تيك توك تخوض معركتها الأخيرة في الولايات المتحدة

يبدو أن المحكمة العليا الأميركية ستؤيد قانوناً فيدرالياً من شأنه حظر منصة تيك توك في الولايات المتحدة في غضون أقل من أسبوعين، إذا رفضت الشركة الصينية الأم بايتدانس بيعها. فخلال أكثر من ساعتين ونصف من المرافعات الشفوية في وقت متأخر الجمعة، وافق أغلب القضاة على أن مصلحة الحكومة في الأمن القومي تبرر بعض القيود المفروضة على حرية التعبير. وبدا أنهم يتبنون مخاوف الكونغرس بشأن استخدام الحكومة الصينية سراً للمنصة في جمع كميات هائلة من البيانات الحساسة حول ملايين المستخدمين الأميركيين، واستغلال هذه المعلومات لابتزاز الشباب أو تحويلهم إلى جواسيس.
خلال الجلسة، سأل رئيس المحكمة العليا جون جي. روبرتس جونيور المحامي الذي يمثل «تيك توك» عن نفوذ الحكومة الصينية على الشركة الأم بايتدانس قائلاً: «هل من المفترض أن نتجاهل حقيقة أن الشركة الأم عرضة للقيام بأعمال استخباراتية للحكومة الصينية؟». وأضاف القاضي بريت إم. كافانو في وقت لاحق: «يبدو أن هذا يشكل مصدر قلق كبير بشأن مستقبل البلاد»، وفقاً لما نقلته صحيفة واشنطن بوست اليوم السبت.
كانت «تيك توك» ومجموعة من منشئي المحتوى عليها قد طلبوا من القضاة إلغاء القانون قبل الموعد النهائي الذي حدده الكونغرس في 19 يناير الحالي لتتخلى «بايتدانس» عن ملكيتها للمنصة التي تضم أكثر من 170 مليون مستخدم في الولايات المتحدة. وقد يكون لقرار المحكمة آثار تتجاوز «تيك توك» في ما يتعلق بمدى قدرة الإدارة الأميركية على وضع قواعد لمنصات التواصل الاجتماعي.
وفي حين أقر القضاة بالتهديد الذي يحيط بحرية التعبير إذا حظرت المنصة هذا الشهر، أكد العديد منهم أن الكيانات الأجنبية لا تتمتع بحقوق التعديل الأول في الدستور الأميركي، وأن المنصة يمكن أن تستمر في العمل كالمعتاد، ولكن تحت ملكية مختلفة غير صينية.
خلال الجلسة التي نقلت «واشنطن بوست» وقائعها، برزت تلميحات إلى التغيير الوشيك في الإدارة الأميركية وما قد يترتب على ذلك من آثار على القانون الذي وقع عليه الرئيس جو بايدن في إبريل الماضي، بعد أن أقره الكونغرس بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ويأتي الموعد النهائي لسحب الاستثمارات الصينية من المنصة قبل يوم واحد من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي وعد خلال حملته الانتخابية بـ»إنقاذ تيك توك».
وطلب محامي «تيك توك»، نويل فرانسيسكو، من القضاة تعليق القانون مؤقتاً «لمنح الجميع مساحة تنفس صغيرة» بدلاً من اتخاذ ما قال إنه سيكون خطوة غير مسبوقة لإسكات أصوات أكثر من نصف الأميركيين الذين يشاركون المحتوى ويشاهدونه ويتفاعلون معه على المنصة الشهيرة. قبل الجلسة، طلب محامو ترامب أيضاً من المحكمة العليا تأجيل التنفيذ لمنح الرئيس المنتخب فرصة لحل القضية فور عودته إلى البيت الأبيض.
لكن المدعية العامة إليزابيث بي. بريلوغار التي تمثل إدارة بايدن قالت إن الكونغرس حدد عمداً الموعد النهائي في 19 يناير ليلوي يد الشركة، مضيفة أن المنصة يمكن إعادة تشغيلها في أي وقت بعد سحب الاستثمارات الصينية. وقالت بريلوغار: «كل الهدف من القانون هو محاولة اجتثاث قدرة دولة معادية أجنبية على الحصول على بياناتنا وقدرتها على ممارسة السيطرة على المنصة».
