الاتحاد الأوروبي يعلن عن حزمة رابعة من العقوبات على روسيا
يسود منذ يوم الأحد تفاؤل حذر، من إحراز تقدم على صعيد المفاوضات المتواصلة بين الوفدين الروسي والأوكراني. وفيما تتواصل المواجهات المسلحة على مختلف الجبهات الأوكرانية، يرى المراقبون أن المقاومة الشديدة التي تبديها القوات الأوكرانية عطلت كثيرا من تقدم القوات الروسية، التي كانت تأمل في السيطرة على كامل التراب الأوكراني في أيام قليلة، وهو ما جعل الكرملين يغير من خطته، ويفرض عليه البحث عن حل تفاوضي يحفظ أهدافه المعلنة، بالإضافة إلى حزمة العقوبات غير المسبوقة التي فرضتها الدول الغربية والتي بدأت تؤثر على الاقتصاد الروسي، وهي كلها معطيات قد يكون لها تأثير على مجريات الأمور في الأيام القادمة
مفاوضات مستمرة بنبرة من التفاؤل
شهدت يوم أمس الثلاثاء جولة جديدة من المحادثات بين الوفدين المفاوضين، الروسي والأوكراني.
وكانت المحادثات قد استؤنفت الاثنين عبر الفيديو. وفي بداية فترة ما بعد الظهر، أشار زيلينسكي إلى أن المفاوضات كانت «صعبة».وقال الرئيس الأوكراني في مقطع فيديو «علينا التمسك والقتال من أجل الفوز، من أجل تحقيق السلام الذي يستحقه الأوكرانيون، سلام صادق مع ضمانات أمنية لدولتنا وشعبنا تكتب خلال المفاوضات، المفاوضات صعبة».
وقبل ساعات قليلة، نشر زيلينسكي مقطع فيديو يقول فيه، بنبرة تحد ، إن روسيا بدأت تلاحظ أنها لن تنتصر في ساحة المعركة.
وأضاف «لقد بدأوا يفهمون أنهم لن يحققوا شيئا من خلال الحرب»، لافتا إلى أن جولة المحادثات الأخيرة بين المفاوضين الروس والأوكرانيين كانت «جيدة».
متابعا «لكن، فلننتظر. ستتواصل غد ا».
وبعد الزوال، أعلن رئيس المفاوضين الأوكرانيين ميخايلو بودولياك «توقفا فنيا» قبل استئناف المحادثات اليوم التالي.
إلا أن هذه المرة هناك بارقة أمل، بعدما فشلت الجلسات الثلاث الأولى من المحادثات التي عقدت في بيلاروسيا ثم اللقاء بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأوكراني دميترو كوليبا في تركيا الخميس الماضي.
ومساء الأحد تحدث مفاوض روسي عن إحراز «تقد م كبير» في المفاوضات مع أوكرانيا. وقال المفاوض ليونيد سلوتسكي وفق ما نقلت عنه وكالات الأنباء الروسية، «توقعاتي الشخصية هي أن يتوصل هذا التقدم قريبا جدا إلى موقف مشترك بين الوفدين وإلى وثائق لتوقيعها».
والجمعة، تحدث الرئيس الروسي عن «تقدم إيجابي» في المفاوضات فيما تحدث الرئيس الأوكراني عن مقاربة روسية جديدة و»مختلفة» بشأن المفاوضات.
وسبق أن أشار زيلينسكي الأحد إلى أن وفده لديه «مهمة واضحة: القيام بكل ما يلزم لعقد لقاء بين الرئيسين».
سلاح العقوبات متواصل لإجبار بوتين على تغيير موقفه
بعد عشرين يوما من شنه الحرب على أوكرانيا، يبدو أن الرئيس بوتين بدأ يشعر بثقل العقوبات التي فرضها الغرب على بلاده، عقوبات سيكون من الصعب على الاقتصاد الروسي تحملها. وفيما تتواصل المفاوضات بين الوفدين الروسي والأوكراني، يواصل الغرب شن العقوبات الاقتصادية على روسيا، كسلاح ضغط لتليين موقف الكرملين، وفي هذا الإطار أكد جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أن الاتحاد الأوروبي «يضع اللمسات الأخيرة لاعتماد حزمة عقوبات رابعة قوية» ضد موسكو، تشمل تدابير لتقييد وصولها إلى الأسواق وتصدير السلع الكمالية وعضويتها في مؤسسات مالية دولية.
