تدفع فئات عريضة لـ «التطبيع» مع المرض:تسعيرات «خيالية» لفحوصات طبية ومصاريف هزيلة مسترجعة ترهق صحة وجيوب المواطنين

باتت فئات عريضة من المغاربة تعزف عن التوجه نحو عيادات الأطباء والمؤسسات الصحية المختلفة من أجل القيام بفحوصات طبية للوقوف على وضعيتها الصحية، سواء من أجل تتبع تطور أمراض مزمنة وبالتالي الحد من أي مضاعفات محتملة، وهو ما ينصح به وقائيا، أو في حالة التعرض لبعض الوعكات، التي يمكن وصفها بـ «الخفيفة»، بالرغم من أنها يمكن أن تنطوي على تبعات ليست بالهيّنة، خاصة في ارتباط بأمراض صامتة قد يكون لها ما بعدها.
إحجام سببه الارتفاع الكبير في أسعار الفحوصات عند الأطباء المختصين، التي تنطلق من 250 درهما لتصل إلى حوالي ألفي درهم، حسب نوعية التخصص، دون احتساب ما يرافق هذه الخطوة من خطوات تكميلية أخرى، سواء تعلّق الأمر باختبارات الدم، أو بالأشعة عبر مختلف مستويات هذه الأخيرة، التي قد تنطلق بالفحص بالصدى، وقد تتجاوزه إلى «السكانير»، والرنين المغناطيسي، و «الماموغرافي»، والتصوير المقطعي باستعمال «البيتسكان» وغيرها، حيث ترتفع كلفة ملف طبي واحد إلى مستويات قياسية، لا يمكن لرب الأسرة توفيرها في ظل قدرة شرائية متدنية واستمرار ارتفاع الأسعار بشكل قياسي، علما بأنه يمكن لأكثر من فرد في الأسرة أن يصاب بعارض صحي داخل الشهر الواحد؟
وضعية تطرح أكثر من علامة استفهام، في زمن الحديث عن تعميم التغطية الصحية وفتح الباب أمام المواطنين من أجل الولوج السلس إلى الخدمات الصحية بعيدا عن كل القيود والإكراهات المادية التي تؤدي في نهاية المطاف إلى اتساع رقعة ودائرة انتشار الأمراض بمخلّفاتها وعواقبها، والحال أن ما يبقى على عاتق المريض وما يتحمّله من مصاريف مادية يثقل كاهل الكثيرين ويشكّل لهم عبئا كبيرا، في ظل استمرار الاحتكام لاتفاقية التعريفة المرجعية الوطنية الموقّعة في 2006، والتي هي بعيدة كل البعد عما يشهده المجتمع اليوم وما يعرفه قطاع الصحة من متغيرات، بشكل يجعل المؤمّن يتحمّل ما بين 50 و 60 في المئة من مصاريف كل ملف مرضي؟
مصاريف ثقيلة تجعل الكثير من المواطنين ينتقدون هذا الوضع ويطالبون الحكومة بالتدخل لتصحيح هذا الاختلال الذي يرهقهم صحيا وماديا، الذين لا يستوعب الكثير منهم كيف يمكن أن يسدد مبلغ 500 و 600 درهم، على سبيل المثال لا الحصر، لفحص قد لا تتجاوز مدته 5 دقائق، وفي ظل ظروف تطرح هي أيضا علامات استفهام عدّة، بالنسبة لبعض الأطباء لا الكلّ، وكيف أنه يجب أن يقوم بكل الفحوصات التي تتم مطالبته بها، داخل نفس البنية الصحية بالنسبة للبعض الذين لا يقبلون بتوجه مرضاهم إلى فضاءات ومختبرات أخرى، وفي نهاية المطاف يأتي التعويض هزيلا ليزيد في حجم معاناة المعنيين؟
إشكال إلى جانب إشكالات أخرى، كما هو الحال بالنسبة لمطالبة بعض المرضى بتسديد فواتير طبية مرتفعة القيمة ماديا بشكل صارخ، بمن فيهم الذين يتوفرون على تغطية ويمكنهم الحصول على «شهادة التحمّل»، حيث يجدون أنفسهم أمام وضعية غير مفهومة تتناقض مع ما يتم التصريح به رسميا، وهو ما يجعل حدّة الأصوات المنتقدة ترتفع لتطالب بحماية حق المواطن الدستوري في الصحة، وفي ان تكون في متناوله لا أن ترهق جيبه وكاهله، وهو ما يمكن للصناديق الاجتماعية ومؤسسات التأمين أن تكشف عنه بكل شفافية في إطار دراسة، وتعلن للجميع عن معدّلات أسعار بعض الفحوصات التي تفوق الخيال؟


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 03/06/2024