ترامب مهدد بخسارة «الإنجيليين» في انتخابات 2020

 

أثارت مجلة «كريستيانيتي تودي»، التي تتبنى الخط المسيحي «الإنجيلي»، الذي يوصف بـ»الصهيوني»، في الولايات المتحدة الأمريكية، ضجة واسعة، إثر نشرها مقالا على صدر صفحتها الأولى، لرئيس تحريرها، مارك غالّي، يطالب بإزاحة دونالد ترامب من البيت الأبيض.
واتهمت المجلة ترامب بارتكاب ممارسات لا تقل سوءا عن تلك التي اتهم بها الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، وتتعلق بفضيحة جنسية مع المتدربة بالبيت الأبيض «مونيكا لوينسكي».
وشدد «غالّي» على أن الوقت قد حان لتكرار ما طالبت به المجلة قبل 20 عاما، أي «عزل الرئيس».
ورغم انتقاده للطريقة التي يحاول الديمقراطيون من خلالها إسقاط ترامب، منذ فوزه بانتخابات عام 2016، إلا أن «الحقيقة التي لا لبس فيها»، بحسبه، تفيد بأن الأخير «حاول استخدام سلطته السياسية لإكراه زعيم أجنبي على مضايقة وتشويه سمعة أحد خصومه السياسيين»، في إشارة إلى المرشح الديمقراطي للرئاسة، جو بايدن.
وتابع: «هذا ليس انتهاكا للدستور وحسب، فالأهم من ذلك أنه عمل غير أخلاقي»، موضحا أن سبب عدم صدمة كثيرين إزاء ما فعله ترامب يكمن في أن «قيمة الأخلاق» برمتها تراجعت في عهده، مشيرا إلى العديد من الشواهد على ذلك، بدءا بتوظيفه وطرده العديد من المتهمين بارتكاب تجاوزات مختلفة، مرورا بأعماله الخاصة وعلاقاته مع النساء، وليس انتهاء بـ»سوء التصرف والأكاذيب والقذف»، التي تشهد عليها تغريداته على «تويتر»، بحسبه.
«ضربة موجعة»
واعتبرت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية موقف «كريستيانيتي تودي» ضربة موجعة لمساعي ترامب الفوز بولاية ثانية العام المقبل، قد لا تقل إيلاما عن إحالته للمحاكمة تحت قبة الكونغرس.
وأشار موقع «أكسيوس» إلى أن المجلة، التي يبلغ معدل عدد زوار موقعها الإلكتروني نحو 4.3 ملايين زائر شهريا، تخاطب الإنجيليين بشكل خاص، الذين يمثلون 25 في المئة من الناخبين الأمريكيين، والذين صوت أغلبهم، وبنسبة ساحقة ناهزت 81 في المئة، لصالح ترامب، في انتخابات 2016.
من جانب آخر، لفت تقرير لمجلة «ذا أتلانتيك» إلى أن موقع «كريستيانيتي تودي» انهار بعد ساعات من نشر المقال، جراء تدفق القراءات، ليظهر «غالّي» بعدها مباشرة على العديد من الفضائيات للحديث عن موقفه الجديد.
ورأى التقرير أن قراء المجلة هم في الغالب من الشريحة الإنجيلية «المثقفة»، إلا أنه اعتبر أن تسليط مختلف وسائل الإعلام الضوء على المقال، ودعوة «غالّي» إلى العمل بشكل منظم للحشد ضد ترامب، من شأنه سحب الكثير من الأصوات التي يعول عليها الأخير.
ويأتي هذا التطور بعد صدور عدة تقارير تؤكد أن مساءلة الرئيس في الكونغرس لم تحظ بعد بتأييد أغلب الناخبين الأمريكيين، ووسط مواصلة ترامب الاحتفاظ بالعديد من أوراق القوة التي تؤهله للفوز مجددا، ومنها الأداء الاقتصادي الجيد، وانقسام خصومه الديمقراطيين، ووقوف العديد من مجموعات الضغط «اللوبيات» في صفه.
وحدة ضد ترامب أم تأسيس للانقسام؟
وأجرت «ذا أتلانتيك» حورا مع «غالّي»، أشار فيه إلى أن دافعه الرئيسي لكتابة المقال يكمن في «توحيد صف المسيحيين»، قبل أن يتسبب الخلاف على تقييم أداء ترامب بتقسيمهم، إضافة إلى ضرورة اتخاذ الإنجيليين موقفا ينسجم مع مواقفهم السابقة بشأن أشخاص آخرين، ارتكبوا تجاوزات سياسية أو أخلاقية.
إلا أن «غالّي» لم ينكر في المقابل وجود خلافات بينه وبين زعماء آخرين للخط الإنجيلي في البلاد، لا سيما «صامويل رودريغيز» و»جوني مور»، اللذين أصدرا مؤخرا بيانا شديد اللهجة ضد مساعي الديمقراطيين عزل ترامب.
