ثريا أعراب بطلة مغربية شقت مسيرتها الرياضية بمعاول الإصرار والنجاح

الحديث مع ثريا أعراب، البطلة المغربية في رياضتي الجمباز والكرة الطائرة، ذو شجون، حديث ممتع تأخذنا من خلاله إلى سنوات كتبت فيها إسهامات المرأة المغربية في الرياضة بمداد من ذهب، حيث حب القميص الوطني يسمو على كل الصعاب وحيث الرغبة في النجاح والتميز لا تضاهيها أي رغبة، وحيث صوت الاعتزاز بالمنجزات القارية والعربية والدولية يعلو فوق كل الأصوات، لكن بطلتنا وفي خضم كل هذا الافتخار والزهو بما حققته المرأة المغربية في جميع الميادين لا تنسى أن تذكرنا أن الالتزام بالقيم والأخلاق والمبادئ هو أغلى ميدالية يمكن أن تزين بها المرأة المغربية وجودها وسموها وانتماءها لهذا الوطن الغالي…في هذا الحوار وقفة تحية وإجلال للسيدة ثريا ومن خلالها إلى كل النساء بمناسبة عيدهن السنوي…

 

 عن بدايات ثريا أعراب في الميدان الرياضي…

ثريا أعراب، بطلة مغربية في رياضة الجمباز سنة 1969، عضو الفريق الوطني للكرة الطائرة في السبعينيات، الذي شارك في أول بطولة إفريقية في مصر 1975، وفاز بالميدالية الذهبية، حاصلة على الإجازة في الاقتصاد 1979 وعلى الماستر في التدبير الرياضي في 2012، هي أول امرأة مغربية تترأس ناديا رياضيا( نادي التبغ الرياضي) للكرة الطائرة لجميع الفئات، الصغار والكبار والفتيات، وأول امرأة مغربية عضو في جامعة الكرة الطائرة في 1999، وكذلك أول امرأة مغربية عضو في الاتحاد الإفريقي للكرة الطائرة سنة 2000 ، كما مثلت المغرب كأول امرأة مغربية عربية إفريقية في الاتحاد الدولي للكرة الطائرة، بسويسرا، هذه المؤسسات قضت بها ثريا عدة سنوات، كما كانت مؤسسة ورئيسة فرع الكرة الطائرة لنادي الوداد البيضاوي في 2008 وترأست الفرع بفئتي الفتيات والذكور من 2008 إلى 2016، حين قدمت استقالتها بسبب غياب الدعم المادي، كما كانت عضوا في لجنة المرأة والرياضة باللجنة الأولمبية الوطنية المغربية إلى جانب ثلة من المغربيات المناضلات كسميرة الزاولي وفاطمة عوام، حيث نظمن عدة تظاهرات منها المؤتمر الدولي للمرأة والرياضة بمراكش سنة 2004 ، بالإضافة إلى مشاركتهن في عدة مؤتمرات قارية ودولية.

كيف اكتشفت ثريا أعراب شغفها بالرياضة؟

أنتمي لجيل كان يصعب أن تمارس فيه المرأة الرياضة، بدأت بالرياضة المدرسية وهناك اكتشفت موهبتي الأستاذة اموزوم فاطمة، التي لا أزال على تواصل معها لحد الآن، اصطحبتني إلى نادي «لا كازابلانكيز» حيث سجلتني بقاعة الجمباز، ومن هناك بدأت قصتي مع الرياضة.
في ذلك الزمن الجميل كان هناك معسكرات تجمع جميع الرياضات: الجمباز، كرة السلة، كرة اليد… وخلال إحدى هذه المعسكرات ربطت صداقة مع لاعبات كرة الطائرة وكنت أشاركهن اللعب ليطلب مني مدربهن بعد أن لاحظ مهارتي أن أنتسب إلى فريقه، وكان ذلك سنة 1974، هذا خلق مشكلا بين المدربيْن ولكن بعد منحي فرصة الاختيار فضلت كرة الطائرة والذهاب للمشاركة في البطولة الإفريقية بالإسكندرية بمصر سنة 1975، وكانت تلك بدايتي مع كرة الطائرة إلى حين أنهيت مساري كلاعبة في سنة 1982، وعندما تخرجت وانتسبت لشركة التبغ التي كانت تتوفر على نوادي رياضية عديدة، أكملت مساري مع فريقها ثم دربت الفريق النسوي بها وتدرجت في مختلف مناصب التسيير حتى أصبحت رئيسة نادي الاتحاد الرياضي سنة 1999في أوج عطائه، حين كان يحرز بطولة المغرب وكأس العرش، إلى أن تقاعدت في إطار المغادرة الطوعية سنة 2008. بعد ذلك أسست فرع الكرة الطائرة لنادي الوداد.

