تعطيل الدستور بقرار إداري غير جائز قانونا لأنه يعطل مبدأ تراتبية القوانين

في بداية حملة التلقيح التي أطلقتها الدولة بعد تمكنها من الحصول على عدة أنواع من اللقاحات ، دشنت الأطر القانونية ومعها الرأي العام نقاشات عمومية حول المبدأ ، أي هل اللقاح سيكون إجباريا أم اختياريا ، فخرجت الحكومة عن صمتها و صرحت بأن اللقاح سيكون اختياريا ، إلى حدود هذه اللحظة الأمور عادية و اللقاح اختياريا.
إلا أن الأحداث ستعرف منعطفا قانونيا و حقوقيا خطيرا أسميناه حينها -شرود قانوني و حقوقي – ، إذ أنه و بناء على قصاصة وكالة الأنباء الرسمية مفادها أن الحكومة قررت إجبار المرتفقين للادلاء بجوائز التلقيح الولوج للمرافق العمومية .
و من أجل أجراة هذه القصاصة مجهولة المصدر و السند القانوني ، أي هل يتعلق الأمر بقانون أو مرسوم أو منشور حكومي أو قرار إداري أو غيره ، عملت بعض المسؤولين الوزاريين على إصدار مذكرات بهذا الشأن ، فطفى النقاش من جديد حول سؤال المشروعية و الشرعية القانونية.
فالحكومة تستند في قرارها على المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ23 مارس 2020 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية الذي أسند في مادته الثانية للحكومة الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية و تحديد النطاق الترابي لتطبيقها و مدة سريانها و الإجراءات الواجب اتخاذها, كما أسند لها ان تاحد بموجب مراسيم و مقررات تنظيمية و إدارية أو بواسطة مناشير و بلاغات ، كل التدابير اللازمة لمواجهة الحالة .
إلا أن ما استفدت عليه الحكومة يصطدم مع ما سبق و ان صرحت به الحكومة من اعتبار التلقيح اختياريا ، و بالتالي اعتماد إجبارية الجواز دون إجبارية التلقيح يسقط الحكومة في فخ الخطاب المتناقض و يسقط مصداقيتها في التعاطي مع هذا الموضوع ، إذ أن اعتماد إجبارية الجواز يفرح جوازية التلقيح من محتواه و بحكم الواقع و يجعله خطاب موجه للاستهلاك بل يجعل منه محاولة للالتفاف على الشرعة الدولية لحقوق الانسان ، و هذا يمكن تسجيله في خانة تذاكي الحكومة مع مواطنيها ، و هو أمر مرفوض أخلاقيا قبل أن يشكل حرقا سافرا لدستور المملكة و المواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب .
فدستور المملكة الذي يضمن المساواة للمواطنين في الاستفادة من خدمات الإدارة ، سيتم تعطيله بقرار إداري و هذا غير جائز قانونا لانه يعطل مبدأ دستوريا غاية في الأهمية و هو مبدأ تراتبية القوانين ، ثم أن نفس الدستور يحث على مسؤولية الدولة في حماية السلامة الجسدية للمواطنين و المقيمين فوق قرارها ، و كذلك يمس مقتضى ٱخر يتعلق بحرية الإنسان في جسمه.
فبراير إجبارية التلقيح سيكرس تمييزا بين المواطنين ، حيث ان الحكومة لما جعلت التلقيح اختياريا ، فهي احترمت حرية الرأي و التعبير ، و بناء عليه فهناك بالضرورة مواطنون غير ملقحين ، أي أن شريحة مهمة من المجتمع اختارت في إطار حرية الرأي أن لا تاخد التلقيح ، و بذلك فهم مارسوا حقهم المكفول دستوريا ، لكن هذا الرأي سيجعلهم موضوع تمييز سلبي .
و معلوم أن المادة 26 من العهد الدولي المتعلق بالحق ق المدنية و السياسية ينص في مادته 26 على ما يلي :»جميع الاشخاص متساوون أمام القانون و من حقهم التمتع دون أي تمييز و بالتساوي ، و يحرم القانون في هذا المجال أي تمييز» .
و تنص المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية لمكافحة كل أشكال التمييز على ما يلي :» تتعهد الدول الأطراف لحظر التمييز العنصري و القضاء عليه بكافة أشكاله ، و لضمان حق كل إنسان دون تمييز……لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية: الحق في معاملة على قدم المساواة أمام المحاكم و جميع الخيرات التي تتولى العدل «, و تعرف المادة الأولى منه التمييز كما يلي:»ج التمييز العنصري بأنه أي تمييز أو استثناء او تقييد أو تفضيل…»، و جواز التلقيح بالنسبة لنا ، هو تفضيل و استثناء و تقييد يقوم على الرأي ضد غير الملحقين الذين يحملون رأي.
فحرمان شريحة واسعة من المواطنين من ولوج المرافق الحيوية تمييز و عقاب ، و إلا كيف يتغير حرمان المتقاضي الذي حضر للمحكمة بناء على استدعاء كمتهم يواجب متابعة قد تصل عقوبتها الإعدام من الدفاع عن نفسه ، و الشاهد الذي استدعي و منع من الولوج قد يواجه عقوبة التغريم و قد يتم إحضاره بالقوة …، و كيف سنيني المريضج الذي يأتي في سيارة إسجعافج فيمنع من حقه في الإستشفاء لأنه لا يحمل الجواز أو لا يملكه و في على ذلك.
و حتى بالرجوع المرسوم الذي تستند عليه الحكومة فهو يشترط عدم المساس بانسيابية العمل و عدم عرقلة السير العادي للمرافق العمومية .
و للخروج من هذا المطب الحقوقي ، على الحكومة أن تنسجم مع نفسها و ذلك بجعل التلقيح و الجواز اختاريين معا أو إجباريين معا ، و في هذه الحالة الأخيرة ستكون كسرت عظام دستور المملكة و كل المواثيق الدولية.
فنحن دولة قانون و مؤسسات ، و أنه يتعين على الحكومة أن تتخلى عن دور التشريع لفائدة المؤسسة التشريعية ، لأن التفويض التشريعي لا يجب ان يستمر إلى ما نهاية و إلا ما جدوى انتخابات 8 شتنبر و ما الهدف من انتخاب ممثلي الأمة ، حتى يتم احترام المشروعية la légitimité و الشرعية la légalité.


الكاتب : عبد العالي الصافي

  

بتاريخ : 12/08/2023