لماذا لم يتم إحداث مندوبية إقليمية للسياحة بخنيفرة؟ سؤال يتردد منذ سنوات طويلة على خلفية ما يزخر به الإقليم من مواقع طبيعية خلابة وثروات نباتية ومائية وحيوانية وسمكية، ومن مآثر تاريخية وزوايا صوفية وفنون شعبية فولكلورية، وصناعة تقليدية وحرف ومهارات متنوعة ومجالات لصيد وقنص الحيوانات والطيور البرية، وجبال ومعادن وغابات ومنتجعات وخيول ومحميات ومنابع وبحيرات ساحرة،
من العار أن يشكو إقليم خنيفرة من غياب بنيات تحتية أساسية لتنشيط دورة السياحة الجبلية، ذلك رغم تناسل فن الخطابة حول الألفية الراهنة وفك العزلة وتحريك عجلة التنمية وإنشاء ما يساهم في جلب السياح الذين يفضلون قضاء رحلة في أحضان الطبيعة ومتعة الجبال، وكم من لقاء برعت فيه كثرة الكلام حول إعداد بطاقات للمواقع والمؤهلات السياحية بالإقليم، وتشييد مآوي للاستقبال وفتح ما يجب من الطرق والمسالك، والقيام بعملية إحصاء للمناطق القابلة للتهيئة السياحية بغاية وضعها رهن إشارة المستثمرين والفاعلين الاقتصاديين والمنعشين السياحيين، مع تسهيل المساطر الإدارية في وجه المستثمرين، وخلق مدرسة فندقية لتكوين مرشدين للسياحة الجبلية ومدربين لإدارة المشروعات السياحية، والعمل على إحداث موقع الكتروني للتعريف بمقومات غنى الإقليم الواقع بجبال الأطلس المتوسط على ارتفاع 826 م فوق سطح البحر، ويشهد له التاريخ بمقاومته ضد الاستعمار الفرنسي وهزمه لقوات هذا الاستعمار عام 1914 بمعركة لهري الشهيرة.
ولم تأخذ سياسة التهميش حتى مشروع المخيمات الجبلية بعين الاعتبار، ويتجلى بأسف كبير ما حدث بالنسبة لمبادرة إحداث مخيم وطني قار بمنتجع أگلمام أزگزا الذي تعرض للإجهاض بسبب خلاف بين مصلحتي الشبيبة والرياضة والمياه والغابات، إذ لم يكن أي أحد من المهتمين يتوقع أن يقع هذا الإجهاض بعد سلسلة من المفاوضات والاستعدادات التي أوشكت على لمساتها الأخيرة بالإعلان عن صفقة بناء المخيم لاستقبال 300 طفل في كل مرحلة من المراحل الأربع (1200 في السنة)، ولعل ظهير أبريل 1943 الذي يصنف المنتجع المذكور تراثا إنسانيا كان وراء إلغاء المشروع الذي كان منتظرا أن يساهم في تحسيس الأجيال المغربية بمؤهلات الأطلس المتوسط الطبيعية ويشجع على تطوير السياحة الجبلية، وليس صدفة أن يقع اختيار المخرج السوري الكبير نجدت إسماعيل أنزور على منتجع أگلمام أزگزا لتصوير حلقات من مسلسله «المسلوب»، ولم يفكر أحد من الجهات المسؤولة في مبادرة ملموسة لتشجيع الاستثمار السينمائي بالإقليم الغني بمناظره وخصوصياته الفريدة.
الفردوس المطلق
وكان من الممكن تشجيع السياحة الجبلية على مستوى الإقليم بإعطاء طابع خاص للمواسم كموسم التفاح ومولاي بوعزة، ولم لا يتم التفكير في خلق مواسم أخرى من قبيل موسم خشب الأرز أو موسم الزربية المحلية؟، مع إنشاء مهرجانات للموسيقى الشعبية كأحيدوس وإنشادن وتماوايت، علما أن إقليم خنيفرة يتميز بكل المؤهلات التي تسمح له بإحداث فضاءات سياحية، فقط ينقص ذلك اهتمام الفاعلين والجماعات المحلية ومكونات المجتمع المدني بهذا المجال حتى يصير الإقليم قطبا سياحيا بامتياز، وأطلسا محافظا على طقوسه وعاداته وخصوصياته، وربما لم يلتفت أحد لبعض المبادرات الهامة من قبيل قيام ثلة من الفاعلين المجتمعيين بتأسيس جمعية لتسلق الجبال وآخرين أسسوا جمعية لأصدقاء هذه الجبال وأخذوا ينظمون المشي على الأقدام في ما يشبه دورات لإشباع رغبة الإطلاع الاكتشاف والمغامرة.
