدافع البعض، عن ضرورة تجنب الديون، غير أنني أعتقد أن الخطر ليس في الدين بل في طريقة استخدامه التي يجب أن يكون عقلانية وموجهة مباشرة للمشاريع التي تؤدي إلى نمو كاف ومستدام ومنصف يسمح ب: «سداد الديون»، «تحسين الناتج المحلي الإجمالي»، وبالتالي التحكم في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.
في رأيي، لن ينجح تسريع التصنيع المتنوع للاقتصاد والاستثمار في الخدمات الاجتماعية ورأس المال البشري إلى جانب الالتزام والمثابرة السياسية الجادة الرامية سوف تعيننا على تحقيق تنمية متوازنة على المستوى الوطني ووقف الإقصاء. ستكون النتيجة أولا، تحييد التكاليف التي لا يمكن قياسها من خلال الحساب الاقتصادي والسياسي، ثم ثانيا تحسين الالتزام وإعادة إشراك المجتمع المغربي في هذه المشاريع التي يحتاجها بلدنا بشدة.
ما هي المدخلات التي يمكن أن يضيفها حزب ديمقراطي اجتماعي مثل «الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية» (USFP)، عندما يتم بالفعل إنشاء إجماع وطني فيما يتعلق بالتوجهات الرئيسية ؛ من خلال نموذج التنمية الجديد؟
للتذكير، فإن المحاور الرئيسية الأربعة لـ»النموذج التنموي الجديد» (NMD) هي: «تنويع وتحسين الاقتصاد المنتج اجتماعيا»، «الاستثمار الاجتماعي في رأس المال البشري» كتتابع مع الأجيال القادمة، «التنمية الشاملة والمسؤولة اجتماعيا»، «الأقاليم المستقلة التي تضع نهجها في إطار التنمية المستدامة»، كما أننا في دولة قوية تقود استراتيجية تنمية مستدامة وشاملة من خلال توفير الخدمات الاجتماعية للمواطن الذي يجب عليه بمعرفته ضمان التتابع في المناطق الموزعة بشكل عادل.
يتم تنفيذ كل مفاهيم «النموذج التنموي الجديد» (NMD)، من قبل «الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية» باعتبارها جزءا من الحمض النووي الخاص به، لذلك من الأسهل (نسبيا) بالنسبة للحزب العثور على الآليات المناسبة وتحديد الأولويات المخصصة للتغلب على هذا التحدي الاجتماعي بالطريقة المثلى من حيث الوقت والتكلفة. أخيرا، يجد هذا التوجه الجديد – يقصد النموذج التنموي الجديد – نشأته في بعض الإجراءات الإجتماعية التي بدأتها حكومة السيد «عبد الرحمن اليوسفي» والتي كانت بدايتها إنشاء نظام «الراميد» (Ramed) وتم تناولها في البرنامج الانتخابي للحزب خلا