واستهجن كاتب المقال المثير للجدل اصطفاف الإنجيليين وراء الحزب الجمهوري، مؤكدا أن أيا من الحزبين لا يمثل القيم الأخلاقية التي تدعو إليه المسيحية، بحسبه.
بدورها، سلطت «واشنطن بوست» الضوء على رد ترامب العنيف، عبر تويتر، على المقال والمجلة، حيث اتهمها بالتوجه نحو أقصى اليسار، في محاولة منه لحشد الإنجيليين، الذين يميلون عادة إلى اليمين واليمين المتطرف، ضدها.
كما اتهم ترامب «غالّي»، دون تسميته، بسرقة ميراث مؤسس المجلة والمبشر الإنجيلي الشهير «بيلي غراهام»، الذي توفي العام الماضي، مؤكدا أنه أكثر رئيس مر على الولايات المتحدة خدمة للإنجيليين.
ولم ينف الكاتب، بحسب ما نقلت عنه الصحيفة، صحة ادعاء ترامب، إلا أنه وصف العلاقة بين الجانبين بأنها تشبه «علاقة امرأة بزوج يعتدي عليها، ولكنه ينفق عليها بشكل جيد في الوقت ذاته».
ولفتت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن «كريستيانيتي تودي» انتقدت سابقا عددا من مواقف وسياسات ترامب، «لكنها لم تجادل ضد رئاسته بهذا الشكل الصارخ».
كما أشارت إلى أن «فرانكلين»، نجل «غراهام»، هو من أبرز المؤيدين لترامب، ونقلت عنه مهاجمة «غالّي»، وزعمه أن والده لم يكن ليرض عما كتبه.
في المقابل، اعتبرت حفيدة الزعيم الإنجيلي الراحل، «جيروشاه دفورد»، في حديث لقناة «سي أن أن»، أن المقال «شجاع»، وأن جدها اتخذ دائما مواقف شجاعة.
نتاج لـ»الاستنزاف»؟
ورغم احتفاظ الجمهوريين بأغلبية في مجلس الشيوخ، من شأنها عرقلة قرار «العزل»، إلا أن الحزب الديمقراطي سلك مسارا «استنزافيا» منذ تفجر فضيحة «ابتزاز» ترامب نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في أيلول/ سبتمبر الماضي.
وانتقد رئيس مجلس الشيوخ، وزعيم الأغلبية الجمهورية، ميتش ماكونيل، مرارا، مساعي الديمقراطيين إطالة أمد المداولات في الملف تحت قبة الكونغرس، بهدف التأثير على شريحة أوسع من الناخبين، وممارسة أقصى درجات الضغط على ترامب وإدارته.
وتتعلق «قضية أوكرانيا» بتهديد ترامب بقطع مساعدات أقرها الكونغرس لكييف، في إطار استراتيجية أمريكية شاملة ضد سياسات روسيا «العدوانية» في أوروبا، في حال لم يطلق «زيلينسكي» تحقيقا ضد «بايدن» وابنه «هانتر»، بتهم فساد، للحد من حظوظ السياسي الديمقراطي البارز في انتخابات العام المقبل.
ووجه مجلس النواب، ذو الأغلبية الديمقراطية، رسميا، تهمتين لترامب، هما «سوء استغلال السلطة» و»عرقلة تحقيق الكونغرس» في القضية، وهو ما من شأنه إطلاق محاكمة رسمية، يكون فيها مجلس النواب بمثابة الادعاء، والشيوخ بمثابة هيئة المحلفين، وهي ثالث حالة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة، بعد كل من «أندرو جونسون» عام 1868، و»بيل كلينتون» عام 1998، فيما استقال «ريتشارد نيكسون» قبل أن يتخذ مجلس النواب قرارا بعزله.
«الإنجيليون» أبرز داعمي ترامب وحزبه
رغم طرح أوساط عدة، منذ عقود، تساؤلات حول الطائفة المعروفة بالتعصب الديني، ونفوذها في أروقة الحكم، إلا أنها باتت أكثر إلحاحا بعد قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، نهاية العام الماضي، ومغامرته بعلاقات واشنطن الاستراتيجية مع أنقرة، بسبب محاكمة الأخيرة للقس الإنجيلي «برانسون»، المتهم بقضايا تجسس وإرهاب.
وتدور في وسائل إعلام محلية وعالمية نقاشات حول طبيعة العلاقة بين الإنجيليين وترامب، وخلفياتها، ودور نائب الرئيس، مايك بنس، المنتمي للطائفة، في رسم ملامح المرحلة الغريبة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة، خصوصا مع اقتراب انتخابات الكونغرس النصفية، المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
ما هي الإنجيلية؟

