نظم مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية «مدى»، مساء يوم السبت 12 أكتوبر 2024 ، لقاء تأبينيا لروح الراحل الأكاديمي المختار بنعبدلاوي، الذي اختطفته يد المنون في 29 غشت الماضي.
اللقاء الذي ضم أصدقاء الراحل وطلبته وكل من قاسمه حب المعرفة وشغف السؤال، ونسقت أشغاله عضو المركز حياة الدرعي، كان مناسبة لتقديم شهادات حول هذا الرجل الذي عرف بالتزامه السياسي مع قوى اليسار المغربي بالخصوص، ومبادراته المدنية مع جمعيات المجتمع المدني خاصة في المجال الثقافي، إلى جانب التزامه بقضايا الديمقراطية والحريات وتوسيع الفضاء العام، ومساندته لمختلف القضايا العربية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
«أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها
أجمل الأمهات التي انتظرته وعاد
عاد مستشهدا»
وكذلك كانت في انتظاره أمه خديجة العبدولاوي التي بكت في فقده «دمعتين ووردة» وهي تردد أنه أجمل الأبناء و»نموذج لكل جميل». الابن الذي كان الصديق والرفيق «الأب للصغير، والرفيق للكبير والناصح للجميع والأستاذ بمبادئه ومواقفه والذي لم تكن تهمه الألقاب».
الأم التي قالت إن «خسارتها كبيرة جدا ولا حدود لها»، رأت أن ابنها استعجل الرحيل كثيرا، لكنه الموت الذي يأتي مستعجلا أحيانا حين تنضج عناقيد الحلم.
زكريا أكديد، رئيس مركز مدى للدراسات والأبحاث اعتبر بدوره أن خسارة الراحل كبيرة، سواء بالنسبة للمجال البحثي والجامعي أو داخل أسرته بالمركز التي ستفتقد لرؤية الناصح الموجه، الدينامو الفاعل والمبادر، المنصت للجميع وخاصة الشباب، لصاحب التحليل الرصين والبعيد النظر، والمتفرد في عطائه اللامحدود، مؤكدا أن المركز سيبقى وفيا لرسالة الراحل، حاملا مشعل البحث المعرفي والانشغال بالقضايا الملحة وذات الراهنية.
من جهته، اعتبر د. عبد الحميد فاروق، عميد كلية الآداب بالمحمدية أن «الجامعة اليوم أصبحت نوعا ما يتيمة بفقدان أستاذ وباحث ومفكر ذي عمق فكري، وهدوء في النقاش وتحفظ عن الإجابات المتسرعة».
وأضاف العميد أن علاقة الراحل بكلية الآداب بالمحمدية كانت علاقة روحية من خلال التأطير والقوة الاقتراحية التي كان يملكها، والتي توجت بإحداث ماستر فلسفة القانون، كما «كانت له بصمة حاضرة في تكوين جيل من الطلاب في هذا المسلك، بالإضافة إلى إسهاماته ذات البعد الأكاديمي». ولهذا فقد شكل الراحل مختار بنعبدلاوي «ربحا للجامعة وإضافة علمية أساسية «، إذ كان قبل ذلك من ضمن مؤسسي شعبة الفلسفة بكلية الآداب بنمسيك.، وطيلة مساره يضيف العميد، «ظل الراحل وفيا لسرديته العلمية، مكرسا هوية أكاديمية خاصة يحمل داخلها هما أساسيا هو تكوين طلبة باحثين قادرين على تعزيز البحث في الفلسفة السياسية في أفق يستوعب كل التوجهات الفكرية والحساسيات،بعيدا عن التطرف والإقصاء الفكري».
ولأن اهتمامات الراحل تخطت الجغرافيا المغربية الى الانشغال بالهم المغاربي والعربي والإنساني، فقد انخرط في عدة مبادرات بحثية وأكاديمية على المستوى الإقليمي والعربي، ما مكن عددا من الفاعلين المغاربيين والعرب من الاحتكاك بشخصية وفكر الراحل.
هكذا ، اعتبر رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس، محرز الدريسي أن «اللغة تضيق في حضرة الغياب».. غياب الصديق والمفكر والمُلهم الذي جمعته به فضاءات «المنتدى المغاربي»، معتبرا أن الراحل بنعبدلاوي «ساهم في تغذية الحلم وتعزيز الفكرة المغاربية بفكره واقتراحاته المتميزة» لأنه كان «علما من أعلام الحكمة والثقافة داخل الفضاء المغاربي، ومثقفا رياديا، مثقفا اجتمعت لديه الحساسية وعمق الرؤية، حيث جمع – بخيط رقيق – بين ما هو شخصي ومدني ونضالي».