وإقليم خنيفرة ذو الطبيعة الجبلية والغابوية يتمتع بمنتجعات مدهشة، والمؤكد أن أكثرها جاذبية هو منتجع أگلمام أزگزا، إذ في هذا المنتجع ينصهر المرء في مناظر رائعة ومدهشة بين أشجار الأرز الشامخة وأصوات قرود المكاك ونسيم الهواء المنعش، هذا القلب النابض لجسد خط من المواقع الخلابة التي لا تقل عن منتجعات أخرى بالإقليم مثل ويوان، أجدير، عيون أم الربيع، أگلمام معمي، أگلمام سيدي علي، أگلمام أبخان، تگلمامين، أروگو، العنوصر، جنان إماس، وخاصية أگلمام أزگزا في كونه بحيرة صافية وعميقة رغم تراجع منسوب مياهها، تحتوي على أنواع سمكية نادرة، وهي ساحرة صيفا بظلال أشجارها ومناخها المنعش، وشتاء بثلوجها ومياهها اللامعة، أما فيما يخص علوها فيصل إلى نحو 1474 مترا على سطح البحر، وتبقى أساسا من المآثر التاريخية والمواقع المصنفة كإرث إنساني (ظهير بتاريخ 1943) (ج.ر، رقم 1757 في 28 غشت 1942)، وكغيرها من بحيرات الإقليم تبقى في حاجة إلى تهيئة فعلية بقصد جعلها قيمة مضافة إلى المنتوج السياحي.
وغير بعيد عن منتجع أگلمام أزگزا يقع منتجع أجدير الذي يحافظ على تواريخ هامة منذ زيارة محمد الخامس له حيث سهر على انضمام جيش التحرير إلى القوات المسلحة الملكية، ثم زيارة محمد السادس حيث ألقى جلالته «خطاب أجدير» ووضع طابعه الشريف لإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بتأكيده على أن الأمازيغية تشكل مكونا أساسيا من مكونات الثقافة والهوية المغربية.
ومن بين المواقع الرائعة الأخرى التي تؤهل الإقليم لأن يكون قبلة سياحية بامتياز، هذه عيون أم الربيع الجميلة بشلالها وفضاءاتها القصبية وأناسها الطيبين وخرير مياهها القوية وأحواض أسماكها من نوع «لاترويت»، ويقال بأن عدد عيونها 47 عينا، 7 عذبة والباقية مالحة، ومنها يولد نهر أم الربيع الذي يعد من أطول انهار المغرب، إذ يبلغ حوالي 560 كلم، ويصب في أزمور بالمحيط الأطلسي، ويحتوي على أصناف متنوعة ونادرة علميا من السمك النهري، وهو يخترق خنيفرة دون استغلال جنباته في أي مشروع للترفيه السياحي، ومن جهة أخرى يعتبر إقليم خنيفرة من النقاط ذات التنوع البيئي الغني، سواء على المستوى المناخي والنباتي والحيواني، إضافة إلى المؤهلات الجيولوجية من خلال ما يزخر به من مغارات وأحجار ومعادن وصخور متنوعة.
ومن أهم ثروات إقليم خنيفرة غاباته الغنية بتنوعها البيولوجي والنباتي، وتغطى أكثر من 40 بالمائة من المساحة الإجمالية للإقليم، أي بنسبة 526000 هكتارا، ويأتي شجر الأرز من أهم تشكيلاتها (65150 هكتارا) والبلوط الأخضر (265750 هكتارا) والفليني (11380 هكتارا) والصنوبر (11620 هكتارا) وسهوب الحلفاء (150000 هكتارا)، فيما تصل المساحة المغطاة بباقي التشكيلات نحو 20000 هكتارا، وإذا كان شجر الأرز كنوع نباتي وذاكرة وثروة طبيعية ذات بعد ثقافي، فإنه يعتبر»ملِك الشجر» بامتياز على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط، خصوصا بديودار وقبرص ولبنان، هذه الأخيرة التي تحمل علما وطنيا تتصدره شجرة أرز رغم أن أطلس المغرب يتوفر على أكبر غابة للأرز في العالم (80 بالمائة من مساحة 133650 هكتارا مغطاة بهذه الشجرة)، وكل حديث عن الغابة يتجلى الحديث عن القرد مكاك «زعطوط» الذي لا وجود لنوعه إلا بالأطلس المتوسط وجبل طارق وإقليم التبت بالصين، فضلا عن تميز الإقليم بأصناف مختلفة من الوحيش.