تعني الإنجيلية، في الديانة المسيحية؛ «تعليم الإنجيل ونشره»، إلا أنها كلمة باتت تعبر عن طائفة لها معتقدات وتفسيرات دينية خاصة.
ظهرت الطائفة خلال القرن الثامن عشر، بعد انتشار تبني بعض الكنائس والحركات البروتستانتية هذا الاسم، لتمييزها بالتزمت الديني عن غيرها.
وتتمتع هذه الكنائس اليوم بانتشار واسع في الولايات المتحدة، إذ ينتمي لها نحو ربع الأمريكيين (80 مليون شخص تقريبا).
كما بات يُعرف الإنجيليون بـ»المسيحيين الصهاينة»، لدعمهم المشروع الصهيوني، ووجود العديد من التقاطعات بين مساعي الجانبين، وإن من منطلقات عقدية/أيديولوجية مختلفة.
ومنذ عقود، يدعم الإنجيليون عموما مرشحي الحزب الجمهوري، لكونهم «ملتزمين أكثر دينيا»، وفق الاعتقاد السائد.
وقد ظهر ذلك جليا في الدعم الكبير الذي حظي به ترامب في انتخابات عام 2016، التي أوصلته إلى البيت الأبيض.
ففي حين حصل «جورج بوش الابن» على 78% من أصوات أتباع الطائفة، في انتخابات عام 2004، و»جون ماكين» على 74% في انتخابات 2008، و»ميت رومني» على 78% في 2012؛ حصل ترامب على 81%، بحسب تقارير صحفية.
النقاشات الأخلاقية حول تأييد الإنجيليين لترامب
دعم ترامب، قبل وفي أثناء وبعد الانتخابات، أثار الكثير من الجدل في أوساط الإنجيليين، إذ كان من السائد القول عن الرجل أنه «لا يعرف أي آية من الإنجيل»، عدا عن فضائحه الأخلاقية.
وفي حين كشف القس الإنجيلي «جيم واليز»، مؤخرا، أنه لم يدعم الرئيس الأمريكي لأنه «يرتكب الفجور»، ادّعى زعماء دينيون آخرون أنه «تم الصفح عنه»، وأن تلك الشبهات حدثت في الماضي.
وفي حديثه لمجلة «بوليتيكو»، قال القس «توني بركينز»، إنه يتوجب منح فرصة أخرى للرئيس؛ «لأنه تولى قيادة أجندة الإنجيليين».

المعتقدات بشأن إسرائيل والقدس

يعتبر مراقبون أن الطائفة كان لها دور كبير في إعلان الولايات المتحدة اعتبار مدينة القدس الفلسطينية المحتلة، عاصمة لإسرائيل.
ويؤمن الإنجيليون بأن قيام دولة إسرائيل يأتي «وفقا لتعاليم الإنجيل»، وأن «المسيح»، سيعود للحياة بعد تجمع كل اليهود في تلك الأرض، واكتمال حدودها، أي على كامل تراب فلسطين التاريخية.
تكمن المفارقة في أن تلك العقيدة – رغم تقاطعها مع أهداف الصهيونية اليهودية – تتضمن الإيمان بأن المسيح بعد عودته، سيقضي على اليهود، متوجا بذلك «نهاية العالم».
قد لا تكون تلك أغرب المعتقدات الدينية السائدة في العالم، لكن الغرابة تكمن في أن يتبناها سياسيون يقودون دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية.
يشار إلى أن مراسم افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، شهدت قداسا للقس الإنجيلي المتعصب «روبرت جيفرس»، الذي يتبنى مواقف معادية للمسلمين، بل ولليهود.
وفي تصريح عقب فوز ترامب بالرئاسة، قال «جيفرس» لقناة «سي إن إن» الأمريكية: «على مر التاريخ، تعتبر القدس هدفا لليهود والمسيحيين»، في إشارة إلى دعمه موقف الرئيس الجديد من المدينة.
ترامب، الذي أكد في حملاته الانتخابية أنه سيعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أوفى بعهده للإنجيليين، الذين منحوه أصواتهم.
واعتبرت البروفيسورة «إليزابيث أولدميكسون»، الأستاذة بجامعة «نورث تكساس»، في تصريح، أن قرار ترامب ليس «سياسيا، وإنما امتثالا لمعتقدات الإنجيليين الدينية».
وأوضحت «أولدميكسون» أن «الصهاينة المسيحيون يؤمنون بأن الله منح الأرض المقدسة لليهود»، مشيرة إلى أن تلك الأرض تقع على ضفتي نهر الأردن.
تأثير مايك بنس

