يصعب على المتابع لما يحدث في الشرق الأوسط تحديد الطرف المنتصر في هذه المواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. بطبيعة الحال، سارع كل طرف إلى مخاطبة رأيه العام ليُعلن عن «نصر ساحق» وإلحاق الهزيمة بالخصم. بل كان هناك توافق كبير على اخراج المسرحية، بشكل يسمح لكل طرف أن يروي حكايته وبالطريقة التي ترضيه إلى رأيه العام وحلفائه.
عملت إسرائيل على استغلال تفوقها الجوي والدعم الأمريكي لتوجيه ضربات موجعة للنظام في طهران وبرنامجه النووي، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدخل في اللحظة الحاسمة، وأوقف «المباراة»، رافعًا صوته فوق الحليف الإسرائيلي والخصم الإيراني ليقول للعالم إنه هو الحكم والوسيط وصاحب الكلمة الأخيرة دون أن ينسى تذكير باقي العالم أنه على رأس أقوى جيش على وجه الأرض.
سلوك ترامب كان شديد الواقعية وميكيافيليًا، حيث استعرض قوة الولايات المتحدة وتفوقها خلال ليلة واحدة، ثم طالب بفتح باب المفاوضات. من جهتها، لم تجد طهران خيارًا سوى القبول، بعد أن سمح لها ترامب باستعراض بعض صواريخها في الأجواء القطرية والعراقية، وسمح لإسرائيل بجولة «سياحية» أخيرة فوق الأجواء الإيرانية تم خلالها تدمير أحد الرادارات. وبالتالي اكتملت المسرحية ولعب كل طرف دوره حسب القوة التي يتوفر عليها.
بدت الإدارة الأمريكية وكأنها تطبق سياسة كيسنجر القديمة ،وهي نفس السياسة التي استخدمت أثناء حرب أكتوبر (رمضان)، عندما لعبت أمريكا دورًا في وقف الحرب دون إهانة أي طرف، مما مهد لاحقًا لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
أنقذت إيران نظامها من الانهيار، لكنها فقدت العديد من أذرعها في المنطقة. فبعد أن كانت قبل سنة ونصف تواجه إسرائيل على حدودها، أصبحت اليوم، ومن دون صواريخها الباليستية، عاجزة حتى عن خوض «مباراة شرف» أمام التفوق التكنولوجي الأمريكي الذي تحتمي به إسرائيل.
كما كشفت هذه المواجهة عن محدودية تحالفات إيران الإقليمية والدولية، فالحليف الروسي لم يقدم لإيران ما قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل. والمصريون سبق لهم أن خاضوا تجربة مماثلة مع الاتحاد السوفييتي في السبعينيات. الحليف الباكستاني هو الوحيد الذي ذكر واشنطن عن المخاطر الأمنية على المنطقة في حالة انهيار نظام طهران.
من المهم قراءة تداعيات هذه المواجهة على المنطقة، عسكريًا واقتصاديًا واستراتيجيًا، فما بعد المواجهة التي استمرت 12 يومًا، والتي غطت على بقية بؤر التوتر، وخاصة المجازر الإسرائيلية وحرب الإبادة بحق الفلسطينيين، عاد الحديث بقوة عن ضرورة وقف العدوان في غزة.
وتبقى قراءة العرب لهذه المواجهة ضرورية، بالنظر إلى دور كل من إيران وإسرائيل في النزاعات الإقليمية، سواء بشكل مباشر أو عبر الوكلاء. ويمكن القول إن بعض الدول العربية، خاصة دول الخليج العربي، حققت مكاسب غير مباشرة من دون الدخول في الحرب، أهمها: إضعاف الأذرع الإيرانية في المنطقة، تعطيل جزئي للبرنامج النووي الإيراني الذي يهدد أمن المنطقة، خصوصًا أمن بلدان الخليج العربي.هذه المواجهة كشفت أيضا هشاشة إيران وعجزها عن حماية اجوائها حيث تعرضت لاختراقات جوية وميدانية استمرت 12 يوما.
ورغم استمرار قدرات إيران الصاروخية، وقدرتها على الإطلاق رغم القصف، فإن هذه القوة تبقى معتمدة على المساحة الجغرافية الواسعة وطبيعة التضاريس واستعدادات طويلة لمثل هذه السيناريوهات، وهي نقطة القوة الوحيدة المتبقية لها.
لكن الهجمات الإيرانية بالصواريخ على قطر، والاعتداءات السابقة على السعودية والإمارات عبر الطائرات المسيّرة ووكلاء إيران، تطرح أسئلة كبيرة حول الأمن الإقليمي لبلدان الخليج العربي، وحول مدى نجاعة الاعتماد على القوى الأجنبية كخيار استراتيجي.
فإيران، إسرائيل، وتركيا كلها قوى إقليمية لا تؤمن سوى بمنطق القوة والردع. وهي تحديات جيوسياسية واضحة أمام الدول العربية، ولا شك أن المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية شكّلت درسًا مهمًا في هذا السياق.
هل إضعاف إيران هو الحل؟ وما مخاطر تعاظم نفوذ إسرائيل واستفادة تركيا من هذه الفوضى في المنطقة؟
قد تجد دول الخليج العربي نموذجًا مفيدًا في تجربة باكستان، التي نجحت في إدارة تحالفات مع أطراف متناقضة جيوسياسيًا للحفاظ على مصالحها. فبينما ترتبط بعلاقات وثيقة مع الصين اقتصاديا وعسكريا (التي تواجه الهند)، تحافظ أيضًا على علاقات استراتيجية (وإن تراجعت) مع الولايات المتحدة، إضافة إلى إيران ودول الخليج. وتبقى خارج محور التحالف الهندي – الإسرائيلي، وهي تجربة جديرة بالدراسة والتحليل الجيوسياسي بالمنطقة.
تداعيات المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية على المنطقة العربية؟

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي
بتاريخ : 05/07/2025