تركتُ نِصْفي مائلاً

1- تركتُني وذهبت

ذاهِبَة …
تركتُ وجهي معلّقاً
على مشجب الباب
تركت يدي مشغولةً
بالتَّرْبيتِ على كتفٍ مخْذول
تركتُ نِصْفي مائلاً
على سُطوحِ الجيرَان
ينتظرُ قُدوم الغِياب
تركتُ خطواتي
في ممرِّ البهْوِ الطَّوِيل
تذْرعُهُ في حيْرةٍ و ارْتباك
تركْتُ عيْنَيَّ …
بمحْجريْن غائريْنِ
خلفَ الثُّقْبِ الأسودِ المُريع
تركتُ المعنى واقفاً
على أطْراف ِأصَابِعي …
يريدُ الإرتماءَ في حضْنِ
الُّلغةِ العاريَة ،
تركتُني وذهَبتُ …
ذهبتُ هكذا …
بلا أطْرافٍ وبلا مَلامِح

2 – أيها العالم

صباح الخير … أيها العالم
كبُرتُ بما يكفي… لأرفعَ قبّعتي عالياً
للضاحكين والمجانين الهائمين
في عزلة الجبال البعيدة .
كبرت بما يكفي… لأحسدَ
اليرقاتِ الذاهبةَ إلى سمائها
واليعاسيبَ الغارقة في الطّين .
كبرتُ بما يكفي …
لأخرجَ من سُباتي الطّويل
و أُدَلٌي لسَاني في وجه سدَنتك الضّخام
وأفتحَ الخوابي المعتّقةَ لدِنان الكلام
وأهْمي … أهمي مثل مطر أخير.
درّبتني الحياة بما يكفي
لأنكأَها بالمجاز، و أزرعَ في وجهي
ابتسامةً لا تشيخ،
وأجعلَ لها غمّازتيْنِ تليقان بالفرح
وأضعَ أحمر شفاهٍ صارخٍ
نكايةً في ندوب الحياة
وألتقطَ لي صورةً لافتةً بجواركَ
أيّها العالمُ …
الطّاعنُ في الوُجود .

3- وجوه غائمة

تمُرُّ الوُجوهُ غائِمَةً في رأْسي … بِدُونِ ملامح
تَمُرُّ خُيوطُ النّورِ مُتعرِّجَةً تتراقص ،
تمُرُّ سحابَةُ أفكارٍ غَرْقى
تمرُّ أَسْرابُ الطَّيْرِ… مُهاجِرَةً
يمُرُّ ضبابٌ رمادِيٌّ جدًّا
تمُرُّ موسيقى الشبابِ صاخِبَةً
يمرُّ أَبِي بِشامَةِ ذِراعِهِ الأَيْسر
تَمُرُّ كلابُ القَرْيَةِ الضَّالَّةِ
تمُرُّ نِعاجُ الْخالَةِ رَبيعة تَثْغو
تمُرُّ شاحِنَةُ الفلاَّحاتِ المُلَثَّماتِ فَجْرًا
تمُرُّ عَرَباتُ الخُضَرِ وَ أَكْياسِ الْحَليبِ
يَمُرُّ التُّجَّارُ و الرِّياضيُّونَ
يمُرُّ الحَزانى والمُتْعبونَ
يَمُرُّ حامِلُ الصَّناديقِ الأقْرَع
تَمُرُّ جارَتي الْحامِلُ تَخْطُرُ مُتثاقِلَةً
أَمُرُّ بأَشْيائيَ الأُخْرى
وَ يَبْقى وَجْهُكَ … الْبَعيدُ في قَعْرِ الحُلْمِ ،
ثابِتا … لا يَريمُ ، لا يَتَحرَّك .


الكاتب : أمل الأخضر

  

بتاريخ : 07/06/2024