وبناء على الاتفاقيات الدولية التي نادت بالدفاع عن التنوع البيولوجي، ومنها أساسا مبادرة الاتحاد العالمي لصون الطبيعة والصندوق العالمي للطبيعة، هذه التي وضعت عام 1980 استراتيجية عالمية للمحافظة على الطبيعة، تلتها اتفاقية قمة الأرض المنعقدة في ريوديجانيرو عام 1992 حيث تبنت عدة دول، منها المغرب، هذه الاتفاقية الشاملة التي دعت إلى حماية التنوع البيولوجي كقيمة محورية في الحياة، فكرت مصالح المياه والغابات في إحداث «المنتزه الوطني» كمشروع هام بالنسبة لما يحتوي عليه من نباتات (تتجاوز ال400 نوع) وحيوانات (26 نوع من الثدييات) وطيور (98 نوع)، والدور الذي يلعبه هذا المنتزه على مستوى السياحة البيئية انطلاقا من الطبيعة الغنية بالنظم البيئية الفريدة، وكذلك من أهمية المنتزهات في صون الكائنات الحية من الانقراض والحفاظ على قيمتها الإيكولوجية والجينية والاقتصادية والعلمية والتعليمية والترفيهية، وكذا حماية المنظومات الطبيعية ذات القيمة المهمة، ويمتد «المنتزه الوطني» على مسافة 55 ألف هكتار ما بين إقليمي خنيفرة والراشيدية.
التنوع الخالد
وإن إقليم خنيفرة إذ يقترح على المولعين بالسياحة الجبلية رياضات تتراوح بين تسلق الجبال والتزحلق على الجليد بالمساحة الممتدة من أجدير إلى تونفيت وجبل العياشي، فهو يتوفر بالتالي على مؤهلات كبيرة يمكن أن تجعله من أشهر مناطق السياحة الجبلية، والبداية من مآثره التاريخية وزواياه الصوفية إلى مكانته في مجال الرماية والفروسية وتربية الخيول التي سوف يحبها السائح، إضافة إلى غناه الفولكلوري الأصيل ونجومه الفنانين الذين حفروا أسماءهم بقوة على كامل التراب الوطني والدولي من أمثال رويشة ومغني وعروب وحادة وعكي وتافرسيت والشريفة ونعينعة وعمران وأزلماط والمايسترو موحى والحسين وغيرهم، ويصعب الحديث عن مؤهلات إقليم خنيفرة دون الإشارة إلى صناعته التقليدية المتمثلة في الفخار والخزف والخيام والسروج والنقش على الخشب والأحجار، ثم القفطان والشربيل والحنبل وأبوقس وتاميزارت والزربية التي تبقى الرمز الخالد للإقليم والمستقطب للعديد من سياح الداخل بالنظر لتنوع هذا المنتوج وألوانه الأصيلة وتشكيلاته الزخرفية وصوفه الخالص، ويبقى المنتوج من الأشياء القيمة التي يتداخل فيها الثقافي والاجتماعي وتنقصها فقط فضاءات ومبادرات تقربها من السائح وتعمل على تسويقها وطنيا وعالميا، وكل ملاحظ يقوم بتحديد حاجيات هذا المنتوج يقول بأن الجهات المعنية لم تحقق نداء صناع وتجار الزرابي بتخصيص سوق لائق بالمنتوج وقريب من السائح.
وإذا كان المغرب يجتهد في استغلال الإمكانيات التي يتوفر عليها من أجل بلوغ 10 ملايين سائح في أفق 2010، فلا يزال لم ينجح في تقوية السياحة الجبلية بالمدن التي هي مجرد نقط عبور فقط رغم ما تتوفر عليه من مقومات ومؤهلات يمكنها إنجاح الرهان السياحي المشار إليه، والملاحظ بشدة أن أصحاب القرار لم يفكروا بشكل جدي في الخروج بدراسة تتعلق بالسياحة الجبلية أو سن استراتيجية تنموية تروم الاهتمام الفعلي بمجال السياحة بإقليم مثل خنيفرة محكوم عليه ب«الإقصاء المؤبد»، على الأقل من باب تمكين الجانب السياحي من المساهمة في النهوض بهذا الإقليم وتأهيله في أفق تحقيق التنمية المنشودة على المستوى السوسيواقتصادي، ولعل العديد من الاجتماعات واللقاءات التي عقدت في هذا الشأن لم تخرج نتائجها إلى حيز الوجود، أو بمعنى آخر بقيت مجرد أصوات بين أربعة حيطان، وكما ظلت حكاية مشروع سياحي بعيون أم الربيع بلا مصير واضح فمن المؤكد أن خبر حلول رجل أعمال خليجي بالمدينة لأهداف تتعلق باستثمارات سياحية سيبقى أمره أيضا عبارة عن سحابة صيف، ولا محالة في أن التخوف والقلق قد يكبر بين المهتمين مع عدم إيلاء الجهات المسؤولة موضوع السياحة الجبلية أي اهتمام أثناء مناقشة اتفاقية شراكة تأهيل وتنمية الإقليم، خلال الفترة الممتدة ما بين 2008 و 2011، والتي ترأس الملك محمد السادس حفل التوقيع عليها بغلاف مليار و271 مليون درهم.