وشدد بوريل أن هذه العقوبات «ستمثل ضربة كبيرة أخرى للقاعدة اللوجستية والاقتصادية التي يبني عليها الكرملين غزوه».
وفي سياق العقوبات أيضا، قرر الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على رومان أبراموفيتش وغيره من الأوليغارش الروس في آخر حزمة عقوبات تستهدف الروس الذين ترى بروكسل أنهم يدعمون غزو أوكرانيا.
وسيضاف أبراموفيتش مالك نادي تشيلسي لكرة القدم وغيره من الشخصيات إلى قائمة الأفراد الذين قد تصادر أصولهم في الاتحاد الأوروبي (بما يشمل اليخوت والمنازل الفخمة) ويحظر عليهم دخول دول التكتل، وفق الدبلوماسيين. وقبل ذلك، كان هناك 862 شخ ا و53 كيانا روسيا على هذه القائمة السوداء التي تحظر الدخول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي وتسمح بمصادرة ممتلكاتهم.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أعلنت الجمعة الماضية «حزمة رابعة من الإجراءات لزيادة عزلة روسيا وتجفيف الموارد المستخدمة في تمويل هذه الحرب الهمجية».
وستشمل هذه العقوبات الجديدة خصوصا سحب وضع الدول الأولى بالرعاية من روسيا، ما يمهد الطريق لفرض ضرائب على الواردات الروسية.
وكانت فون دير لايين أعلنت أيضا حظر تصدير السلع الكمالية إلى روسيا. وقالت «أولئك الذين يدعمون آلة الحرب التابعة لبوتين يجب ألا يكونوا قادرين بعد الآن على الاستفادة من أسلوب عيش باذخ في حين تسقط القنابل على أبرياء في أوكرانيا».
كذلك، تنص الحزمة الرابعة من العقوبات على حظر استيراد «السلع الأساسية في قطاع الحديد والصلب».
وكانت دول الاتحاد الأوروبي اعتمدت عقوبات مالية واقتصادية غير مسبوقة ما أدى إلى انهيار الروبل. وقال وزير المال الفرنسي برونو لومير الاثنين «هذه العقوبات الهائلة فعالة. ستؤدي إلى تراجع إجمالي الناتج الداخلي في روسيا بنحو 8%».
كما تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يتكلم بشكل منتظم مع بوتين لمحاولة إقناعه بإعلان وقف إطلاق نار، مع نظيره الأميركي جو بايدن واتفقا على «تشديد العقوبات»، ثم مع زيلينسكي، بحسب الرئاسة الفرنسية.
وفي مواجهة العقوبات التي جمدت حوالى 300 مليار دولار من الاحتياطات الروسية في الخارج، اتهمت موسكو الغرب بالسعي للتسبب بتخلف «مصطنع» عن سداد مستحقاتها. وقالت وزارة المال الروسية في بيان إن «التصريحات التي تقول إن روسيا لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها في ما يتعلق بدينها العام، لا تتوافق مع الواقع».
وتضع العقوبات روسيا أمام احتمال عدم الإيفاء بالعديد من المواعيد النهائية لسداد الديون بالعملات الأجنبية خلال الفترة الممتدة من مارس إلى أبريل.
من جهة أخرى، دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون دول الغرب إلى وقف «إدمانها» على موارد الطاقة الروسية معتبرا أن ذلك يسمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ب»ابتزاز» العالم.
وكتب جونسون في مقالة بصحيفة ديلي تلغراف إن قادة الغرب ارتكبوا «خطأ فادحا» عندما سمحوا لبوتين «الإفلات» من ضم موسكو للقرم في 2014 وأصبحوا أكثر اعتمادا على موارد الطاقة الروسية.
نتيجة لذلك «عندما استعد (بوتين) أخيرا لشن حربه الشريرة في أوكرانيا، أدرك أن العالم سيجد صعوبة بالغة في معاقبته».
وأضاف «لا يمكن للعالم أن يخضع لهذا الابتزاز المستمر».
وتأتي تعليقات جونسون قبيل زيارة إلى السعودية لإجراء محادثات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على وقع ارتفاع كبير لأسعار المحروقات تلقى باللائمة فيه على الحرب في أوكرانيا.
وذكر في المقالة «طالما أن الغرب يعتمد اقتصاديا على بوتين، سيفعل كل ما بوسعه لاستغلال هذا الاعتماد».
