احتلت عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان المرتبة السابعة ضمن قائمة ترتيب عمالات الدارالبيضاء حسب السكان باحتضانها لـ 224 ألفا و 72 نسمة من مجموع ساكنة الجهة، وذلك على امتداد جغرافي تقدّر مساحته بـ 17.9 كيلومترا مربعا، وهو ما يبين حجم الاكتظاظ والاختناق الذي تعرفه هذه الرقعة الجغرافية البيضاوية، التي تعدّ نقطة عبور وشريان أساسي في شبكة التنقلات على مستوى المدينة، وتشكّل قبلة يومية لمواطنين من مختلف المناطق بفعل احتضانها لمجموعة من الأسواق والقيساريات، التي تتوزع ما بين تلك المتواجدة في محيط كراج علال وعلى امتداد شارع محمد السادس والأزقة المتفرعة منه، وصولا إلى «الحدّادة» و «البيّاضة» في اتجاه درب عمر، دون إغفال سوق الغرب المعروف بـ «جميعة»، وسوق التمور على مستوى حي عمر بن الخطاب، وسوق الأثواب بحي الفرح، وسوق القريعة الشهير، وسوق الدراجات النارية، والفحم، والحبوب، مع استحضار المحطة الطرقية لأولاد زيان، وغيرها من المواقع ذات الأثرين التجاري والاقتصادي التي تتواجد بتراب العمالة.
«تمدد تجاري» مقابل انكماش مجالي، يجعل ساكنة درب السلطان لا ينالها من هذه «الدينامية» الاقتصادية والمرورية، إلا التلوث والاختناق والضجيج والمزيد من الهشاشة، التي تنعكس على واقع معيشها اليومي، في ظل ظروف اجتماعية جد صعبة بفعل اتساع رقعة البطالة وأمام استمرار ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء، والتي تتضح معالمها كذلك على بنيتها العمرانية التي تحتضن عددا كبيرا من الدور المتداعية للسقوط، التي تتهاوى بين الفينة والأخرى، متسببة في المزيد من الصعوبات، المادية والمعنوية، فضلا عن المخاطر الأخرى التي يمكن أن تكون سببا فيها؟
مشاكل بتبعات متعددة، ظلت العمالة لسنوات غير معنية بمعالجتها، وهو ما يتضح للجميع، من خلال ضعف المرافق الاجتماعية والتنموية والثقافية والرياضية، المعدودة على رؤوس الأصابع، والتي يُطرح بشأن تدبير بعضها الكثير من علامات الاستفهام، مما يجعل أطفال وشباب وفتيات ونساء المنطقة محرومين من فضاءات يمكنها أن تحتضنهم وتساهم في تطوير ملكاتهم في مختلف الحقول والمجالات، وكذا من خلال «الأوراش» الجامدة والمؤجلة إلى تاريخ غير محدد، بما فيها «الكبرى» منها التي باتت عبارة عن «أطلال»، وتكفي جولة بمحيط أولاد زيان للوقوف على بعض الأمثلة، التي ينضاف إليها إشكال «هيكلة الأسواق»، والمشاكل المرتبطة بتدبير ملف «ساحة سيدي محمد بن عبد الله»، ومسجد السنة وغيرها…؟
تدهور معيشي تتسبب فيه العديد من الاختلالات مما يؤدي كذلك إلى ارتفاع أعداد المصابين بأمراض مختلفة، على رأسها الأمراض الصدرية والتنفسية والحساسية إلى جانب مرض السل، بسبب وضعية السكن، وغياب «متنفسات بيئية»، فالفضاءات الخضراء معدودة على رؤوس الأصابع وتعيش حالة «تقزيم» و «حصار»، مما يؤدي إلى استمرار ارتفاع معدلات التلوث التي تؤثر على جودة الهواء والحياة بشكل عام. ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ بل تنضاف إلى كل هذا وذاك مظاهر أخرى من اللامبالاة، التي هي خلاصة تدبير المرحلة السابقة، سواء تعلق الأمر باستمرار احتضان إشكالية المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء، والحوادث المختلفة التي رافقت هذه الخطوة، حتى بعد «ترحيلهم» من محيط أولاد زيان قبل أشهر قليلة نحو أحياء أخرى بنفس التراب، أو بارتفاع حجم المصابين بأمراض نفسية وعقلية الذين يجوبون طرقاتها بشكل مستمر وغير مفهوم، مشكّلين خطرا كبيرا على أنفسهم وعلى الغير، أو من خلال كمّ المتسولين والمخدّرين الذين احتلوا كل مكان من شبر «العمالة»، والكلاب الضالة، واحتلال الملك العمومي الذي يتم تحرير بعضه «مناسباتيا»، وغيرها من المظاهر الشائنة التي تجعل هذه المنطقة تعيش على إيقاع المتناقضات وعلى تفاصيل عدد من الظواهر الإنحرافية؟
تعاني فقرا تنمويا ومجاليا : درب السلطان .. عمالة في قلب الدارالبيضاء تعيش الهشاشة والاختناق
الكاتب : وحيد مبارك
بتاريخ : 28/11/2024