تعليقا على قرار المحكمة العليا بنيوزيلاندا: الانتصار للسيادة المغربية على الصحراء

 

بتاريخ 15 مارس الماضي أصدرت المحكمة العليا بأوكلاند/نيوزيلاندا قرارا قضائيا مهما في الطعن الذي تقدمت به بعض العناصر الممولة من تنظيم البوليساريو للنظر في شرعية استثمارات الصندوق الوطني للتقاعد النيوزيلاندي، الذي يُعتبر من الصناديق السيادية الملتزمة بـ»مبادئ سانتياغو» التي تُؤطر الإجراءات والمعايير الموحدة التي تحكم وتنظم عمل وأهداف هذه الصناديق، من قبيل الشفافية والحكامة، من خلال بعض الشركات التي تستورد الفوسفاط المستخرج من الأقاليم الجنوبية الصحراوية في محاولة لجر القضاء النيوزيلاندي للقول بعدم قانونية الاتفاقيات التي أبرمها صندوق التقاعد النيوزيلاندي مع المغرب تهم استثمارات مهمة تتعلق باستيراد الفوسفاط المغربي من الأقاليم الجنوبية الصحراوية، وقد قضت المحكمة في هذا الحكم برفض المحكمة لهذا الطعن الذي تم وضعه أمامها في 5 مارس، وهو حكم ينضاف لسلسلة الاجتهادات القضائية الأوروبية التي أصبحت تنتصر للقانون الدولي ولتفسيراته القانونية البعيدة عن التعاطي السياسي مع هذه القضايا على اعتبار أن القضاء الأوروبي عموما والنيوزيلاندي خصوصا ليس معنيا بالنزاع المفتعل حول الصحراء في شقه السياسي، ويأخذ قضاءه مسافة قانونية من المباحثات ومن مسار الملف السياسي ككل، الذي تتم معالجته داخل أروقة الأمم المتحدة خاصة على مستوى مجلس الأمن من خلال القرارات التي يصدرها كل أبريل سابقا، وأكتوبر حاليا، بعد أن تغيرت جدولته الزمنية بموجب قرار 2548 الصادر في أكتوبر من سنة 2020 الذي مدد مهمة المينورسو لمدة سنة.
وقبل التطرق لحيثيات قرار المحكمة العليا بنيوزيلاندا،لابد من الإشارة إلى الحكم السابق الصادر من طرف محكمة العدل الأوروبية التي قضت بعدم قبول الطعن الذي تقدم به تنظيم البوليساريو لمحاولة إبطال الاتفاقيات التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع المغرب، والتي تهم مجالات الصيد البحري والمنتجات البحرية والمبادلات الفلاحية، حيث اعتبرت هذه المحكمة أن تنظيم جبهة البوليساريو «لا صفة قانونية» له لتمثيل الساكنة الصحراوية أمام القضاء الأوروبي، اعتبارا لكونه كتنظيم هو طرف سياسي إلى جانب أطراف سياسية أخرى في المباحثات والمسار السياسي للنزاع، ولا يمكن أن تنسحب هذه «الصفة» السياسية إلى صفة قانونية، مما جعل المحاكم الأوروبية في مختلف قراراتها الصادرة عنها تقضي بعدم قبول الدعاوي التي تقيمها البوليساريو أمام قضائها، وهي قرارات تؤكد أن تنظيم البوليساريو إلى جانب ألا صفة له لتمثيل الساكنة الصحراوية على المستوى السياسي كما ظل المغرب يُرافع بهذا الشأن أمام الأمم المتحدة على اعتبار أن الساكنة الصحراوية لها متتخبيها الذين تنتخبهم ديموقراطيا وكانوا جزءا من الوفد الرسمي المغربي الذي شارك في مباحثات جنيف 1 وجنيف 2، فإنه اليوم وبموجب هذه القرارات قد أُسقطت عنه الصفة القانونية لتمثيل الساكنة الصحراوية المحتجزة والمقيمة بالمخيمات، مما يسقط شعار البوليساريو «كممثل وحيد وشرعي للشعب الصحراوي» سياسيا وقانونيا ، ولم يعد له معنى أو جدوى، بل أصبح هذا التنظيم، بهذا الشكل، عبئا على الساكنة الصحراوية وثقلا على المسار السياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء.
بالعودة لحكم المحكمة العليا بنيوزيلاندا، الذي صدر بتاريخ 15 مارس 2021، فهو يتضمن 28 صفحة، استند في حيثياته إلى عنصرين قانونين مهمين سنعمل على تقديمهما ثم تقديم مختلف أبعادهما تباعا نظرا لقوتهما وقوة هذا الحكم.
1 – حكم المحكمة العليا النيوزيلاندية رفض دعوى البوليساريو بعلة أن (عمليات مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تتوافق مع رغبات السكان في الأقاليم الجنوبية وتفيدهم كما هو مطلوب بموجب ميثاق الأمم المتحدة)، مضيفا في ذات النقطة القانونية المتعلقة بتوافق هذه العمليات مع القانون الدولي ولوائح الأمم المتحدة أنها (متوافقة تماماً مع المتطلبات القانونية والأخلاقية التي يفرضها القانون النيوزلندي ومبادئ الأمم المتحدة للاستثمار المسؤول، فضلاً عن التزامها القانوني بضمان الحفاظ على سمعة نيوزيلندا).