وضمن هذا الامتداد والإشعاع الدولي لشخصية الراحل، جاءت كلمات كل من عباس عروة عن مؤسسة قرطبة بجنيف، ومحمد الشرقاوي أستاذ الصراعات الدولية بالجامعة الأمريكية جورج ميسن، ونعيمة الداودي عن المعهد الأوربي للدراسات الفلسفية ببروكسيل.
إدريس لكريني، رئيس منظمة العمل المغاربي وصديق الراحل، وهو يعبر عن فداحة الفقد برحيل رجل من طينة بنعبدلاوي، اعتبر أن توقف قطار الوحدة المغاربية عن الحركة في دوائر القرار الرسمي، لم يمنع النخب المغاربية من مواصلة المشروع رغم كل الصعوبات، حيث ظلت هذه النخب ترافع بفكرها ومبادراتها من أجل تجاوز الخلافات وتعميق التواصل». ومن ضمن هذه النخب برز بقوة اسم الراحل الذي كان منسق «المنتدى المغاربي، حيث» كان من النخب المثقفة الأكثر تشبثا بالمشروع المغاربي، الذي كان يرى أن تغييبه سيفتح الباب لبروز هويات فرعية هدامة»، مضيفا أن الراحل» آمن دوما بقدرة الشباب – من مواقع المسؤولية – على إحداث التغيير»، لافتا إلى أن بنعبدلاوي لكل هذه الخصال، حظي دائما باحترام وتقدير كبيرين من النخب المغاربية .
المناضل السياسي والحقوقي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، محمد الساسي، وهو يعدد مناقب الراحل وخصاله الإنسانية والسياسية، اعتبر أن بنعبدلاوي ظل طيلة مساره «لا يحب الكسل الفكري وخطاب المراوغة والتضليل وتزييف الحقائق»، مضيفا أن الرجل كان عميق التفكير والنظر،» حريصا على الإبحار في يم المعرفة طلبا لإغناء مخزونه العلمي، ولتعزيز فهمه للإشكالات المطروحة، وهو في ذلك ظل منفتحا على كل المرجعيات، محاورا ومنصتا هادئا لكل المختلفين معه». وأشار الساسي الى أن بنعبدلاوي في السياسة» ليس من طينة من يعتبرون أنفسهم معفيين من تمثل الشعارات التي يرفعونها»، إذ «شخَّص في حياته، دوما، جوهر المبادئ التي كان ترد في خطاباته وأفكاره»، وذلك سواء في عمله من أجل التنوير أو من أجل نهضة المجتمع، أو بغاية التحديث الحزبي وعلى صعيد الوحدة المغاربية، وهو ما يبين أن الراحل كان يتحرك «وفق خارطة طريق طموحة توخى من خلالها تجميع الطاقات المدنية وتحريرها أمام المثبطات، وتمتين الروابط بين مكوناتها عبر آلية التنسيق من خلال عدد من المبادرات التي قادها كإنشاء مركز مدى للدراسات الإنسانية» و»مجلة رهانات» و»المنتدى المغاربي».
أستاذ الفلسفة بكلية آداب المحمدية، مراد زوين، في شهادة مؤثرة عن صديقه، اعتبر أنه والراحل «ذات واحدة.. يحملان نفس الهموم والآمال التي يمتزج فيها الفكري بالأخلاقي بالسياسي»، مؤكدا أنه «لم تكن لحظة عادية تلك اللحظة التي ودعت فيه الجامعة اسما وعلما أعطى الكثير للدرس الفلسفي. كان أبا للجميع… باحثا ملتزما ترك بصمته في الحقل الثقافي الأكاديمي، حيث كنت مداخلاته في المنتديات الوطنية والدولية مليئة بالأبعاد الفكرية الرصينة، يرسل من خلالها رسائل مضمونها يؤسس للقيم الإنسانية، وأولها قبول الآخر والغير ..»
اللقاء عرف أيضا تقديم شهادات من أصدقاء الراحل الأساتذة: هناء الشريكي، عبد الإله المنصوري، محمد عبد الوهاب علالي، وفاعلين من داخل المركز.