طفت على سطح السوشل ميديا في الآونة الأخيرة ،ظاهرة إشهار بطائق التكريمات،وشهادات التميز الممنوحة من طرف منتديات وأكاديميات ومنظمات دولية واتحادات موضوعاتية وهيئات افتراضية، وتمثيليات مجهولة الهوية انتشرت في سماوات الله المفتوحة كالفطر ، تقدم نفسها منذورةللثقافة للشعر والأدب.يتعلق الأمر بتكتلات افتراضية منتظمة ومؤطرة حسب القوانين الجاري بها في التواصل الاجتماعي ،وتتوفر على فريق عمل منظم إداريا ، ولها مدراء ومحررون ورؤساء مجالس إدارة .
وإذا كان التكريم في حد ذاته فعل إنساني مستحق ،نبيل ومشحون بحمولة وعلى قدر من الرمزية الاعتبارية لشخصية بارزة في مجال من مجالات الإبداع في الحياة، شخصية تتوفر على كاريزما محددة الملامح ، تحمل قدرا لابأس به من إمكانيات المساهمة والإغناء في مجال لها فيه الحضور البارز والقوي. فإن الملفت في هذه الظاهرة ،أن الممنوحات والممنوحين يحرزن هذا التكريم نظير التفوق في أول مساهمة لهم ،أو لهن ، بل واحتلالهم – هن – المراتب الأولى في مسابقة أدبية قد تكون شعرا لغزا قصة أو مجرد دعابة مخطوطة . على أن تكون الجهة المعنية قد أجرت المسابقة وفق شروط محددة وغير متعاقد في شأنها ، لتعلن في اليوم التالي النتائج والمكافآت وتوزع الأوسمة والميداليات والديبلومات ،وهي عبارة عن لوحات مصممة بالألوان الصاخبة ،تزدحم بالألقاب والمناصب الافتراضية ،مع إبراز اسم الأديب المحتفى به . نجما لامعا في أول محاولة له.
والفذلكة في جوهرها،إشهار ضمني للجهة المانحة ،أكثر منه إعلان فوز وتكريم للشخصية الافتراضية ،نظير عمل ثقافي قدمته للهيئة الافتراضية .ولا يتردد المكرم في تعميم المنشور على صفحاته بكامل الاعتزاز والفخر . إلى هنا تبدو الأمور عادية جدا ، لكن ما ليس عاديا ،هو أن التكريم يصدر عن جهات معنوية افتراضية ، مجهولة الهوية ،حتى أن الشيخ كوكل بجلال قدره ،يتعب ويكل وهو يجتر ويقلب ملايير الصفحات بحثا عن مقال لرئيس مجلس إدارة المنتدى،أو رئيسة تحرير الموقع المذكور دون أثر يذكر.
من هنا يجدر السؤال ، كيف يتسنى لشخصافتراضي مجهول الهوية ،أن يقيم عملا إبداعيا ،ويمنحه التفوق،وهولا نصيب له في الأدب والنشر على الانترنيت؟ مع الأخذ بعين الاعتبار مفارقات اللغة المحلية وتناقضات اللهجات ونأي الأقاليم، وجنسية الكتاب وطبيعة أساليب التي يكتبون به قصائدهم الزجلية، وتزداد الأمور تعقيدا حين توظيف المبدع لمصطلحات من الدارجة المغربية مثلا ، المتضمنة لأساليب ذات حمولة ملتبسة ، قد لا يفهمها مواطنه، بله شخص آخر من تضاريس وأقاليم نائية كاليمن أو الأردن أو في سوريا ؟
في هذا الصدد كتب أديب مغربي وهو أحد نشطاء التواصل الاجتماعي على صفحته الشخصية على الفايسبوك «انه لا يرغب في تلطيخ صفحته بالتكريمات الكارتونية ،وقال بالحرف «لا أحب طلاء صفحتي بكارطونات شواهد تقديرية صادرة عن منتديات ومواقع صبيانية يديرها الجهلة والانتهازيون، وأضاف متسائلا «كيف أعتز بتوقيعات نكرات لا إبداع لهم ،ولا يملكون سوى السنطيحة وخبث النصابين»؟
ما يهمنا بالأساس هنا ليس جنسية المانح والممنوح ،على اعتبار إن الإبداع كوني ،لكن من واجبنا أن نتساءل عن حجم المصداقية والقيمة الرمزية لهذا النوع من التكريم السخي ؟وفيما إذا كان حقا وليس باطلا ؟ وهل له تلك الشحنة الدلالية الاعتبارية لعملية التقييم الإبداعي في ساحة الثقافة والأدب محليا قطريا وعربيا ؟ وما قيمة التكريم الممنوح إذا كان لا يحمل بصمات الجهات المانحة بهوية إبداعية واضحة ؟
أما المدرب المعتمد خالد هجلي،ذ مادة الفلسفة ،فيرى أن للشرق سحره، مادام المانحون مشارقة ،والممنوحين مغاربة قبل أن يضيف «الإبداع لا ينتظر جزاء و لا شكورا»
أما الزجال محمد بلشقر فيعلق بدوره قائلا «التكريم قيمة إنسانية نبيلة ،وفكر حضاري أصيل لا يصدر إلا من نفس كريمة وهمة عالية، وهي من شيم المشارقة الذين يقدرون عمل الشعراء والأدباء ،ويتابع صاحب ديوان سيف الحرف متسائلا «ما هو الضرر او المشكل اذا الإنسان نشر تكريماته على صفحته الخاصة؟ وهذا من حقه واللي ما عجبوش الحال عليه أن ينسحب من صفحتي وبه وجب الإعلام والسلام»
لكن الدكتورة فتيحة عبد الله رئيسة الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة فتشفق على بعض المبدعين من أوهام الشهادات قائلة «لا أدري، دائما أتوجس من مؤسسات لا أعرفها، ولم أسمع بأسماء المشرفين عليها، وحتى الأسماء الفخمة لشهاداتها، وألقاب الفائزين بها، مثل دكتوراه فخرية، وسام شاعر العرب، ونورسة الخليج،وووو، وكل يوم وسام وشهادة عظمى، وهذا يريبني اكثر. فلا اكترث لها.»
ويستمر زخم التكريمات الهلامية ، وتتدفق الألقاب والأسماء الافتراضية ، وتتعالى الفقاعات في سماوات الله المفتوحة ، في إعلان صارخ لوجه آخر من التفاهات التي من بها علينا سوشلميديا العصر . ولله في خلقه شؤون .