ويرجح أن القضاة سيصدرون قرارهم الأسبوع المقبل حول ما إذا كان القانون يمكن أن يسري كما هو مخطط له. يمكن للمحكمة إصدار رأي مكتوب أكثر شمولاً في وقت لاحق.
حتى لو أصبح الحظر سارياً في 19 يناير، فمن المحتمل أن يستغرق ظهور بعض تأثيراته على أرض الواقع وقتاً. أثناء الجلسة، بث بعض مستخدمي «تيك توك» الوقائع بالصوت بينما قدموا تعليقاتهم الخاصة – السلبية في الغالب – حول مزايا قانون الحظر أو البيع. حضر السناتور إدوارد جيه. ماركي (ديمقراطي من ماساتشوستس) الجلسة، وحث القضاة على اعتبار القانون غير دستوري، ونشر مقطع فيديو من خارج المحكمة على المنصة.
بموجب القانون، المعروف باسم «قانون حماية الأميركيين من تطبيقات التحكم الأجنبية»، قد تواجه شركات تطبيقات عملاقة مثل «آبل» و»غوغل» وخدمات استضافة الإنترنت غرامات ضخمة إذا استمرت في توفير «تيك توك» على متاجرها بعد 19 يناير. يمكن أن تكبد المخالفات الشركات 5 آلاف دولار عن كل مستخدم يستمر في الوصول إلى «تيك توك» عبر مواقعها، وهو ما قد يصل إلى مليارات الدولارات من العقوبات. وعلى الرغم من أن منصة تيك توك ستظل موجودة على أجهزة المستخدمين الحاليين، فإن عدم قدرتهم على الوصول إلى التحديثات قد يؤدي إلى توقفهم عن استخدامها.
في السياق، حاجج المحامي جيفري فيشر الذي يمثل منشئي المحتوى على «تيك توك» بأن القيود التي يفرضها القانون على حرية التعبير تتعارض مع تاريخ الولايات المتحدة في التعامل مع الحملات الأيديولوجية التي يشنها خصوم أجانب. وقال إنه بموجب التعديل الأول «لا تشكل الأفكار المجردة تهديداً للأمن القومي. إن تقييد حرية التعبير، لأنها قد تثير الشكوك حول قادتنا أو تقوض الديمقراطية، هي أحد أنواع الممارسات التي يقوم بها أعداؤنا. هذا ليس ما نفعله في هذا البلد». وأشار إلى أن حجة الحكومة قد تسمح للكونغرس بمنع المبدعين الأميركيين من المشاركة في صنع أفلام وثائقية مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أو العمل مع قناة الجزيرة، أو غيرها من المؤسسات المملوكة للدولة جزئياً أو كلياً. وأصرت «تيك توك» ومحاموها على أن المنصة قابلة للمقارنة بوسائل الإعلام التقليدية التي تمارس السلطة التحريرية على المحتوى، والتعديل الأول يمنع الكونغرس من التدخل في هذه القرارات.
وخلال جدال يوم الجمعة، ذكر القضاة والمحامون مرات عدة صحيفة واشنطن بوست ومالكها جيف بيزوس لإثبات وجهة نظرهم. تساءل محامي «تيك توك» عما سيحدث إذا استخدمت الصين افتراضياً نفوذها على إمبراطورية بيزوس حول العالم، بما في ذلك أعماله الصينية، لإجبار صحيفة واشنطن بوست على نشر مقالات تريد بكين رؤيتها على الصفحة الأولى. وقال: «من المؤكد أن الحكومة لا تستطيع أن تأتي وتقول: جيف بيزوس، عليك إما بيع صحيفة واشنطن بوست أو إغلاقها. هذا من شأنه انتهاك حقوق التعديل الأول لكل من بيزوس وصحيفة واشنطن بوست، لأنهما في النهاية هما من يتحملان العبء».


بتاريخ : 14/01/2025