تنظم في منطقة تحتاج لسيارات إسعاف وصهاريج مياه للشرب ولأشياء أخرى .. «السباحة في المياه الباردة» .. تظاهرة لهدر المال العام على حساب معاناة ساكنة خنيفرة

 

بمجرد عودة الشارع العام بإقليم خنيفرة لتداول اقتراب موعد ما سمي ب «السباحة في المياه الباردة»، ببحيرة أكلمام، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بموجة من الجدل والانتقاد والاستنكار، وتعالت الأصوات المطالبة بوضع حد لما وصفه الكثيرون بالعبث والهدر المالي، مع مطالبة العامل الحالي بضرورة التدخل الفوري للقطع مع بعض الأساليب والسياسات الموروثة والمتوارثة.
ومناسبة الكلام، اعتياد بعض الأشخاص والجمعيات المعلومة منذ 2018، القدوم للإقليم باسم «السباحة في المياه الباردة»، خصوصا ببحيرة أكلمام، حيث ينزلون بهذه البحيرة، في جوقة رسمية موسومة بلوجيستيك الجماعات الترابية، وخدمات السلطات والمنتخبين والوقاية والطباخين والفنانين، وحضور الشخصيات المدنية والعسكرية، وبعدها يغادر «السباحون» الإقليم بامتيازات دسمة متوجة بدعم قدره 300 ألف درهم.
الفاعلون المحليون رفعوا أصواتهم بالدعوة إلى ضرورة إعادة النظر في طريقة توزيع الدعم المالي، كما طالبوا بالاهتمام بمشاريع مستدامة تعزز من جاذبية المنطقة سياحيا وثقافيا، وليس الاستمرار في «جرائم الريع» تحت مسميات مخادعة من قبيل تشجيع الرياضة والسياحة وغيرها، علما بنصب علامة إشهارية بالبحيرة المذكورة تمنع على «أبناء الشعب» السباحة بدعوى التحذير من الغرق بعد تراجع مياه هذه البحيرة.
ويتساءل الرأي العام المتتبع حول مدى قدرة المؤسسات المنتخبة المعنية بدعم هذا البهرجة، على الانسحاب من الاتفاقيات المبرمة في الموضوع، ثم فالجميع على علم بتدهور مستويات مياه بحيرات الإقليم جراء التغيرات المناخية وتراجع معدلات التساقطات المطرية والثلجية، ومنها أساسا بحيرة أكلمام التي كانت تعد من أبرز المعالم البيئية والسياحية إلى أن أضحت عبارة عن «بركة كبيرة» لا تصلح لا للسباحة ولا للسياحة. وتأتي انتفاضة المجتمع المدني في وجه «السباحة في المال العام»، أمام ما باتت تعانيه ساكنة منطقة البحيرة ومحيطها من فقر وعزلة وحرمان، كما لم تنل نصيبها من التنمية المحلية كغيرها من الجماعات الترابية بالإقليم، وكم تتضاعف معاناتها أكثر مع حلول فصل الشتاء من كل سنة، حين يحل بها «السباحون في المياه الباردة»، ممن يحشون جيوبهم بمبالغ كان من المفروض استثمارها في ما قد يعود بالنفع على المنطقة.
ومن حق الكثيرين التحدث بمرارة عن «بحيرة أكلمام أزكزا» المشمولة بهيكلة سياحية ما تزال خارج تغطية الاتصال، كما ما تزال في حاجة أكثر لسيارات إسعاف وصهاريج مياه للشرب، وربط ما تبقى من دواويرها بشبكة الإنارة وغيرها من الخدمات ذات الأولوية، كما لآليات تفك العزلة عن بعض دواوير الأعالي، وكذا هي في حاجة للاستفادة من مداخيلها الغابوية لتقوية حقها في التنمية.