«بنس» الذي تولى سابقا ولاية إنديانا، وصف نفسه آنذاك بأنه «إنجيلي كاثوليكي»، ثم اتخذ صفات أخرى مثل: «المسيحي»، و»المحافظ»، و»الجمهوري»، لكسب شرائح أكبر من المجتمع.
وفي الرأي العام الأمريكي، يُعرَّف بنس بأنه «متدين»، و»محافظ»، و»لا يحب أن يكون وحده مع نساء أخريات»، و»يكره المثليين جنسيا».
ليس هناك أدنى شك في أن اختيار الرجل لمنصب نائب الرئيس الأمريكي، أرضى الشرائح المتديّنة بشكل عام، والإنجيليين بشكل خاص.
وفي تعليقه على هذا الاختيار، قال «ريتشارد لاند»، أحد مستشاري ترامب، إن «مايك بنس هو نموذج ذهب عيار 24، ويتحلى بما نود أن نراه في سياسي ينتمي للإنجيليين».
واليوم، تضغط الطائفة المتطرفة بكل قوة على البيت الأبيض، عبر «بنس»، من أجل الحصول على نتيجة بشأن القس «أندرو برانسون» الذي يخضع للمحاكمة.
انتخابات الكونغرس النصفية في الولايات المتحدة

تلعب الانتخابات، التي أشير إليها سابقا، دورا كبيرا في احتلال قضية «برانسون» أجندة البيت الأبيض، وأزمة بين دولتين حليفتين في إطار حلف شمال الأطلسي «ناتو».
فترامب، يسعى إلى مواصلة فترته دون معارضة شديدة من الكونغرس، وصولا إلى رئاسيات عام 2020، التي ينوي الترشح فيها مجددا، وسط مخاوف من تحقيق الحزب الديمقراطي فوزا كبيرا في الانتخابات المقبلة، الأمر الذي يدفعه إلى الحرص على أصوات الإنجيليين خصوصا، والمحافظين عموما.
لا يرغب الرئيس الأمريكي، ولا نائبه، خلال هذه الفترة الحرجة، في أن يسجّل عليهما فشل في قضية «برانسون»، التي تتبناها الشرائح الدينية، وهو ما سيترتب عليه ثمن باهظ في الانتخابات.