وتابع «إذا استطاع العالم وقف اعتماده على النفط والغاز الروسي، يمكننا قطع الأموال النقدية عنه وتدمير استراتيجيته وتقليص حجمه».
وكانت الولايات المتحدة، وهي من كبار منتجي الطاقة، أعلنت حظرا على واردات النفط الروسي، وستحذو المملكة المتحدة حذوها فيما وافق الاتحاد الأوروبي على القيام بالشيء نفسه «في أقرب وقت» على ما كتب جونسون.
وأقر بأن وقف اعتماد الغرب على الطاقة الروسية «سيكون مؤلما».
وقال المتحدث باسم جونسون قبيل الزيارة إلى السعودية إن الحكومة «تريد خفض التقلبات والأسعار من أجل الأعمال التجارية البريطانية».
ومن المتوقع أن تنشر الحكومة البريطانية تقرير «استراتيجية أمن الطاقة البريطانية» في وقت لاحق هذا الشهر، وقال جونسون إن هناك حاجة للاستثمار في موارد الطاقة المتجددة بما يشمل مزارع توليد الطاقة من الرياح والشمس في البحر.
وأكد على الحاجة «لرهانات كبيرة جديدة على (الطاقة) النووية» ومن بينها «مفاعلات صغيرة الحجم إضافة إلى محطات الطاقة الأكبر حجما».
روسيا تحد من صادرات الحبوب إلى عدد من دول الاتحاد السوفياتي السابق
في مواجهة هذه العقوبات، فرضت روسيا قيودا على صادرات الحبوب إلى أربع دول كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي السابق من أجل تجنب الشح وارتفاع الأسعار.
وأشار المكتب الإعلامي في الحكومة الروسية إلى أن «روسيا تفرض حظرا مؤقتا على صادرات الحبوب إلى دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي»، أي كازاخستان وبيلاروسيا وأرمينيا وقرغيزستان.
وحظرت الحكومة الروسية أيضا «تصدير السكر الأبيض وقصب السكر الخام إلى دول العالم الثالث».
وستبقى القيود على صادرات الحبوب نافذة حتى 30 يونيو، فيما تبقى القيود على صادرات السكر نافذة حتى 31 غشت 2022، بحسب الحكومة الروسية التي أشارت إلى أن القرار اتخذ «من أجل حماية السوق الغذائية الداخلية في مواجهة القيود الخارجية».
وتعتبر الحبوب والسكر من بين المنتجات الغذائية التي شهدت أعلى معدل تضخم في روسيا منذ بداية جائحة كوفيد-19، بحيث بدأت السلطات تنظم أسعار السكر بين نهاية العام 2020 ويونيو 2021.
وبحسب وكالة الإحصاء الروسية روستات، ارتفع سكر السكر بنسبة 13% بين 5 و13مارس 2022.وأعلنت السلطات الأحد أن لا شح في السكر.
لكن وفقا لبعض وسائل الإعلام المحلية، اختفى السكر في دول مثل كازاخستان وقرغيزستان من المتاجر وتضاعف سعره.
أما بالنسبة للحبوب، فينطبق القرار على القمح والميسلين (خليط من القمح والجاودار) والجاودار والشعير والذرة.
وستسثنى بعض الأماكن من الإجراء، وفق ا لقرار وزارة الزراعة. وتشمل الاستثناءات دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا والتي اعترفت بها موسكو كجمهوريتين مستقلتين.
تصاعد حدة المعارك في أوكرانيا رغم استئناف المفاوضات
في غضون ذلك، تصاعدت حدة المعارك في أوكرانيا لترتفع حصيلة الضحايا مع إعلان مقتل 17 شخصا في قصف أوكراني في دونيتسك وشخصين في ضربات روسية في كييف، رغم إثارة جولة جديدة من المحادثات الروسية الأوكرانية بعض الأمل.
وفي الأيام الأخيرة، اشتدت المعارك حول العاصمة التي أصبحت محاصرة بشكل شبه كامل والتي فر أكثر من نصف سكانها البالغ عددهم ثلاثة ملايين.
وذكرت أجهزة الطوارئ الأوكرانية أن مبنى مكونا من ثماني طبقات في حي أوبولون في شمال كييف، استهدف فجرا «بنيران مدفعية» على الأرجح ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة 12 آخرين.