والملاحظ أن المعارضة بالمؤسسات المنتخبة المعنية باتفاقية دعم «السباحة في المياه الباردة» لا تتوانى عن معارضة الاستمرار في هذه الاتفاقية، مقابل تذكيرها بالأولويات التنموية والخدمات الأساسية، واعتبارها هذا النوع من التظاهرات تجسد تبذيرا واضحا للمال العام واستنزافا غير مبرر للموارد المالية في أنشطة ومهرجانات توصف بأنها تافهة ولا تقدم أي قيمة مضافة للمجتمع المحلي. ويرى المنتقدون أن الإنفاق على أنشطة ترفيهية خالية من أي تأثير إيجابي على جودة خدمات المواطنين يعد هدرا غير مقبول للمال العام، خاصة في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تعاني منها فئات واسعة من المجتمع، مع التعبير عن استيائهم من استمرار هذه التظاهرات لسنوات طويلة دون إجراء أي دراسة جدوى أو تقييم حقيقي لنتائجها إرضاء للإملاءات على حساب خدمة المصلحة العامة. حتى الذين راهنوا على خطوة «السباحة في المياه الباردة» في تطوير وتثمين المجال السياحي، لم يحقق ذلك الأهداف المرجوة ولا بلوغ الدينامية الممنهجة على مستوى القطاع، حتى من المشاريع التي أطلقتها وزارة السياحة مؤخرا لتنمية 16 قرية سياحية بمختلف المناطق، بالتعاون مع الشركة المغربية للهندسة السياحية، بميزانية إجمالية تصل إلى 188 مليون درهم، لم تشمل الإقليم الذي يزخر بالكثير من المؤهلات السياحية.
وبخصوص نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ممن كانوا يقومون بتغطية التظاهرة، أو التصفيق لها،ثم انقلبوا ضدها في الآونة الأخيرة، فكان جواب بعضهم عن ذلك بأنهم صدقوا أول الأمر أن مشاركة السباحين المغاربة والعالميين في التظاهرة سيساهم في التعريف بالمؤهلات السياحية والتشجيع على السياحة الجبلية إلا أن ذلك أفقد ثقة الرأي العام المحلي.
تظاهرة «السباحة في المياه الباردة» جرت مسابقاتها بمشاركة57 سباحا  2022، وحوالي 120 سباحا في 2023 ومثل العدد تقريبا في 2024، إلى أن أضحت موعدا سنويا، ما يوضح أن التظاهرة لم تعد «تظاهرة رياضية» فقط بل أنها «سياحة استثنائية من نوع خاص»، وعلى حساب أشياء لم تحقق الأهداف المرجوة منها، وبلا قيمة مضافة، لا تنمويا ولا سياحيا، بل لا أحد تمكن من فك كواليس الأمر. والمثير لكل التعاليق الممكنة كون التظاهرة تجرى بمنطقة لا يأتي ذكرها إلا في «ذكرى خطاب أجدير» عندما تعلو أصوات الدفوف والسيارات الرسمية وروائح الشواء ووصولات الأموال المهدورة، دون أن يكون لذلك كله أي أثر إيجابي على حياة الساكنة، شأنها شأن كتاب «خنيفرة إقليم فريد» المثير للكثير من الجدل بسبب تكلفته التي قدرت ب 140 مليون سنتيم، وهناك مقترحات تزحف لابتلاع الملايين بدعوى إنجاز «كتاب أنطولوجي».
ولا غرابة في حدوث حالة من الجدل بخنيفرة، بسبب توزيع الدعم المالي الذي تستفيد منه الجمعيات المحلية والخيرية، حيث اعتبر العديد من المراقبين أن عملية التوزيع شابها غياب الشفافية والعدالة، ما أثار تساؤلات كثيرة حول المعايير المعتمدة لاختيار الجمعيات المستفيدة وتخصيص المنح، ومطالب بالتدخل لضمان شفافية صرف الأموال العامة بما يخدم مصلحة المجتمع، في إطار رؤية شاملة تضمن تحقيق العدالة والإنصاف.

 


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 30/01/2025