إن المؤهلات السياحية لإقليم خنيفرة كثيرة ومتنوعة، فإلى جانب كل ما سبق ذكره، هذه قصبة موحى وحمو الزياني المصنفة إرثا إنسانيا(ظهير بتاريخ 26 دجنبر 1933) (ج. ر، رقم 1114 في 28 غشت 1942)، ثم قنطرة مولاي إسماعيل والزاوية الناصرية والزاوية الدلائية، ثم المدينة المكتشفة بضواحي أروگو، ويعنى بها مدينة «فازاز» المذكورة في كتب التاريخ القديمة، إذ منذ اكتشافها ظل أمرها في بدايته إلى الآن رغم ما يدل فيها على وجود أثار لها قيمة تاريخية لم يهتم بها أحد من المعنيين بالأمر، اللهم إلا من بعض المثقفين والباحثين المحليين الذين يذكرونها من حين لآخر عبر وسائل الإعلام أو يجمعون ما يتعلق بها من معلومات ومعطيات تاريخية، وما تزال صامدة بقلاعها وحصونها إلى اليوم، وقد عثر بها الباحثون على أدوات فخارية وأشياء تتعلق بالخيول وقطع نقدية مطبوعة في عهد يوسف بن تاشفين وأخرى يهودية، ومن حق كل الباحثين الانتباه لما يكتنزه إقليم خنيفرة من موروث اركيولوجي انطلاقا من اكتشاف المدينة الأثرية وقبلها اكتشاف بقايا ديناصورات بميدلت، ويتأسفون في الوقت ذاته إزاء مشروع متحف كان من المقرر أن يتم إحداثه بخنيفرة فتم تحويله إلى مدينة أخرى في ظروف فوتت على إقليم خنيفرة فرصة الاستفادة من هذا المتحف في مستقبل مشاريعه السياحية.
التأهيل المنتظر
وفي إطار برنامج تأهيل وتنمية إقليم خنيفرة الذي أعطى انطلاقته جلالة الملك محمد السادس بمبلغ مالي إجمالي بلغ 1,271 مليار درهم، يذكر أن السلطات الإقليمية اهتمت بما يدفع في اتجاه النهوض بقطاع السياحة، إذ لم يفت عامل الإقليم عقد اجتماع تحت رئاسته قبل عدة أشهر، وحضره عدد من المهتمين بالشأن السياحي، وبحسب تقرير في الموضوع فقد تمت دراسة إعادة التموقع السياحي على صعيدي الجهة والإقليم، وقد كلف المركز الجهوي للاستثمار للقيام بهذه الدراسة التي ترمي أساسا إلى تسويق المنتوج السياحي ووضع تصميم إنعاش وتشجيع عملية جدب السياح إلى جهة مكناس تافيلالت، وفي هذا الصدد تم تحديد ثلاث مناطق مختلفة للتدخل باعتبارها تزخر بمؤهلات وموارد طبيعية مهمة، من بينها منطقة الأطلس المتوسط التي ينتمي إليها إقليم خنيفرة، وخلال «لقاء العمالة» تم الخروج بعدة مقترحات للنهوض بهذا القطاع، منها القيام بدراسة فضاء سياحي بعيون أم الربيع، وربط أجدير بالطريق الوطنية رقم 13، وتهيئة وادي أم الربيع لممارسة مختلف الرياضات المائية، وتقوية المسالك المؤدية لمدارات سياحية ذات الأولوية، مع إحداث مدرسة لتكوين مرشدين سياحيين بالجبال، وإصلاح الدور الغابوي الذي طاله الإهمال ووضعه رهن إشارة المعنيين بمشاريع سياحية خاصة، فضلا عن تشجيع مشاريع «عند الساكن» على طول المدارات السياحية، واتخاذ التدابير اللازمة من طرف الوزارة الوصية لأجل تشجيع سياحة الإقامة بالمنطقة عوض سياحة العبور.