وفي وقت لاحق، تعرض حي آخر للقصف قرب مصنع أنتونوف للطائرات، ما أدى إلى مقتل شخص آخر.
وفي ضواحي كييف الشمالية الغربية حيث تدور معارك منذ أيام، توفي الصحافي الأميركي برنت رينو الأحد بعدما أصيب برصاصة في الرقبة من مصدر مجهول.وأكد مستشار للرئيس الأوكراني مساء الأحد أن العاصمة باتت «مدينة محاصرة».
من جهة أخرى، أفاد مراسلو وكالة فرانس برس عن سماع دوي ثلاثة انفجارات قوية على الأقل صباح الثلاثاء في وسط العاصمة الأوكرانية كييف، ولم يكن بالإمكان معرفة السبب بشكل فوري.
وشاهد أحد مراسلي الوكالة أيضا عمودا من الدخان يتصاعد من بعيد، لكنه لم يتمكن من التوجه إلى المكان بسبب حظر التجول الليلي الذي ينتهي عند الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش.
يذكر أن أصوات الانفجارات تكون أحيانا ناجمة عن الدفاعات الجوية. ولم تصدر أي تصريحات بعد عن مصادر رسمية.
وتصاعد القتال في الأيام الأخيرة في محيط كييف، التي باتت محاصرة بالكامل تقريبا من قبل القوات الروسية التي غزت أوكرانيا في 24 فبراير.
وفر حوالي نصف سكان كييف البالغ عددهم ثلاثة ملايين منذ بدء الهجوم الروسي.وسجل سقوط عدد من القتلى والجرحى بعد ضربات جوية طالت أجزاء مختلفة من العاصمة، كما يتواصل القتال العنيف منذ أيام بين القوات الروسية والأوكرانية على أطراف كييف الشمالية الغربية.
في دونيتسك، أكد الانفصاليون الموالون لروسيا والمدعومون من موسكو والذين يسيطرون على هذا المركز الصناعي منذ العام 2014، أن قصفا للجيش الأوكراني استهدف وسط المدينة وأسفر عن مقتل 16 شخصا على الأقل بحسب «وزارة» الصحة المحلية، و23 قتيلا بحسب لجنة التحقيق الروسية. ونشروا صورا تظهر جثثا ملطخة بالدماء ملقاة في أحد الشوارع وسط ركام.
من جانبه، نفى الجيش الأوكراني إطلاق صاروخ على دونيتسك. وقال الناطق باسمه ليونيد ماتيوكين في مؤتمر صحافي «إنه بالتأكيد صاروخ روسي أو ذخيرة من نوع آخر».
إلى الغرب، في مدينة دنيبرو التي اعتبرت حتى الآن ملجأ للمدنيين الوافدين من خاركيف أو زابوريجيا، دو ت صفارات الإنذار صباح الاثنين لخمس ساعات، وذلك للمرة الأولى منذ بداية الغزو الروسي في 24 فبراير.
وفي جنوب البلاد، ضيقت روسيا الخناق بحسب وزارة الدفاع البريطانية التي كتبت في تغريدة أن القوات البحرية الروسية فرضت «حصارا عن مسافة على السواحل الأوكرانية المطلة على البحر الأسود، ما يجعل أوكرانيا في الواقع معزولة عن التجارة البحرية الدولية».
وتعرضت مدينة ميكولايف الساحلية أيضا للقصف الأحد، ما أسفر عن تسعة قتلى، بحسب السلطات.
وفي جنوب شرق البلاد، لا يزال الوضع مأسويا في مدينة ماريوبول المحاصرة والتي أفادت بلديتها أنه للمرة الأولى منذ أيام، تمكنت حوالى 160 سيارة من مغادرتها الاثنين عبر ممر الإجلاء باتجاه زابوريجيا.
وماريوبول مدينة ساحلية استراتيجية واقعة بين شبه جزيرة القرم ودونباس، تفتقر إلى الطعام وسكانها محرومون من الماء والغاز والكهرباء والاتصالات. وقتل فيها أكثر من 2187 شخصا منذ بدء الهجوم الروسي بحسب البلدية.
وحض زيلينسكي مجددا الناتو على فرض منطقة حظر طيران فوق بلاده، معتبرا أن التمنع عن ذلك سيؤدي إلى سقوط «الصواريخ الروسية على أراضيكم، على أراضي الناتو».