هذه الحيثية القانونية المتكاملة تؤكد، من جهة، أن العمليات التي يقوم بها المكتب الشريف للفوسفاط،خاصة منها التجارية مع نيوزيلندا ثم أيضا مع مختلف دول العالم، هي عمليات تجارية متلائمة وموائمة للقانون الدولي، الذي ينص على ضرورة أن تستفيد المنطقة وساكنتها من عائدات ومداخيل هذه المبادلات التجارية، التي تتعلق بالأقاليم التي لها نفس وضع الأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية باعتبارها إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي، كما حددتها لوائح الأمم المتحدة، ومن حق الدول التي لها الإدارة السياسية والإدارية على هذه الاقاليم أن تدير كل ما يتعلق بالجانب الاقتصادي والاجتماعي والتنموي بشرط أن تستفيد المنطقة وساكنتها من العائدات، وهو ما أكده هذا الحكم بموجب هذا التعليل، ويمكن العودة هنا لموقف شركة “بلانص” في تصريح إعلامي، وهي واحدة من الشركات التي تستورد الفوسفاط من المغرب حيث أشارت بوضوح إلى أن “استخراج الفوسفاط من الصحراء من قبل شركة “فوسبوكراع” يتوافق تماما مع القوانين الدولية والوطنية، بما في ذلك أحكام الأمم المتحدة للتجارة مع الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي” مقدما معطى جد مهم عزز به قانونية عمليات تصدير الفوسفاط المغربي عن طريق المكتب الشريف للفوسفاظ أن” 75٪ من العاملين بالمكتب الشريف للفوسفاط هم من أبناء الساكنة المحلية”، كما أبرزت الجمعية النيوزلاندية للأسمدة، في مذكراتها الدفاعية باعتبارها طرفا في هذه الدعوى “أنها قامت بعدة زيارات إلى المناطق الجنوبية واطلعت باستمرار على ظروف استفادة ساكنة الأقاليم الجنوبية وانتفاعها من هذه العلاقة التجارية القوية والفريدة بين المغرب والفلاحين النيوزيلانديين. كما أنها عبرت عن قناعتها بأن عمليات استغلال مادة الفوسفاط ، المادة ذات الطابع الحيوي في الأنشطة الفلاحية، تقام حسب أعلى المعايير الدولية للجودة والحكامة وحقوق اليد العاملة “.
مؤكدة كذلك ” أن مداخيل هذه التجارة تساهم بشكل إيجابي في التنمية المحلية وتعود بالنفع على سكان المنطقة إذ أنها تعتبر مصدر تشغيل لأبناء الصحراء وموردا أساسيا للاستثمارات التنموية بالمنطقة في المجال الاقتصادي والاجتماعي”.
هذه المرافعة بهذه الحيثية شكلت دعما كبيرا لوجهة النظر القانونية التي تؤكد شرعية الاستثمارات التي يكون فيها المكتب الشريف للفوسفاظ طرفا فيها، وهي حيثية تنسحب على كل المعاملات والمبادلات التجارية التي تكون الأقاليم الصحراوية طرفا فيها.
2- في الحيثية الثانية، المهمة جدا، أن هذا الحكم ذهب إلى ضرورة الفصل ما بين الشق السياسي والشق القانوني/القضائي، وأن القضاء النيوزيلاندي، كما سبق للقضاء الأوروبي عموما ، ذهب في اتجاه تأكيد هذا الفصل بين المسارين، وأن القضاء النيوزيلاندي” لا اختصاص له للفصل في نزاع ذي طبيعة جيوسياسية” و ” لا في وضعية المنطقة”، بهذا المعنى الذي قدمته المحكمة في تعليلها فإنها لا يمكن لها ولا للقضاء النيوزيلاندي عموما أن يستند، وهو يفصل في مثل هذه القضايا المعروضة أمامه، إلى مسار سياسي للحكم وفق المطالب التي قدمتها البوليساريو، التي استندت في مذكرة طعنها في الاتفاقيات التي أبرمها صندوق التقاعد النيوزيلاندي، إلى ما هو سياسي، وهو ما رفضه القضاء النيوزيلاندي، مؤكدا بذلك أن اللجوء للقضاء النيوزيلاندي لأغراض سياسوية مبيّتة تريد خلق أزمة بين المغرب ونيوزيلندا يُعتبر محاولة يائسة، فاشلة وغير مقبولة للتلاعب بالقانون الوطني والدولي وبقوة القضاء النيوزيلاندي، الذي يُعتبر غير متساهل في تطبيق القانون، سواء الدولي أو الوطني، وهو ما أظهر زيف الإدعاءات السياسية لخصوم المغرب المغلفة بالقانون للتحايل على المؤسسة القضائية النيوزيلاندية، وأبانت عن مدى وعي هذه الأخيرة بأن هذا النوع من التلاعب بالقانون لأغراض سياسية لا مكان له في الدول التي تولي أولوية قصوى لسيادة القانون في قضائها، على عكس قضاء بعض الدول الذي خضع لتأثيرات وقراءات سياسية، مثل ما حدث سنة 2017 عندما قامت جنوب إفريقيا، في إجراء غير قانوني، بحجز باخرة نيوزيلندية، وقدمت حكما سياسيا بحجزها مستندا إلى المعطيات السياسية وليس القانونية، خاصة منها القانون الدولي، مما يجعل من حكم المحكمة العليا النيوزيلاندية ردا قانونيا على القضاء الجنوب إفريقي غير المستقل والمُتحكم فيه من طرف اللوبي المناهض للوحدة الوطنية، وهو ما أسقطها في تقديم حكم قضائي مسيس تم تجاوزه من طرف محكمة العدل الأوروبية ثم من طرف المحكمة العليا بنيوزيلاندا.
إذن فالمحكمة العليا اوكلاند بنيوزيلاندا كانت واضحة هنا من حيث فصلها بين الشقين السياسي والقانوني، وهو وضوح فيه رد قضائي على محاولة استغلال النزاع في جانبه السياسي لوقف الاستثمارات التي تشهدها المنطقة والمبادلات التجارية المتعددة، سواء منها البحرية أو الفلاحية التي تساهم في تنمية المنطقة، خاصة مع تخصيص عائدات هذه الاتفاقيات للساكنة الصحراوية المحلية، التي باتت تستفيد منها، وهو ما أكده تقرير اللجنة البرلمانية الأوروبية التي تم إيفادها للمنطقة قبيل تجديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب التي انتهت لما انتهى إليه حكم المحكمة العليا بأوكلاند/نيوزيلندا، وتم الاستناد إليه لتجديد اتفاقية التبادل التجاري البحري والفلاحي بين المغرب وأوروبا.
كخاتمة