 منذ بداياتك بصمت على مسار حافل ومتميز، فمن الجمباز إلى الكرة الطائرة إلى التدريب ثم التسيير، كيف استطاعت ثريا التغلب على الصعوبات التي واجهتها طوال مسيرتها؟

كانت هناك صعوبات كثيرة واجهتها في تلك الفترة، أولها نظرة المجتمع للفتاة التي تزاول الرياضة، حيث كان ينظر إليها على أنها منحرفة، وحتى الوالد، رحمه الله، ذي الأصول الأمازيغية رفض هذا الأمر رفضا كليا بل كان يرفض حتى أن أتابع دراستي، في فترة كان هم الأسر أن تتزوج بناتهن في سن السادسة عشرة وأن يكوّن أسرهن، أو أن يتعلمن «الصنعة» ، لكن ربما هذه الصعوبات هي ما حفزني للاستمرار بالإضافة إلى الحافز الوطني. زيادة على الصعوبات المادية التي لا تقارن بما نراه الآن، كنا متطوعين في الرياضة، كنا نشتري في غياب الإمكانيات جميع مستلزماتنا، بل في بعض المرات كنا نشتري القميص الوطني من مالنا الخاص، المهم أن يكون لنا شرف تمثيل المغرب وحمل قميصه ورفع رايته في المحافل الدولية، فقد كان الحافز الوطني حاضرا بقوة في ذلك الوقت، كما أن التوفيق بين الدراسة والرياضة كان أيضا أحد الصعوبات التي واجهتنا، غير أن الشغف والحب والتأطير العجيب لمؤطرين كانوا في المستوى العالي …هو ما جعلنا نواصل رغم كل الصعاب.

كانت البطلات المغربيات سباقات على المستويين القاري والعربي لمزاولة العديد من الرياضات، كما كن سباقات لإحراز ميداليات وتحطيم أرقام قياسية. في نظرك من أين اكتسبت المرأة المغربية هذه الرغبة في التميز والنجاح؟

بالفعل، كانت البطلات المغربيات سباقات قاريا وعربيا لا على مستوى المزاولة ولا على مستوى إحراز الميداليات، وقد كانت أول مشاركة في الألعاب الأولمبية للمغربيتين، فاطمة الفقير ومليكة حدقي، وأول ميدالية أولمبية سنة 1984 للبطلة نوال المتوكل في لوس أنجليس، كان المغرب في أوج عطائه في جميع الرياضات، لقد كانت المرأة المغربية سباقة ليس فقط في الممارسة الرياضية بل في عدة ميادين أخرى، فأول جامعة في العالم بنتها مغربية هي فاطمة الفهرية، وأول طيارة عربية كانت مغربية هي ثريا الشاوي، على مستوى العالم العربي أيضا ولجت السيدات المغربيات القضاء كما كن وزيرات واستطعن اقتحام كل الميادين. المرأة المغربية حباها الله بميزات الصبر والمقاومة والنضال، امرأة كفؤة وقوية ولها مؤهلات وقدرات تجعلها تتبوأ أعلى المناصب.

لكن لماذا لم نعد نرى، في وقتنا الحالي، بطلات بمستوى نوال المتوكل ونزهة بيدوان وثريا أعراب وغيرهن كثير؟

هذا سؤال يستحق ندوات وأبحاث، لقد تراجع المستوى كثيرا وتراجعت الرياضة النسوية بشكل يدعو للأسف، غير أن هذا التراجع لا يسجل في كرة القدم التي لم تكن حاضرة في ما مضى، ولكن بالنسبة لألعاب القوى، الكرة الطائرة وكرة السلة وكرة اليد، فالتراجع سافر وملحوظ، ويمكن أن نرجع ذلك إلى عوامل أهمها تدهور الرياضة المدرسية أو انقراضها، إذ لم تعد مدارسنا تهتم ببرمجة حصص الرياضة لتلامذتها بل هناك مدارس لا تتوفر على ساحات، ناهيك عن المدارس الخاصة التي لا يفكر أصحابها عند بنائها على شكل عمارات، في تخصيص ساحات أو قاعات رياضية. بالنسبة لي فقد كنت محظوظة خلال دراستي في مدرسة فاطمة الزهراء بالحبوس التي كانت تتوفر على ملاعب وكان بها قاعة للجمباز.
ثانيا، لقد عرفت الأندية، التي كانت تشتغل وتكوّن، تأخرا أو لم يعد لها وجود، مثل نادي «لاكازابلانكيز» الذي اندثر وأصبح في خبر كان. أمر مؤلم أن نقف على ما وصل إليه هذا النادي من تدهور، فقد توقف عن المساهمة في تخريج أجيال من الرياضيين منذ أكثر من عشر سنوات بكل ما يعنيه ذلك من ضياع …
لقد كانت الدار البيضاء تتوفر على أكثر من عشرة أندية قوية وكبيرة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، كانت تضم كل الفئات، الذكور والإناث، الصغار والكبار، لكن مع الأسف لم يعد فيها إلا بضع أندية ضعيفة، لا تضطلع بدور التكوين والتأطير.. إضافة إلى كل ذلك هناك ظواهر جديدة ساهمت في هذا التراجع كغزو السياسة للرياضة ناهيك عن ظواهر أخرى أصبحت تسيطر على مشهدنا الرياضي، ففي الوقت الذي كان فيه المغرب قديما يعرف فئات كثيرة من المتطوعين الذين لم يكن هدفهم ماديا صرفا أصبحنا نلاحظ الآن غزو المسترزقين والوصوليين الذين لا صلة لهم بالرياضة سوى السعي وراء المال، قديما كانت مواهبنا تشفع لنا لكن اليوم الأمر تغير.

