الألبوم يضم دويتو «كاش كاش» مع زكرياء الغافولي
الفنانة الرائدة جنات مهيد، اسم يعكس جوهر الأصالة والتجديد في سماء الأغنية العربية.
بصوتها الدافئ وإحساسها المرهف، استطاعت جنات أن تخط مسارا فنيا فريدا، متجاوزة الحدود الجغرافية لتصل إلى قلوب جمهور واسع في شتى أنحاء العالم العربي.
جنات كما يجمع النقاد والمهتمون، فنانة تملك رؤية عميقة تتجلى في كل عمل تقدمه، ساعية دوما لتقديم محتوى فني يثري الذائقة الموسيقية ويلامس الوجدان.
في هذا الحوار ، تلقي جنات الضوء على ألبومها الجديد «ألوم على مين»، كاشفة عن معانيه الخفية وارتباطه بتحولات شخصية عميقة تعيشها.
تتطرق الفنانة جنات بشفافية إلى خياراتها الفنية الجريئة، مثل التعاون مع أسماء جديدة في الساحة، مؤكدة أن جودة العمل هي المعيار الأوحد لديها، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى،و تناقش بوعي وحكمة التحديات التي يفرضها العصر الرقمي وتغيرات الذوق العام، مبدية ثقتها المطلقة في قوة الفن الأصيل الذي يتجاوز الموجات اللحظية.
وتبرز جنات في هذا اللقاء رؤيتها لدور الفنان في زمن يتقاطع فيه الإبداع البشري مع الذكاء الاصطناعي، مؤكدة أن الإحساس هو جوهر الموهبة الذي لا يمكن تقليده.
هذا الحوار لا يقدم فقط لمحة عن أحدث أعمال جنات، بل هو نافذة على عقل فنانة أصيلة، تجيد قراءة المشهد الفني وتبشر بمستقبل واعد للأغنية العربية
p في أغنية «ألوم على مين»، يبدو العنوان وكأنه سؤال موجه للذات لا للآخر، هل كنتِ تبحثين عن مساحة اعترافية داخل الألبوم، أم أن العنوان مجرد تمويه شعري؟
n فعلا كما تفضلت، وقد أصبت في ذلك. فموضوع هذه الأغنية يسير في هذا الاتجاه كما جاء في السؤال، موضوع موجه إلى الذات، بل أكثر من ذلك نجد كلمات الأغنية تجلد الذات، والعنوان يلخص هذا الأمر.
p تتعاونين هذه المرة مع عدة أسماء، ربما منها غير المعتادة في الساحة. هل كان هذا الخيار ناتجا عن وعي بالمأزق الذي تعيشه الأغنية الكلاسيكية الحديثة، أم أنه مجرد رهان على التنوع؟
n ليس لأول مرة أقوم بذلك. طيلة مسيرتي الفنية كنت أشتغل بهذه الطريقة، وأتعاون مع أسماء جديدة. أنا لا أعتمد على الاسم، بل ما يهمني هو الأغنية وجودتها، وحين تعجبني أغنية أتمسك بها بغض النظر عن كاتبها أو ملحنها أو موزعها. ليس شرطا أن أتعامل مع نفس الأسماء التي اشتغلت معها سابقا في إنتاجاتي الفنية.
p خلال السنوات الخمس الماضية، شهدنا تحولات حادة في الذوق العام، وصعود «الموجات اللحظية». كيف تصفين علاقتك اليوم بـ»ذوق الجمهور»؟ وهل تراهنين عليه أم تتفادينه؟
n فعلا، خلال السنوات الخمس الماضية كان هناك خلل، ولم نكن نستوعب بما فيه الكفاية ما يجري ويحدث، ولم نكن نعرف إلى أين تسير الأمور وهذه «الموجة» وأين تنتهي. لكن لحسن الحظ، لم تستمر طويلا، وأحسسنا أن الأمور بدأت تعود إلى حالتها الطبيعية.
علاقتي بذوق الجمهور الحالي قوية، وأجس النبض من خلال التطبيقات التي تطرح فيها أعمالي الفنية، إذ أجد أغاني أديتها منذ عشرين سنة منتشرة أكثر في هذه التطبيقات، بل أصبحت «ترند» ومن أكثر الأغاني متابعة. وهذا ما منحني ثقة كبيرة، لأن ذوقي لا يختلف عما يقدم حاليا، طبعا مع الحرص على التجديد، وأن يشكل العمل إضافة ليس فقط لريبرتواي الفني، بل للأغنية العربية بشكل عام.
أنا حريصة على الاستماع إلى كل جديد، وعلى تطوير نفسي موسيقيا وموضوعاتيا. المواضيع التي تطرقت لها سابقا كانت سابقة لزمانها، وهي اليوم تجاري ما هو مطروح، بل من بين أكثر المواضيع التي يستمع إليها الجيل الحالي.
p يتضمن الألبوم أغنية بعنوان «يما قالولي»، وهي محملة بدلالات كثيرة. هل كان هذا الاختيار محاولة للخروج عن المألوف أم مجرد توظيف درامي للكلمات؟
n هي أغنية إن شئنا القول درامية رومانسية حزينة، تتحدث عن الاشتياق بعد الفراق، على عكس أغنية «ألوم على مين» التي تبدو فيها الشخصية قد أساءت الاختيار ولم تعبر عن رأيها أثناء الانفصال عن الشخص الذي تعلقت به. أما في «يما قالولي»، فهي اشتياق لحالة رومانسية كانت فيها الشخصية. هي أغنية جديدة سواء من حيث الكلمات أو من حيث اللحن، الذي هو مميز وجديد «بزاف» ، وبموسيقى إيقاعية جذابة.
p طرحتِ فكرة إصدار الأغاني تباعا، وليس دفعة واحدة. ألا ترين في ذلك تهديدا لفكرة الألبوم ككل متكامل؟ أم أن «التقطيع الزمني» جزء من إستراتيجية فنية واعية؟
n إصدار الأغاني الخاصة بالألبوم دفعة واحدة أو تباعا، سؤال أطرحه على نفسي بدوري.
