لقد عملت الجغرافيا وكرس ذلك التاريخ، على أن تكون وجدة مدينة مغاربية بامتياز …لا يمكن للمغرب أن يندمج في محيطه المغاربي بدون تنميتها وتمكينها من القيام بوظيفة الربط والتواصل، التي هي من صميم مصيرها وقدرها …إن المغرب الكبير بقدر ما يمثل لسكان وجدة احد مستويات الانتماء الحاسمة على الصعيد العاطفي والوجداني، بقدر ما يشكل احد المداخل الأساسية والطبيعية للانخراط في الهندسة الجديدة للأوضاع الدولية كما تشكل اليوم، وهو بالنسبة لوجدة رهان حقيقي يجب استنهاض كل الوسائل في سبيل كسبه .
إن الموقع الاستراتيجي لوجدة، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار خاصيتها المتوسطية المنفتحة، سواء في علاقتها مع جيراننا في الجنوب الأوربي، أو في امتداداتها الاستراتيجية نحو الشقيقة الجزائر وباقي أشقائنا في دول المغرب الكبير، الأمر الذي يحتم استثمار هذا المعطى الاستراتيجي بما يجعل من هذه المنطقة نافذة للتقارب وجوا للاتصال والتواصل، على مستوى تمتين بناء آليات المغرب الكبير…
وهنا نتذكر، ونذكر أشقاءنا الجزائريين بدعم الشعب المغربي لهم والتضحيات التي قدمها دعما للثورة التي عاش كل مراحل صراعها منذ ثورة الأمير عبد القادر ووصولا إلى ثورة الفاتح من نونبر 1954، لقد كان الشعب المغربي ولا سيما سكان وجدة وجهة الشرق عموما، جزءا لا يتجزأ من الثورة الجزائرية، وكان دوما إلى جانب أشقائه في الجزائر في كل المراحل الصعبة من حياتهم، كما أن مدينة وجدة كانت النموذج الحي طول قرن من الزمن على هذا الدعم، فقد وقف سكانها مع الثوار وكان رجالاتها خيوط الربط بين الحركة النقابية والسياسية والحركة الوطنية في بلادنا…
وعلينا أن نتذكر اللحظة التاريخية التي طرح فيه الرئيس شارل دوغول تقسيم الجزائر وفصل صحرائها عنها، وكيف رفض المغرب خطة يمكنها أن تضعف من احتمال استرجاع الجزائر لاستقلالها وسيادتها على مجموع ترابها، ولهذا لا يمكن للمغرب أن يقبل موقف حكام الجزائر من وحدتنا الترابية، ونؤكد لأشقائنا في الجزائر بأنه الآن بدأت بوادر حل سياسي، فمن الحكمة والتعقل أن يقف حكام الجزائر موقفا إيجابيا، وعلى المواطنين أن يدفعوا في هذا الاتجاه ..
لقد أصبح التنسيق بين الدول المغاربية ضرورة تفرضها وحدة المصير المشترك وأهمية التكامل والاندماج المغاربي، فالتنسيق البناء وحده كفيل بأن يجنب دول المغرب النهاية المأساوية التي آلت إليها الكثير من الدول، ومن هنا نقول لأشقائنا الجزائريين بأن لا تنمية ولا تقدم لكم إلا بالتنسيق مع أشقائكم المغاربة، من هنا وجب التنسيق والمساهمة الفعلية والجادة في بناء مشروع المغرب الكبير لإخراجه من الجمود الذي يصل مؤهلاته ويعطل قدراته …
إن الشعب المغربي وحدوي، ظل دائما يضع الوحدة الوطنية والوحدة المغاربية فوق كل اعتبار، لهذا السبب فإننا نحرص على التأكيد على أهمية الاختيار السياسي كاختبار استراتيجي ومصيري، انه اختيار لا يقبل، في نظرنا المساومة بأي شكل من الأشكال. لقد مارس المغرب وطنية مفتوحة ومنفتحة على مختلف المكونات والجبهات والاختيارات التي تمنحها القوة، وقد ظل أفقنا في الفكر وفي الممارسة السياسية مشغولا بالأفق المغاربي، أفق الوحدة والتضامن، أفق البناء الديموقراطي، الذي يمنح للجميع إمكانية الفعل والمشاركة وبناء عناصر القوة الاقتصادية والسياسية المتكاملة …
إننا وما زلنا دائما نرى أن المغرب الكبير هو الفضاء الطبيعي والتاريخي والمساعد، الأكثر ملاءمة لحل إشكالات حاضرنا العالقة ، وعلى مختلف الأصعدة والمستويات وذلك بما يضمن تدارك أخطائنا وأشكال الخلل المحيطة بنا، من أجل تنمية بلداننا وجعلها في مستوى المنافسة الاقتصادية التي تتطلبها التحولات الاقتصادية الكبرى الجارية في العالم …
إن المغرب أبان غير ما مرة على انه بلد الحوار ونبذ التفرقة والعنف…وهو حين اختار هذا السلوك الحضاري الرفيع، فلانة يراهن على الغد، عبر طي صفحة المآسي بعقلية منفتحة وواعية برهاناتها المستقبلية، لا بعقلية الماضي المطمئنة إلى اللحظة التاريخية الثابتة، هذه العقلية التي تقف في تحد غير مفهوم، أمام مشروع الوحدة المغاربية، ذلك الأفق المشترك الذي ما زلنا نحلم به…