 مازلنا في وقتنا الحاضر نشهد حالات كثيرة لعنف ممارس على النساء بجميع أنواعه، في نظرك ماهو السبب؟

قديما كان العنف يمارس على المرأة فقط لكنه اليوم يمارس حتى على الرجل، ولكي نكون عادلين، شخصيا أصبحت أتفاجأ بالعنف اللفظي أو الجسدي الذي تمارسه المرأة نفسها سواء تجاه بنات جنسها أو تجاه الرجل، لقد أصبحت بعض النساء يقمن بتصرفات لا تليق بهن أو بمكانتهن، لكن العنف الأخطر هو ذلك الذي تمارسه امرأة تجاه امرأة أخرى، أصبحنا نقف على ظواهر خطيرة جدا تفشت في مجتمعنا، وقد فاقمت المشاكل الاجتماعية والاقتصادية من هذه الظواهر التي طفت على سطح المجتمع المغربي.

ماذا يعني لك يوم ثامن مارس الذي تحتفل به المغربيات أسوة بجميع النساء في أنحاء العالم ؟

اليوم العالمي للمرأة هو مناسبة لكي نقف على الحصيلة في جميع المجالات ونكتشف أوجه التقدم والخلل، سواء في ما يخص المرأة المغربية أو المرأة حول العالم، هو يوم للاشتغال حول سبل القضاء على الظواهر التي سبق وتكلمنا عنها، هو مناسبة أيضا لتقييم وبذل الجهود للوصول إلى نتائج أحسن في جميع الميادين. اليوم العالمي للمرأة أصبح، للأسف، مناسبة للتسويق والتجارة، هذا العيد يجب أن يكون للتقييم والوقوف مع النفس وإيجاد الحلول لمشاكل المرأة المهمشة والمرأة في العالم القروي، هناك ظواهر كثيرة أصبحت تؤثث مجتمعنا منها على سبيل المثال أطفال الشوارع، هي ظواهر ومشاكل تكون ضحيتها المرأة ولكن في أحيان كثيرة قد تكون هي السبب فيها.
ولا شك أن المرأة المغربية اليوم تقدمت في جميع المجالات بالمقارنة مع الأجيال السابقة، فقد فتحت لها الأبواب، وسلط عليها وعلى منجزاتها ضوء الإعلام، كما أعطيت لها الفرصة حاليا وأصبحت تحظى بالامتيازات الكثيرة، لكن أتمنى أن يكون هناك فرق وأن تضيف شيئا جديدا بالمقارنة مع الرجل وتبين عن مهاراتها وكفاءاتها التي لا تخفى على أحد، لكن وبالمقابل وخلال بحثنا عن التقدم والتطور علينا ألا ننساق وراء المجتمعات الغربية الأوروبية، البعيدة ثقافتها كل البعد عن قيمنا، لقد كرم الله المرأة وهناك سورة قرآنية كاملة باسم النساء ،كما أن الرسول» ص» قال ( رفقا بالقوارير)، ما يظهر مدى التكريم والاهتمام بالمرأة الذي يدعو إليه ديننا الحنيف، لذا يجب ألا ننسلخ من ثقافتنا وأخلاقنا وننجرف وراء التقدم الذي أسميه التقدم العشوائي، إذ أن التقدم الحقيقي هو أن تتشبث المرأة بالأصل والقيم مهما وصلت إليه من مراتب، وألا تنجرف وراء الثقافة الغربية البعيدة عنا وتنبهر بها. المرأة هي نواة المجتمع فإذا صلحت صلح وإذا ضاعت ضاع كل شيء.


الكاتب : حوار : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 09/03/2022