شخصيا، أنتمي إلى المدرسة القديمة، وأفضل متابعة مسار كل الأغاني مرة واحدة لتتاح لي فرصة تقييمها.
عندي حنين لذلك، وأميل إلى إطلاق الألبوم دفعة واحدة. سأطرح أول أغنية يوم 23 يوليوز2025، وأتوقع طرح باقي الأغاني يوم 30 من نفس الشهر، وهذا هو الأقرب حاليا، رغم أنني لم أحسم في القرار بعد بشكل نهائي.
p «أشيك واحدة» و»مبسوطين»، هل يمكن اعتبارهما نمطا خفيفا يغاير ما اعتاده جمهورك منكِ؟ هل هي محاولة للخروج من النمطية أم استجابة لضغط السوق والإذاعات؟
n«أشيك واحدة»، و»مبسوطين»، و»النص اللي يخص» كلها أغاني رومانسية مليئة بالمشاعر والإحساس، وفي نفس الوقت «مفرفشة» كما يقال، وأغان صيفية. مختلفة من حيث المواضيع، وهي من أقوى أغاني الألبوم، وأتوقع لها نجاحا كبيرا، أعتبرها من أكثر الأغاني التي ستبرز هذا الصيف في الساحة الفنية.
p أعلنت نفيك لإشاعة الترحيل من مصر، لكن هل أثرت هذه الضجة على مناخك النفسي أثناء العمل على الميكساج أو تحضيرات الإطلاق؟ وهل هناك جزء من الأغاني يترجم هذا القلق؟
n إشاعة ترحيلي من مصر لم تزعجني، بقدر ما أضحكتني. لم أسمع بها إلا عندما اتصل بي السفير المغربي في مصر للاطمئنان والاستفسار عن الأمر، فأكدت له أنها إشاعة لا أساس لها من الصحة، وأخبرته أنني منكبة على الاشتغال على ألبومي الجديد.
لم أهتم بها صدقا، وكما تعرف شخصيتي، هناك دائما من يسعى لإثارة البلبلة، لكنني أفضل أن تكون أعمالي الفنية في الواجهة، لا هذه الأمور الجانبية.
p ألبومك السابق «أنا في انتظارك» كان يحتفي بالحنين، هل «ألوم على مين» يمشي في ذات الاتجاه، أم على العكس أكثر صرامة؟ وهل يشكل ذلك انعكاسا لتغير داخلي أم لضرورات المرحلة؟
n فعلاً، «أنا في انتظارك» كانت قريبة من شخصيتي القديمة. أما الآن، فأشعر بأنني تغيرت، شخصيتي تغيرت، بل حتى شكلي تغير. وأغنية «ألوم على مين» تعكس هذا التحول، وتعبر عن هذه الشخصية الجديدة التي أصبحت عليها.
p.في زمن تهيمن فيه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي حتى على الصوت، ما الذي تعتقدين أنه ما زال «يدويا» وصادقا في صوت جنات في هذا الألبوم؟
n عند ظهور الذكاء الاصطناعي، كان الأمر مرعبا في البداية، لكنه، كما له إيجابيات، له أيضا سلبيات.
نعم، انبهرنا به أولا، لكن بمرور الوقت أدركنا أن لا شيء يعوض الإنسان.
الإحساس لا يمكن تعويضه، لأنه موهبة ربانية، ولا يمكن محاكاته.
في البداية كان هناك انبهار عام، لكن اليوم أصبحنا نتعامل معه كأداة فقط. حتى الناس أصبحوا يميزون ويدركون الفرق، وأصبحت علاقتنا به «نلعبو به وخلاص».
n في الريبرتوار الخاص بجنات مهيد العديد من الأعمال باللهجة المصرية، لكن بالمقابل ليس هناك حضور مواز ووازن للأغنية المغربية. لماذا هذا التقصير؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء ذلك؟ أم أن الأغنية المغربية لم تعد مغرية؟
n بالعكس، الأغنية المغربية اليوم أكثر جاذبية وانتشارا، والجمهور المغربي من أكثر الجماهير تفاعلا.
لهذا نجد كثيرا من الفنانين العرب يسعون إلى أداء الأغنية المغربية لكسب جمهورنا. لكنني لست من النوع الذي يقدم أعمالا فقط من أجل الانتشار.
ما يهمني هو الجودة، وهذا سبب تأخري في هذا الجانب.
حين زرت المغرب، قدمت أغنية «واحدة واحدة»، وقد لاقت استحسانا كبيرا وأديتها في مهرجان موازين.
الألبوم الجديد يتضمن دويتو مع زكرياء الغافولي، وجاء التعاون بيننا لأن أسلوبه قريب من أسلوبي والعكس صحيح. كل منا أخذ شيئا من الآخر، وأنتجنا عملا له بصمته الخاصة بعنوان «كاش كاش».