كيف يكسب الإنجيليون زخمهم العالمي؟

نشرت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن اكتساب الكنائس المحافظة زخما في جميع أنحاء العالم، لاسيما بعد أن أثمرت جهود الضغط التي بذلوها من أجل تبني قانون مناهض للإجهاض في ألاباما.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن الإنجيليين في ولاية ألاباما الأمريكية يحققون انتصارات هامة، حيث نجحوا في الضغط على إدارة ترامب بهدف سن أكثر القوانين تقييدا بشأن الحق في الاجهاض.
وحيال هذا الشأن، أفاد المتخصص في علم الاجتماع، فيليب غونزاليس، بأن أتباع الإنجيليين الراغبين في الحصول على السلطة المطلقة يسعون إلى الحفاظ على القائمة الطويلة من المقربين المحافظين من إدارة ترامب في سبيل تحقيق ثورة المحافظين التي يتطلعون إليها.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه القائمة تضم بالأساس نائب الرئيس مايك بنس، باعتبار أنه كاثوليكي اعتنق البروتستانتية الإنجيلية خلال فترة شبابه، إلى جانب المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة هاكابي ساندرز، التي سبق أن صرحت بأن «الله هو من أراد لترامب أن يصبح رئيسًا».
وأشارت الصحيفة إلى اليمين المتدين، بما في ذلك الكاثوليك المحافظين، قد يتلقون الدعم من قبل أطراف أخرى عرفت بانتمائها إلى الإنجيليين، على غرار وزير الخارجية النافذ مايك بومبيو، ووزير الطاقة ريك بيري، ووزيرة التربية والتعليم بيتسي ديفوس.
وحسب غونزاليس، فإن ديفوس «تقوم باتباع سياسة تعمل على تفكيك البرامج المدرسية ومنح الأفضلية للمدارس الخاصة».
وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة المتأثرة بظهور هذه التيارات التي تمزج بين السياسة والدين، لاسيما حركة الخمسينية أو ما يعرف بالعنصرة.
وقد ظهرت هذه الحركة في كاليفورنيا سنة 1906، لتمثّل آخر دعوة استيقاظ إنجيلية. وتعرف العنصرة انتشارا عالميا واسع النطاق وتجعل الكنيسة الكاثوليكية مثل تلك الموجودة في أمريكا اللاتينية، تتعثر في معاقلها التقليدية.
ووفقًا للموسوعة المسيحية العالمية، انضم أكثر من 600 مليون مسيحي إلى حركة العنصرة سنة 2017 في جميع أنحاء العالم مقابل حوالي 1.2 مليار شخص في الكنيسة الكاثوليكية.
وبحلول سنة 2050، من المحتمل أن تتجاوز حركة العنصرة المليار متابع بينما سيكون هناك 1.6 مليار كاثوليكي.
وأكدت الصحيفة أن هذه الحركة الدينية تمثل ظاهرة تواصل اجتياح النصف الجنوبي للكرة الأرضية. وقد برزت هذه الحركة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا بما في ذلك نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وفي منطقة البحيرات العظمى بشكل عام، حيث تخوض مواجهات مع المسلمين.
وإلى جانب الولايات المتحدة، تحوّلت دول أخرى على غرار البرازيل وكوريا الجنوبية لقوى تبشيرية نجحت في أن تحل محل المنظمات الأمريكية على أرض الواقع لمدة خمسة عشر سنة، كما كان الحال بالنسبة للنزاعات في العراق أو أفغانستان.
وبالنسبة لأمريكا اللاتينية، أصبحت قدرة كل من كنيسة العنصرة والإنجيليين المحافظين على التأثير السياسي جلية للغاية.
وقد مثّل انتخاب البرازيلي جايير ميسياس بولسونارو في 28 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي دليلًا حيا على النفوذ السياسي الذي اكتسبه هؤلاء المسيحيون المحافظون منذ خمسة عشر سنة.
ونقلت الصحيفة عن الباحث المتخصص في العنصرة يانيك فير قوله إن: «المنظمات التبشيرية الإنجيلية والتابعة لكنيسة العنصرة في الولايات المتحدة شاركت بشكل فعال في ما يسمى بالقوة الناعمة.
لقد كان هذا الأمر مجديا بشكل خاص في سياق الحرب الباردة والخوف من الشيوعية، حيث استخدمت العنصرة كحصن منيع أمام نشر بعض الإيديولوجيات السياسية، وتعتبر كوريا الجنوبية بلا شك المثال الأكثر وضوحا على تقسيم العالم إلى كتلتين».
وذكرت الصحيفة أن حركة العنصرة والحركات الإنجيلية تحولت إلى قوة سياسية في مطلع الألفية الجديدة.
وحيال هذا الشأن، علّق فيليب غونزاليس قائلا: «في الواقع، بدأ تسييس هذه الحركة بالفعل في عهد الرئيس رونالد ريغان.
وقد تمثّل هدف أولئك الذين دافعوا عن عقد نوع من «الانتخابات الإلهية» للولايات المتحدة في إعادة فرض المعايير المسيحية على المجتمع الأمريكي ومحاربة العلمانية».
وأوردت الصحيفة أن الثقل السياسي الذي اكتسبه الإنجيليون بدأ في الظهور للعلن خلال سنة 2004. وحسب يانيك فير، وقع الحفاظ على البرنامج الأيديولوجي والسياسي الذي تم تحديده خلال عهد ريغان، في فترة حكم جورج بوش أيضا إذ يقوم على «التركيز على القيم العائلية، ومكافحة الإجهاض وحقوق المثليين، ومعارضة نظرية التطور والدراسات الجنسانية.
وبحلول القرن الحادي والعشرين، باتت القوة المذهلة لحركة العنصرة ذات النشاط المتواصل داخل الأوساط الشعبية تكمن في قدرتها على التكتل، كما هو الحال بالنسبة للبرازيل، وهو ما يعتبر شكلا من أشكال الشعوبية».
وفي الختام، بيّنت الصحيفة أنه من هنا فصاعدًا، أصبحت مشاريع الغزو الخاصة بهذه الحركة الدينية ملموسة في الصين أو حتى في العالم الإسلامي.
ووفقا ليانيك فير: «يوجد بالفعل تركيز على الإسلام لاسيما في ظل فكرة أن الدول الإسلامية تشكّل بمثابة الحدود القصوى أين ستتم المواجهة الحاسمة».


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 24/12/2019