تجدر الإشارة في الختام إلى أن المغرب لم يكن طرفا في هذا النزاع القضائي، بمعنى أنه كيفما كان الحكم فإنه لن يكون مؤثرا على المغرب ولا على المنطقة، ورغم ذلك فإن منطوق الحكم يُعتبر قويا ينضاف لسلسلة الاجتهادات القضائية الأوروبية التي أسقطت من جهة الصفة القانونية لتنظيم جبهة البوليساريو وأسقطت معها مقولة “الممثل الوحيد والشرعي للشعب الصحراوي”، كما أن هذا الحكم هو مرجع قانوني وقضائي يساعد المغرب في ترافعه أمام مختلف المؤسسات الدولية ويعزز من فرص تنويع وتقوية المبادلات التجارية الدولية مع المغرب، والتي ستكون المنطقة موضوعا لها.
الحكم يُعتبر صفعة قوية قانونية وقضائية صادرة من أنزه المؤسسات القضائية المعروفة بصرامتها في تطبيق القانون الدولي والوطني وفي شفافيته، خاصة وأنه ضمن مجموعة الكومونولث التي تتشارك معه في منظومة قضائية تسمح لمحاكم هذه الدول الأعضاء باستلهام أحكامها من مواقف دولة عضو أخرى في المجموعة، مما يشير إلى كون هذا الحكم لن يكون له أثر قانوني فقط داخل نيوزيلندا بل سيمتد لهذه المجموعة القوية التي تتشكل من حوالي 52 دولة على رأسها المملكة المتحدة البريطانية، التي بمجرد ما دخل اتفاق البريكست حيز التنفيذ حتى عمدت إلى توقيع اتفاقيات تجارية مع المغرب تشمل الأقاليم الصحراوية الجنوبية، وهو ما أعطى لهذا الحكم قوة كبيرة وجعل جبهة البوليساريو تُمنى بهزيمة قضائية تنضاف لسلسلة هزائمها السياسية، خاصة وأن المحكمة النيوزيلاندية أجهضت مختلف الحجج الواهية التي يروج لها خصوم المغرب من أجل محاولة إعاقة المسار الناجح للتنمية الاقتصادية ذات البعد الاجتماعي في الأقاليم الصحراوية الجنوبية.


الكاتب : نوفل البعمري

  

بتاريخ : 29/03/2021